نهر الفولجا هو أطول نهر في قارة أوروبا و يقع في دولة روسيا و يتدفق لمسافة تمتد لنحو 3531 كم عبر الأراضي الروسية الوسطى بداية من غابات و سهوب تلال فالداي ثم يشق طريقه متجها نحو الجنوب إلى مصبه فى بحر قزوين و بشكل عام يُنظر لذلك النهر على نطاق واسع بأنه النهر الوطني الأول للدولة الروسية و يعتبر واحد من أهم رموزها و دائما ما يطلق مواطنيها عليه فى ثقافتهم و فلكلورهم الشعبي إسم نهر الفولجا الأم كدلالة علي مدي أهميته بالنسبة إليهم كمصدر للحياة و كونه شريان نقل هام منذ العصور القديمة و حتى الان حيث يعد واحد من أهم الطرق التجارية فى البلاد نظرا لأنه يطل علي عشرة مدن منهم أربعة تعد هى الأكبر فى روسيا بالإضافة إلي وصول رافد منه إلي العاصمة موسكو كما يتميز حوض تصريف نهر الفولجا عن باقي الأنهار فى أنه يحتوي علي أكبر الخزانات في العالم .
نهر الفولجا جغرافيا
و أطلق على نهر الفولجا ذلك الإسم نسبة إلي اللغة الليتوانية التي تعني النهر الطويل حيث تعني كلمة “إيلجا” في الليتوانية “الطويل” و بجانب أنه أطول الأنهار فى أوروبا فهو أيضًا الأكبر من حيث متوسط التفريغ في دلتاه و التى تتراوح كميتها ما بين 8000 إلي 8500 متر مكعب / ثانية و نظرا لوقوعه فى مناطق باردة مناخيا فيتجمد معظمه لمدة ثلاثة أشهر كل عام و هو نهر يبدء تدفقه من منبعه فى تلال فالداي التى يصل إرتفاعاتها إلي 225 مترًا فوق مستوى سطح البحر و تقع شمال غرب مدينة “موسكو” و علي بعد 320 كيلومترًا جنوب شرق “سانت بطرسبرج” و من منبعه يتجه شرقًا عبر بحيرة “ستيرج” و يمر عبر مدن “تفير و دوبنا و ريبينسك و ياروسلافل و نيجني نوفغورود و قازان” و من هناك يبدء فى الإتجاه جنوبًا و يتدفق عبر مدن “أوليانوفسك و تولياتي و سامارا و ساراتوف ، وفولجوجراد (ستالينجراد سابقًا) ” ثم يصب في بحر قزوين أسفل أستراخان على ارتفاع 28 مترًا تحت مستوى سطح البحر.
و يحتوي نهر الفولجا على العديد من الروافد أهمها أنهار “كاما و أوكا و فيتلوجا و السورا ” حيث يشكل مع روافده نظام نهر الفولجا الذي يتدفق عبر مساحة تبلغ حوالي 1،350،000 كيلومتر مربع في الجزء الأكثر إكتظاظًا بالسكان في “روسيا” كما تحتوي دلتا نهر الفولجا على ما يصل لـ 500 قناة و نهر صغير و يمكن العثور على زهور اللوتس على طول ضفاف النهر منها أحد الأنواع النادرة المعروفة بإسم ” لوتس قزوين ” و الموجودة في محمية “أستراخان” الطبيعية في دلتاه كما يوفر وادي النهر الخصيب كميات كبيرة من القمح و يحتوي على العديد من الثروات المعدنية حيث تتمركز صناعة البترول الكبيرة في وادي الفولجا و تشمل الموارد الأخرى الغاز الطبيعي و الملح و البوتاس و يتم إستهلاك معظم مياهه غرب البلاد المقامة عليها عدد من كبير السدود لإستخدام مياهه فى الري و الطاقة الكهرومائية علاوة على تشكيل النهر عدد من الممرات المائية الصالحة للملاحة و التى تربط العاصمة “موسكو” بعدد من البحار و هم “البحر الأبيض و بحر البلطيق و بحر قزوين و بحر آزوف و البحر الأسود ” .
الدلتا
تعتبر دلتا نهر الفولجا حيث يصب في بحر قزوين هي أكبر دلتا لنهر في أوروبا و تقع في منخفض بحر قزوين حيث يقع الجزء الشرقي الأقصى منها في “كازاخستان” و تصب في بحر قزوين على بعد حوالي 60 كيلومترًا من مدينة “أستراخان” و من الملاحظ أن تلك الدلتا قد نمت بشكل ملحوظ في القرن العشرين بسبب التغيرات في مستوى بحر قزوين ففي عام 1880م بلغت مساحة الدلتا 3222 كيلومتر مربع أما اليوم فهى تغطي مساحة قدرها 27224 كيلومتر مربع و يبلغ عرضها حوالي 160 كيلومترًا و يلاحظ أنها تقع في منطقة مناخية قاحلة تتميز بقلة هطول الأمطار و غالبًا ما تجتاحها الرياح القوية التى تتسبب فى تشكل كثبانًا خطية و على طول الجزء الأمامي من دلتا نهر الفولجا توجد مياه ضحلة رملية موحلة و سهول الطينية .
و نظرا للمستوى المتغير لبحر قزوين نتجت ثلاث مناطق متميزة في دلتا نهر الفولجا حيث تُعرف المناطق العلوية من المنطقة الأولى بإسم “تلال باير” و سميت بذلك الإسم تيمنا بالباحث “كارل إرنست فون باير” الذي عمل في هذه المنطقة و تتكون من تلال خطية من الرمال الطينية يبلغ متوسط إرتفاعها حوالي 8 أمتار و تتراوح ما بين 5 إلى 22 مترًا على إمتداد طول يتراوح ما بين 0.4 إلى 10 كيلومترات كما يوجد بين تلال “باير” منخفضات تمتلئ بالماء و تصبح إما خلجانًا عذبة أو مالحة و هذه المنخفضات تسمى “إلمنس” و كانت يوما تشكل جزءًا من دلتا النهر المبكرة و العميقة جدًا و لكنها أنفصلت عنها تدريجيًا بسبب عزلهم عن المياه العذبة لنهر الفولجا و لذلك أصبحوا مالحين بشكل متزايد و يشكلون معًا مساحة شاسعة و متنوعة للغاية من النباتات الفرعية نتيجة الدرجات المتفاوتة من الرطوبة و التملح لذلك فهى تعتبر منطقة تضم ثروة من النباتات و الحيوانات و حتى اللحظة لا يزال أصل تلك التلال محل نقاش ما بين أنها تشكلت بفعل الرياح أو نشأت إما تحت الماء أو من خلال تدفق النهر أما المنطقة الثانية فتوجد في الدلتا نفسها و تحتوي بشكل عام على القليل من التضاريس و هي موقع لقنوات المياه النشطة و المهجورة و الكثبان الصغيرة و المسطحات الطحلبية أما المنطقة الثالثة فهى تتكون من منصة عريضة تمتد حتى 60 كيلومترًا بعيدًا عن الشاطئ و تعتبر هي الجزء المنخفض من الدلتا.
و تزخر دلتا نهر الفولجا بالعديد من الكائنات الحية حيث تعتبر منطقة تجمع رئيسية لأنواع من الطيور المائية و الجارحة و الجواسر كما أن مياهها تشتهر بسمك الحفش و السلور و الكارب الموجود بأعداد كبيرة و تعتبر المكان الوحيد في “روسيا” التى يمكن فيها العثور على طيور البجع و النحام و نظرا لأن العديد من الحيوانات المحلية الموجودة بها معرضة لخطر الإنقراض فقد تم إنشاء واحدة من أولي المحميات الطبيعية الروسية و هى (محمية أستراخان الطبيعية) عام 1919 لمحاولة الحفاظ على تلك الأنواع نتيجة المخاطر البيئية التى تتعرض لها الدلتا خاصة بعد إزدياد الأنشطة الصناعية و الزراعية و التى أدت إلى حدوث خسارة كبيرة في الأراضي الرطبة فخلال الفترة ما بين عامي 1984 و 2001 فقدت الدلتا 277 كيلومترًا مربعًا من تلك الأراضي أي ما يقرب من 16 كيلومترًا مربعًا سنويًا علاوة على تصريف نهر الفولجا لكميات كبيرة من النفايات الصناعية و الرواسب في الجزء الشمالي الضحل نسبيًا من بحر قزوين .
نهر الفولجا تاريخيا
كان نهر الفولجا بمثابة مكان إلتقاء مهم لمختلف الحضارات الأوروبية و الآسيوية حيث عاشت العديد من الأعراق المختلفة على ضفافه , كانت منطقة ” فولجا – أوكا ” محتلة من قبل العديد من الشعوب لفترة لا تقل عن 9000 عام و من بين أوائل الأشخاص المسجلين على طول الجزء العلوي من نهر الفولجا كانت شعوب ” فينيش ماري ” و ” ميريا ” و نتيجة أن ذلك النهر كان يتدفق عبر السهوب فكانت المنطقة مأهولة أيضا بالسارماتيين منذ عام 200 قبل الميلاد و منذ العصور القديمة كان نهر الفولجا طريقًا تجاريًا مهمًا حيث لم تعيش عليه الشعوب السلافية و التركية و الفنلندية فحسب بل كان أيضا وسيلة للتنقل و إلتقاء العالم العربي في الشرق الأوسط بالشعوب الفارانجية في دول الشمال من خلال التجارة .
و مع حلول عام 370 م كان شعب “الهون” قد وصلوا إلى نهر الفولجا و فى عام 430م كانوا قد هيمنوا على المنطقة و إن لم تدم طويلاً في أوروبا و بعد ذلك وصلت القبائل التركية الأولى في القرن السابع و أستوعبت بعض السكان الفنلنديين الأوغريين و الهندو-أوروبيين في منطقة الفولجا الوسطى و السفلى و في القرنين الثامن و التاسع بدأ الإستعمار بجلب السلاف من “كييف روس” المسيحية و الإستقرار فى الفولجا العليا و أعتنق جزء من السكان المحليين غير السلافيين المسيحية و أصبحوا تدريجياً من السلاف الشرقيين و على مدى عدة قرون أستوعب السلاف السكان الفنلنديين الأصليين كما سكنت شعوب الخزر و البلغار المناطق العليا و الوسطى و السفلى لحوض نهر الفولجا.
بعد ذلك لعب حوض النهر دورًا مهمًا في تحركات الشعوب من قارتي آسيا إلى أوروبا و كانت مدن الفولجا مثل ” أتيل ” و ” ساكسين ” و ساراي ” من بين أكبر مدن العالم في العصور الوسطى و كان النهر بمثابة طريق تجاري مهم يربط بين الدول الإسكندنافية و المناطق الفنلندية مع مختلف القبائل السلافية و التركية و الجرمانية و الفنكية و غيرهم في روسيا القديمة ثم تم إستبدال الخزر بشعوب ” الكيبشاك ” و ” الكيميكس ” و ” المنغوليين ” الذين أسسوا العصر الذهبي في الروافد الدنيا من نهر الفولجا و في وقت لاحق إنقسمت إمبراطوريتهم إلى “خانية قازان” و “خانية أستراخان” و كلاهما غزاهما الروس في سياق الحروب الروسية-كازان في القرن السادس عشر.
القرن العشرين
و مع حلول القرن العشرين و خلال الحرب الأهلية الروسية أرسل كلا الجانبين سفنا حربية على نهر الفولجا الذى شهد العديد من المعارك التى دارت بين الفريقين و خلال الحرب العالمية الثانية شهدت المدينة الواقعة على المنعطف الكبير لنهر الفول[ا و المعروفة حاليًا باسم “فولغوغراد” (سابقًا ستالينجراد) معركة ستالينجراد التي كانت واحدة من أعنف المعارك التى شهدها الاتحاد السوفيتي و التى دارت حين وصلت القوات الألمانية إلى ضفة النهر حيث كان نهر الفولجا (ولا يزال) طريقًا حيويًا للنقل بين وسط روسيا و بحر قزوين و عند السيطرة عليه يتيح الوصول إلى حقول النفط في شبه جزيرة “أبشيرون” لذلك خطط ” أدولف هتلر ” لاستخدامه فى الوصول إلى حقول النفط في “أذربيجان” لتغذية الغزوات الألمانية المستقبلية لذلك كان كل طرف من الفريقين المتحاربين يمسك ضفة من النهر و يقوم بتحريك القوات عبره لهزيمة تحصينات العدو وراء النهر لأنه من يستطيع السيطرة على كلا الجانبين يفوز بالمعركة و يستطيع تحقيق الأهداف المرجوة منها .
و غالبًا ما تضمن بناء السدود التي تعود إلى حقبة “الاتحاد السوفيتي” برنامج لإعادة التوطين القسري لأعداد ضخمة من الناس فضلاً عن تدمير تراثهم التاريخي فعلى سبيل المثال غُمرت مدينة ” مولوجا ” بغرض بناء خزان ” ريبينسك ” الذي كان آنذاك أكبر بحيرة صناعية في العالم كما تسبب بناء خزان أوجليش في إغراق العديد من الأديرة و المباني التي يعود تاريخها إلى القرنين الخامس عشر و السادس عشر و إجمالاً غمرت السدود السوفيتية 2600 قرية و 165 مدينة و ما يقرب من 78000 كيلومتر مربع بما في ذلك ما يقرب من 31000 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية و 31000 كيلومتر مربع من أراضي الغابات.
و لمحاولة الإستفادة القصوى من نهر الفولجا تم توسيعه لأغراض الملاحة من خلال بناء سدود ضخمة خلال سنوات تصنيع “جوزيف ستالين” كما أنه ذو أهمية كبيرة للشحن الداخلي و النقل في “روسيا” لذلك تم تجهيز جميع السدود في النهر بممرات كبيرة للسفن بحيث يمكن للسفن ذات الأبعاد الكبيرة السفر من بحر قزوين تقريبًا إلى نهاية النهر و تعتبر الحبوب و النفط من أكبر صادرات البضائع التى تنقل عبر نهر الفولجا و حتى وقت قريب كان الوصول إلى الممرات المائية الروسية يُمنح للسفن الأجنبية على نطاق محدود للغاية الا أنه نتيجة زيادة الإتصال بين الإتحاد الأوروبي و روسيا أصبح يتم السماح بمرور السفن الأجنبية بشكل أكبر .