تعتبر هجمات 11 سبتمبر عام 2001 التى حدثت على الأراضى الأمريكية واحدة من أكثر العمليات الإرهابية دموية فى تاريخ الولايات المتحدة بعد أن أستطاع 19 إرهابيا مرتبطين بتنظيم القاعدة من إختطاف عدد من الطائرات المدنية و توجيهها ضد أهداف حيوية مثل برجي مبنى التجارة العالمى فى مدينة نيويورك و مبنى وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) حيث أسفرت تلك الهجمات عن مقتل الألاف من المدنيين مع تحقيق دمار واسع النطاق اضافة الى مقتل العديد من رجال الشرطة و الإطفاء الذين حاولوا إنقاذ العالقين فى البرجين بعد انهيارهم و هو الحادث الذى كان له العديد من التداعيات التى لا يزال يتردد صداها حتى وقتنا الحالى بعد قيام الولايات المتحدة باجتياح أفغانستان و اسقاط نظام طالبان و بعدها قامت بغزو العراق تحت ذريعة امتلاكه لأسلحة دمار شامل و أنهت غزوها بإسقاط نظام صدام حسين و التسبب بدخول البلاد فى مرحلة أضطرابات سياسية ضخمة .
تخطيط هجمات 11 سبتمبر
كانت هجمات 11 سبتمبر متسارعة إلى حد كبير لأن “أسامة بن لادن” زعيم تنظيم القاعدة لديه معتقدات بشأن “الولايات المتحدة” في الفترة التي سبقت الحادث حيث أوضح “أبو وليد المصري ” الذى عمل مساعدًا لبن لادن في “أفغانستان” خلال فترة الثمانينيات و التسعينيات أنه في السنوات التي سبقت الهجمات أصبح “بن لادن” مقتنعًا بشكل متزايد بأن أمريكا كانت أضعف بكثير مما كان يعتقده البعض و كدليل على كلامه أشار إلى ما حدث لهم في “بيروت” عندما أدى قصف قاعدة مشاة البحرية إلى فرارهم من “لبنان” في إشارة إلى تدمير ثكنات المارينز هناك عام 1983 و التى أدت إلى مقتل 241 جنديًا أمريكيًا لذلك فهو اعتبرها نمرًا من ورق و هو اعتقاد لم يتشكل فقط فى رحيل أمريكا من لبنان و لكن أيضًا بانسحاب القوات الأمريكية من “الصومال” عام 1993 بعد مقتل 18 جنديًا أمريكيًا في “مقديشو” و الانسحاب الأمريكي من “فيتنام” في السبعينيات .
و كان المخطط الرئيسى فى هجمات 11 سبتمبر هو “خالد شيخ محمد” الذي قضى شبابه في “الكويت” و أصبح ناشطًا في جماعة “الإخوان المسلمين” التي التحق بها في سن السادسة عشرة ثم ذهب إلى “الولايات المتحدة” للالتحاق بالجامعة و حصل على شهادة جامعية من جامعة ولاية “نورث كارولينا” الزراعية و التقنية عام 1986 و بعد ذلك سافر إلى “باكستان” ثم “أفغانستان” لمحاربة “الاتحاد السوفيتي” الذي شن غزوًا على “أفغانستان” عام 1979 و بعدها تحول اهتمامه الى محاربة ” الولايات المتحدة ” حيث خطط لتفجير عشرات الطائرات الأمريكية في آسيا خلال منتصف التسعينيات و هي مؤامرة عرفت باسم “بوجينكا” لكنه فشل فى ذلك الا ان حلمه لم يتلاشى و أعتقد أنه من خلال وضع يده في يد “بن لادن ” أن لديه فرصة لتحقيق هدفه الذي طال انتظاره حيث ألتقى به في “تورا بورا” بأفغانستان و قدم اقتراحًا لعملية تتضمن تدريب طيارين يصطدمون بالطائرات فى مباني بالولايات المتحدة و من ناحيتها قدمت القاعدة الأفراد و المال و الدعم اللوجستي لتنفيذ العملية حيث كان هدف “بن لادن” الاستراتيجى هو مهاجمة “العدو البعيد” أى “الولايات المتحدة ” من أجل إحداث تغيير في أنظمة الشرق الأوسط .
و أظهرت هجمات 11 سبتمبر أن القاعدة كانت منظمة و ذات امتداد عالمي حيث عقدت اجتماعات التخطيط في “ماليزيا” و تلقي المنفذين دروسًا في الطيران بالولايات المتحدة و تم التنسيق من قبل قادة التخطيط بمدينة “هامبورج” فى “ألمانيا” و تحويلات الأموال من “دبي” و تجنيد انتحاريين من دول في جميع أنحاء الشرق الأوسط و كل تلك الأنشطة يشرف عليها فى نهاية المطاف قادة القاعدة في “أفغانستان” و الذين رغم تحمسهم للمخطط الا أنه لم يكونوا أكثر حماسة من المنفذين الذين كانوا يعيشون في الغرب و كان أحد المخططين الرئيسيين هو “رمزي بن الشيبة” أكثر تطرفاً أثناء إقامته في “هامبورج” حيث يبدو أن مزيجًا من التمييز المتصور أو الحقيقي و الاغتراب و الحنين إلى الوطن قد حولهم جميعًا في اتجاه أكثر تشددًا جعلهم ينعزلون بشكل متزايد عن العالم الخارجي و جعلوا بعضهم البعض متطرفين تدريجياً حيث انطلقوا إلى “أفغانستان” في عام 1999 بحثًا عن القاعدة .
و وصل ” محمد عطا ” و الأعضاء الآخرون في مجموعة “هامبورج” إلى “أفغانستان” عام 1999 في الوقت الذي بدأت فيه هجمات 11 سبتمبر في التبلور و أدرك “بن لادن” و قائده العسكري “محمد عاطف” أن “عطا” و رفاقه المتعلمين في الغرب هم أكثر ملاءمة لقيادة الهجمات على “واشنطن” و “نيويورك” و قام “بن لادن” بتعيين “عطا” لرئاسة العملية اما باقى الخاطفين و معظمهم من “السعودية” فقد استقروا في “الولايات المتحدة ” و كثير منهم كان قبل الهجمات بوقت طويل حيث سافروا في مجموعات صغيرة و تلقى بعضهم تدريبًا على الطيران التجاري أما بالنسبة الى ” محمد عطا ” فطوال فترة إقامته في “الولايات المتحدة” كان يبقى “بن شيبة” على اطلاع دائم بتقدم التخطيط عبر البريد الإلكتروني و لإخفاء أنشطته كتب “عطا” الرسائل كما لو كان يكتب إلى صديقته “جيني” مستخدمًا رمزًا غير ضار لإبلاغ “بن الشيبة” أنهم كانوا شبه مكتملين في تدريبهم و استعدادهم للهجمات و كتب في رسالة واحدة : “الفصل الدراسي الأول يبدأ بعد ثلاثة أسابيع … تسعة عشر شهادة للتعليم الخاص و أربعة امتحانات” حيث كانت “الشهادات” التسعة عشر المشار إليها عبارة عن رمز حدد خاطفي القاعدة التسعة عشر بينما حددت الامتحانات أربعة أهداف للهجمات .
و في الصباح الباكر من يوم 29 أغسطس عام 2001 اتصل “عطا” ببن الشيبة و قال له إن لديه لغزًا كان يحاول حله “عصان و طبق عليه كعكة بعصا – ما هذا؟” و بعد التفكير في السؤال أدرك “بن الشيبة” أن “عطا” كان يخبره أن الهجمات ستحدث في غضون أسبوعين و العودان هما الرقم 11 و الكعكة بعصا 9 أى 11-9 أو 11 سبتمبر و في 5 سبتمبر غادر “بن الشيبة” “ألمانيا” متوجهاً إلى “باكستان” و بمجرد وصوله هناك أرسل رسولًا إلى “أفغانستان” لإبلاغ “بن لادن” بيوم الهجوم ونطاقه .
تنفيذ هجمات 11 سبتمبر
و في 11 سبتمبر عام 2001 استقلت مجموعات من المهاجمين أربع طائرات محلية في ثلاثة مطارات بالساحل الشرقي و بعد وقت قصير من الإقلاع قاموا بخطف الطائرات و تعطيل طواقم قيادتها بالتهديد و ربما بطعن بعضهم بقواطع صناديق كان الخاطفين يخفونها و يسيطر الخاطفين على الطائرات التى كانت كلها ضخمة و متجهة إلى الساحل الغربي بأحمال كاملة من الوقود و في الساعة 8:46 صباحًا تم توجيه أول طائرة و هى رحلة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 11 التي انطلقت من “بوسطن” إلى البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي في مدينة “نيويورك” حيث فسر معظم المراقبين ذلك الحادث فى بداية الأمر على أنه لطائرة ركاب صغيرة ثم ضربت الطائرة الثانية و هى الرحلة 175 التابعة لشركة “يونايتد إيرلاينز” و المنطلقة من “بوسطن” أيضا البرج الجنوبي بعد 17 دقيقة و في هذه المرحلة لم يكن هناك شك في أن “الولايات المتحدة” كانت تتعرض للهجوم حيث تضرر كل مبنى بشدة من جراء الاصطدام و اشتعلت النيران فيهما و قفز موظفو المكاتب الذين حوصروا فوق نقاط التأثير من أعلى بشكل أدى إلى وفاتهم بدلاً من مواجهة الجحيم الذي يحتدم الآن داخل الأبراج و بعدها ضربت الطائرة الثالثة و هى رحلة “الخطوط الجوية الأمريكية” رقم 77 و التي أقلعت من مطار “دالاس” بالقرب من “واشنطن” العاصمة الجانب الجنوبي الغربي من “البنتاجون” في تمام الساعة 9:37 صباحًا مما أدى إلى اندلاع حريق في هذا الجزء من المبنى و بعد دقائق أمرت هيئة الطيران الفيدرالية بإيقاف حركة الطيران على مستوى البلاد و خلال الساعة التالية (الساعة 10:03 صباحًا) تحطمت الطائرة الرابعة رحلة “يونايتد إيرلاينز” رقم 93 المنطلقة من “نيوارك” – نيو جيرسي لتسقط بالقرب من “شانكسفيل” في ريف “بنسلفانيا” بعد إبلاغ ركابها لذويهم بالأحداث داخلها عبر الهواتف المحمولة و محاولتهم التغلب على مهاجميهم .
و فى تمام الساعة 9:59 صباحًا انهار البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي الذي تضرر بشدة و سقط البرج الشمالي بعد 29 دقيقة و سرعان ما ملئت سحب الدخان و الحطام شوارع “مانهاتن” و ركض موظفو المكاتب و السكان في حالة من الذعر أثناء محاولتهم تجاوز سحب الحطام المتصاعدة و أصيب عدد من المباني الأخرى المجاورة للبرجين بأضرار جسيمة و سقط عدد منها فيما بعد و اشتعلت النيران في موقع مركز التجارة العالمي لأكثر من ثلاثة أشهر و بدأت عمليات الإنقاذ على الفور حيث سعت الدولة و العالم للسيطرة على فداحة الخسائر و قُتل ما يقرب من 3000 شخص (حوالي 2750 شخصًا في نيويورك و 184 في البنتاغون و 40 في بنسلفانيا ) كما قُتل جميع الإرهابيين التسعة عشر و شمل العدد الإجمالي في مدينة “نيويورك” أكثر من 400 ضابط شرطة و رجل إطفاء فقدوا حياتهم بعد أن هرعوا إلى مكان الحادث و إلى الأبراج .
و فى تلك الأثناء فى صباح هجمات 11 سبتمبر كان الرئيس “بوش” يزور فصلًا دراسيًا فى ولاية ” فلوريدا ” عندما أُبلغ أن طائرة قد طارت إلى مركز التجارة العالمي و بعد ذلك بقليل همس “أندرو كارد” رئيس أركانه في أذن الرئيس اليمنى : “اصطدمت طائرة ثانية بالبرج الثاني و أمريكا تتعرض للهجوم ” و لإبعاد الرئيس عن طريق الأذى انطلق “بوش” في وقت لاحق على متن طائرة الرئاسة و هبط في “واشنطن” العاصمة مساء الهجمات و في الساعة 8:30 مساءً خاطب الأمة من المكتب البيضاوي في خطاب ألقى فيه عقيدة أساسية لسياسة إدارته الخارجية المستقبلية: “لن نفرق بين الإرهابيين الذين ارتكبوا هذه الأعمال و من يؤيهم” و في 14 سبتمبر زار بوش “جراوند زيرو” ( مكان برجى التجارة ) و الذى كان كومة حطام لما تبقى من مركز التجارة العالمي حيث الآلاف الذين لقوا حتفهم هناك و أثناء وقوفه فوق شاحنة إطفاء محطمة ليخاطب عمال الإنقاذ الذين يعملون بجهد للعثور على أي ناجين قال أحد العمال إنه لا يستطيع سماع ما قاله الرئيس ليدلى “بوش” بواحدة من أكثر الملاحظات التي لا تنسى خلال فترة رئاسته :
أستطيع سماعك و بقية العالم يسمعك و سوف يسمع الأشخاص الذين هدموا هذه المباني منا جميعًا قريبًا.
و نتيجة رد فعله القوى على الهجمات فقد أدى ذلك إلى رفع معدلات استطلاعات الرأي من 55 في المائة قبل 11 سبتمبر إلى 90 في المائة في الأيام التي تلت ذلك و هي أعلى نسبة مسجلة لرئيس على الإطلاق .
تداعيات الحادث
كان الضيق العاطفي الناجم عن هجمات 11 سبتمبر و لا سيما انهيار البرجين التوأمين و الذان كانا أبرز معالم مدينة “نيويورك” ساحقًا فعلى عكس الموقع المعزول نسبيًا لهجوم بيرل هاربور عام 1941 و الذي تمت مقارنته بأحداث 11 سبتمبر كان مركز التجارة العالمي في قلب واحدة من أكبر مدن العالم و شهد مئات الآلاف من الأشخاص الهجمات بأنفسهم (قام العديد من المتفرجين بتصوير الأحداث أو تسجيلها بكاميرات الفيديو) و شاهد الملايين المأساة تتكشف على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون و في الأيام التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر أعادت وسائل الإعلام تسجيل لقطات الهجمات مرات لا حصر لها كما كانت مشاهد حشود من الناس و هم غارقين في الحزن و متجمهرين في “جراوند زيرو” بحثا عن زويهم الذين كانوا تحت الأنقاض مؤسفا و مأساويا علاوة على ذلك اهتزت الأسواق العالمية بشدة حيث كانت الأبراج في قلب الحي المالي في “نيويورك ” و أدى الضرر الذي لحق بالبنية التحتية لمانهاتن إلى جانب المخاوف من الذعر في سوق الأسهم إلى إبقاء أسواق “نيويورك” مغلقة لمدة أربعة أيام و تكبدت الأسواق بعد ذلك خسائر قياسية كما تسببت الهجمات في تقطع السبل بعشرات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء “الولايات المتحدة” حيث ظل المجال الجوي الأمريكي مغلقًا أمام الطيران التجاري حتى 13 سبتمبر و لم تُستأنف الخدمة العادية الا مع إجراءات أمنية أكثر صرامة لعدة أيام .
و يرى المراقبين أن هجمات 11 سبتمبر تعتبر نجاح تكتيكي هائل للقاعدة لأن الضربات كانت منسقة جيدًا و ضربت أهدافًا متعددة في قلب خصومهم و تم تضخيم الهجمات من خلال بثها حول العالم لجمهور لا يحصى حيث وقعت في عاصمة الإعلام العالمى مما جعلها تضمن أوسع تغطية ممكنة للحدث فمنذ أن شاهد مشاهدى التلفزيون اختطاف و قتل رياضيين إسرائيليين خلال أولمبياد ميونيخ عام 1972 شهد جمهور عالمي هائل هجومًا إرهابيًا مباشرة و إذا كانت القاعدة منظمة غير معروفة إلى حد كبير قبل 11 سبتمبر ففي الأيام التي تلت ذلك أصبحت اسمًا مألوفًا و بعد هجمات 11 سبتمبر احتشدت الدول المتحالفة مع “الولايات المتحدة” لدعمها و قالت صحيفة لوموند الصادرة فى فرنسا “كلنا أمريكيين الآن” حتى في “إيران” تجمع الآلاف في العاصمة “طهران” في وقفة احتجاجية على ضوء الشموع و سرعان ما أقنعت الأدلة التي جمعتها “الولايات المتحدة” معظم الحكومات بأن تنظيم القاعدة هو المسؤول عن الهجمات حيث كانت الجماعة متورطة في ضربات إرهابية سابقة ضد الأمريكيين و قد أدلى “بن لادن” بالعديد من التصريحات المعادية لأمريكا حيث كان المقر الرئيسي للقاعدة في “أفغانستان” بعد أن أقام علاقة وثيقة مع حركة “طالبان” الحاكمة في ذلك البلد و التي رفضت لاحقًا مطالب “الولايات المتحدة” بتسليم “بن لادن” و إنهاء نشاط القاعدة هناك .
و لأول مرة في تاريخها استندت منظمة “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) إلى المادة 5 مما سمح لأعضائها بالرد بشكل جماعي دفاعًا عن النفس و في 7 أكتوبر شنت “الولايات المتحدة” و القوات العسكرية المتحالفة هجومًا على “أفغانستان” و في غضون أشهر قُتل آلاف المسلحين أو أسروا و اضطر قادة طالبان و القاعدة إلى الاختباء بالإضافة إلى ذلك بذلت الحكومة الأمريكية جهودًا كبيرة لتعقب عملاء القاعدة الآخرين و المتعاطفين معها في جميع أنحاء العالم و جعلت مكافحة الإرهاب محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة و في الوقت نفسه تم تشديد الإجراءات الأمنية داخل البلاد بشكل كبير في أماكن مثل المطارات و المباني الحكومية و الأماكن الرياضية و للمساعدة في تسهيل الاستجابة المحلية أقر الكونجرس بسرعة قانون الوطنية الأمريكية (توحيد و تقوية أمريكا من خلال توفير الأدوات المناسبة و المطلوبة لاعتراض و عرقلة الإرهاب لعام 2001) و التي وسعت بشكل كبير و لكن مؤقتًا سلطات البحث و المراقبة لمكتب التحقيقات الفدرالي FBI و غيرها من وكالات إنفاذ القانون بالإضافة إلى ذلك تم إنشاء وزارة للأمن الداخلي على مستوى مجلس الوزراء .
و على الرغم من نجاح هجمات 11 سبتمبر تكتيكيا في إحداث دمار و مذبحة واسعة النطاق إلا أنها كانت بمثابة فشل استراتيجي للقاعدة فبعد هجمات 11 سبتمبر فقد التنظيم أفضل قاعدة له في “أفغانستان” و لاحقًا حاول بعض قادته بمن فيهم أولئك الذين عارضوا الهجمات في البداية تصوير التدخل الغربي في “أفغانستان” على أنه انتصار للقاعدة حيث أوضح أحد القادة العسكريين للتنظيم في مقابلة بعد أربع سنوات أن الضربات على نيويورك و واشنطن كانت جزءًا من خطة بعيدة المدى و ذات رؤية لاستفزاز “الولايات المتحدة” للقيام ببعض الأعمال غير الحكيمة و رغم توقعهم على أنه سيحدث غزو أمريكي لأفغانستان الا انهم استعدوا فقط لهجمات صاروخية أمريكية محتملة أو ضربات جوية من خلال إخلاء معسكراتهم التدريبية و هو ما لم يحدث حيث حدث اجتياح شامل للبلاد و في أعقاب سقوط طالبان لم تتمكن القاعدة من استعادة أي شيء مثل الوضع الذي كانت عليه في السابق كمنظمة إرهابية لها نفوذ كبير على “أفغانستان” كما أخطأ “بن لادن” بشكل كارثي في الحكم على ردود “الولايات المتحدة” المحتملة على هجمات 11 سبتمبر حيث كان يعتقد أنها ستتخذ أحد شكلين و هو انسحاب نهائي من الشرق الأوسط على غرار الانسحاب الأمريكي من “الصومال” عام 1993 أو جولة أخرى غير فعالة من هجمات صواريخ كروز على غرار تلك التي أعقبت تفجيراتهم للسفارات الأمريكية في “كينيا” و “تنزانيا” عام 1998 و لكن لم يحدث أي من هذين السيناريوهين و تم شن الحملة الأمريكية ضد طالبان بضربات محددة من القوات الجوية الأمريكية و عشرات الآلاف من قوات التحالف الشمالي المناوئين لطالبان وأكثر من 300 جندي من القوات الخاصة الأمريكية في الأرض تعمل مع 110 ضابطا من وكالة المخابرات المركزية (CIA) و في نوفمبر أى بعد شهرين فقط من هجمات 11 سبتمبر سقطت طالبان في يد تحالف الشمال و “الولايات المتحدة” و مع ذلك كانت هذه مجرد بداية لما سيصبح أطول حرب في تاريخها حيث حاولت “الولايات المتحدة” منع عودة طالبان و حلفائهم من القاعدة .
و في ديسمبر عام 2001 و لمواجهة مشكلة مكان إيواء السجناء مع سقوط طالبان قررت الإدارة احتجازهم في خليج “جوانتانامو” الذي كانت “الولايات المتحدة “تستأجره من “كوبا” منذ عام 1903 حيث كانت جذابة لمسؤولي الإدارة الحاكمة لأنهم اعتقدوا أنها وضعت المعتقلين خارج نطاق القوانين الأمريكية التى تسمح لهم ببعض من الحقوق مثل الحق في استئناف حبسهم و مع ذلك كانت تبعد 145 كم فقط عن سواحل “فلوريدا” مما جعلها في متناول وكالات أمنية مختلفة قد تحتاج للسفر إلى هناك لاستخراج معلومات مما يعتقد أنه لمجموعة من مئات الإرهابيين الخطرين و في نهاية المطاف أحتجز حوالي 800 سجين هناك ثم انخفض العدد إلى أقل من 175 بحلول الذكرى العاشرة للهجمات .
و في خطابه عن حالة الاتحاد في 29 يناير عام 2002 وضع الرئيس “بوش” عقيدة جديدة للحرب الوقائية و التي تجاوزت إلى حد بعيد المبدأ الراسخ بأن “الولايات المتحدة” ستخوض الحرب لمنع الخصم من شن هجوم وشيك يهدد البلد حيث قال :
لن أنتظر الأحداث بينما تتجمع الأخطار و لن أقف مكتوف الأيدي لأن الخطر يقترب أكثر فأكثر و لن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لأخطر أنظمة العالم بتهديدنا بأكثر أسلحة العالم تدميراً .
و قد حدد “بوش” تلك الأنظمة الخطيرة على أنها “محور الشر” و التي ضمت “إيران” و “العراق” و “كوريا الشمالية” و شرح “بوش” عقيدة الحرب الوقائية قائلاً بأنه “إذا انتظرنا ظهور التهديدات بشكل كامل فسننتظر طويل جدا.” و كان بوش يعتقد أنه حال تدمير نظام “صدام حسين” في “العراق” فهذا من شأنه أن يردع مجموعات مثل القاعدة أو في الواقع أي شخص آخر قد يميل إلى مهاجمة “الولايات المتحدة” على الرغم من عدم وجود دليل على أن حكومة “صدام حسين” قد تعاونت مع القاعدة في هجمات 11 سبتمبر و في 19 مارس عام 2003 عشية غزو العراق أصدر الرئيس “بوش” أمر الحرب :
من أجل سلام العالم و مصلحة الشعب العراقي و حريته أصدر أمرًا بتنفيذ عملية حرية العراق و بارك الله في القوات.
و في 20 مارس بدأ الغزو بقيادة “الولايات المتحدة” للعراق و في غضون ثلاثة أسابيع سيطرت القوات الأمريكية على “بغداد” و تم بث الصور الشهيرة لإسقاط تمثال “صدام حسين” من قاعدته في جميع أنحاء العالم .
لجنة 11 سبتمبر و نتائجها
في عام 2002 عين الرئيس “بوش” لجنة للنظر في هجمات 11 سبتمبر و بعد ذلك بعامين أصدرت تقريرها النهائي حيث وجدت اللجنة أن الفشل الرئيسي قبل 11 سبتمبر يقع على عاتق وكالة المخابرات المركزية التى قامت بعدم اضافة اثنين من الخاطفين لقائمة المراقبة (الذين تم تدريبهم لكبح الركاب على متن الطائرة) و هم “نواف الحازمي” و “خالد المحضار” حيث كانت الوكالة تتعقب الاثنان منذ أن حضرا اجتماع ” ماليزيا ” في 5 يناير 2000 و كان الفشل في السماح بدخولهما إلى “الولايات المتحدة” تحت أسمائهم الحقيقية بسهولة و في 15 يناير عام 2000 أى بعد 10 أيام من الاجتماع الماليزي طار الاثنان إلى “لوس أنجلوس” و أرتكبت الوكالة خطأ أخر فى أنها لم تنبه مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن هويات الإرهابيين المشتبه بهم و هو الأمر الذي كان من الممكن أن يساعد المكتب في تحديد مكانهم بمجرد دخولهم “الولايات المتحدة” و وفقًا للجنة لم يكن هذا فشلًا لعدد قليل من موظفي الوكالة فحسب بل كان فشل لعدد كبير من ضباطها و محلليها حيث قرأ حوالي 50 إلى 60 موظفًا برقيات حول المشتبه بهما من القاعدة دون اتخاذ أي إجراء و كان بعض هؤلاء الضباط يعلمون أن أحد المشتبه بهم لديه تأشيرة دخول و بحلول مايو 2001 كان البعض يعلم أن المشتبه به الآخر قد سافر إلى “لوس أنجلوس” لذلك لم يكن من الصعب العثور على الخاطفين إذا كانت أسمائهم معروفة لإنفاذ القانون حيث استأجروا شقة و حصلوا على رخص القيادة و فتحوا حسابات بنكية و اشتروا سيارة و أخذوا دروسًا في الطيران في مدرسة محلية حتى أن “محضار” أدرج اسمه في دليل الهاتف المحلي .
و في 24 أغسطس عام 2001 تم إدراج اسمي القاعدة في قائمة المراقبة و تم إبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي بأسمائهما و حتى في ذلك الوقت أرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي فقط إشعارًا “روتينيًا” يطلب التحقيق في قضية “محضار” و بعد أسابيع قليلة كان “حزمي و محضار” و اثنين من الخاطفين على متن رحلة الخطوط الجوية الأمريكية التي ضربت “البنتاجون” و خلص المفتش العام لوكالة المخابرات المركزية إلى أنه فى حال إبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي و المتابعة التشغيلية الجيدة من قبل وكالة المخابرات المركزية فقد كان من الممكن أن تسفر عن معلومات ما عن رحلة التدريب و التمويل و الروابط مع الآخرين الذين كانوا متواطئين في هجمات 11 سبتمبر كما كان الفشل الرئيسي في مكتب التحقيقات الفيدرالي هو التعامل مع قضية “زكريا موسوي” و هو مواطن فرنسي من أصل مغربي كان يدرس في مدرسة طيران في صيف عام 2001 في “مينيسوتا” حيث جذب انتباه المدربين لأنه لم يكن لديه سوى القليل من المعرفة بالطيران و لم يتصرف مثل طالب طيران نموذجي حيث اتصلت مدرسة الطيران بمكتب التحقيقات الفيدرالية و ابلاغهم بشكوكهم و في يوم 16 أغسطس تم اعتقال “موسوي” بتهمة تجاوز مدة التأشيرة و على الرغم من أن “موسوي” لم يكن “الخاطف رقم 20” كما ورد على نطاق واسع لاحقًا إلا أنه تلقى أموالًا من أحد منسقي 11 سبتمبر و هو “رمزي بن الشيبة” و بحسب اعترافاته فإنه كان سيشارك في موجة ثانية من هجمات القاعدة بعد الهجمات على “نيويورك و واشنطن” .
و يعتقد عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي في “مينيابوليس” الذي تعامل مع قضية “موسوي” أنه ربما كان يخطط لاختطاف طائرة لأنه كان قلقًا من أن “موسوي” قد سافر إلى “باكستان” و هو ما كان بمثابة جرس انذار لأن المسلحين غالبًا ما كانوا يستخدمون تلك البلد كنقطة عبور إلى معسكرات تدريب الإرهابيين في “أفغانستان” و في 23 أغسطس (أو 24 حسب بعض التقارير) تم إبلاغ مدير وكالة المخابرات المركزية “جورج تينيت” عن القضية في إحاطة بعنوان “المتطرف الإسلامي يتعلم الطيران” لكن مكتب التحقيقات الفدرالي من ناحيته قرر أنه لا يوجد “سبب محتمل” كافٍ لإجراء بحث في القرص الصلب لجهاز الكمبيوتر و ممتلكات “موسوي” حيث كان مثل هذا البحث سيُظهر علاقته مع “بن الشيبة” و وفقًا للسناتور الجمهوري “تشارلز جراسلي” العضو البارز في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ التي تشرف على مكتب التحقيقات الفيدرالي أن قليل من الجهد الأمريكي للتحقيق مع “موسوي” كان من الممكن أن يكشف عن علاقته مع “بن الشيبة” .
إصطياد بن لادن
في سبتمبر 2001 أعلن الرئيس “بوش” أنه يريد الوصول الى “أسامة بن لادن” ميتًا أو حيًا و تم إصدار مكافأة قدرها 25 مليون دولار في النهاية للحصول على معلومات تؤدي إلى مقتله أو القبض عليه لكن “بن لادن” تهرب من القبض عليه في ديسمبر 2001 عندما تعقبته القوات الأمريكية إلى جبال “تورا بورا” في شرق “أفغانستان” و بعد ذلك أصبح مساره صعبا و كان يُعتقد أنه يعيش في مكان ما في المناطق القبلية الأفغانية الباكستانية الى أن حددته المخابرات الأمريكية في النهاية في “باكستان” حيث كان يعيش في حامية مدينة “أبوت آباد” و في ساعات الصباح الباكر من يوم 2 مايو عام 2011 و بناءً على أوامر من الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” هاجم فريق صغير من القوات البحرية الأمريكية مجمعه و أطلقوا النار على زعيم القاعدة و قتلوه .