مما لا شك فيه أن الرومانية نادية كومانيتشي واحدة من أعظم الرياضيين الذين شهدهم القرن العشرين و أحد أفضل لاعبات الجمباز علي مر العصور بعد أن برز إسمها في سماء الرياضة العالمية عقب تمكنها من تحقيق أول علامة كاملة في سجل تاريخ اللعبة ببطولة الألعاب الأولمبية و هو إنجاز لم يحدث من قبل و من الصعب تحقيقه في المستقبل القريب لذلك أصبحت نادية كومانيتشي أيقونة رياضية عالمية خاصة بعد خوضها رحلة كفاح طويلة مليئة بالتحدي و الإصرار علي النجاح رغم العراقيل التي واجهتها علي مدار حياتها المهنية و الشخصية .
وُلدت ” نادية كومانيتشي ” في 12 نوفمبر عام 1961 بمدينة ” أونيشت ” بدولة مولدافيا التاريخية و بدأت في ممارسة الجمباز و هي في سن الخامسة بدعم من أسرتها التي كانت تشجعها علي ممارسة تلك الرياضة و خلال تلك الفترة إكتشف موهبتها المدرب الشهير ” بيلا كارولي ” حين شاهدها تقوم بحركات الجمباز في ساحة المدرسة و قرر ضمها إلي مدرسته التجريبية حيث بدأت فيها مسيرتها التدريبية الإحترافية و شاركت عام 1969 في أول منافسة لها ببطولة رومانيا الوطنية للناشئين و إحتلت فيها المركز العاشر و رغم تأخرها في ذلك الترتيب إلا أن ذلك لم يحبطها بل زاد من تصميمها علي تحسين مستواها و التدريب بشكل أكبر و بالفعل نجحت في الفوز بلقبها الأول كبطلة وطنية في ” رومانيا ” عام 1972 و هي خطوة كانت بداية لإنطلاقتها الحقيقية نحو العالمية.
و بحلول عام 1975 برزت ” نادية كومانيتشي ” علي الساحة الدولية بعد مشاركتها في بطولة أوروبا للجمباز التي أقيمت في ” النرويج ” و تمكنت من تحقيق ثلاث ميداليات ذهبية و ميدالية فضية ما جعلها محط أنظار وسائل الإعلام العالمية و إختارتها وكالة أسوشيتد برس كرياضية العام مما عزز مكانتها كنجمة صاعدة في رياضة الجمباز لكن الحدث الذي غير مسيرة ” نادية كومانيتشي ” بالكامل و جعلها أسطورة رياضية كان مشاركتها في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1976 التي نظمت بمدينة ” مونتريال ” في ” كندا ” حيث قدمت عرضًا مذهلاً في مسابقة المتوازي غير المتكافئ و أداءً مثاليًا إستمر لمدة 30 ثانية جعل الحكام يمنحونها أول علامة كاملة و هي “10” في تاريخ الجمباز الأولمبي و نظرا لأن لوحة التسجيل لم تكن مهيأة لعرض العلامة الكاملة “10” لأنه أمر لم يحدث من قبل عرضت النتيجة علي الشاشة “1.00” بشكل أدى إلي دهشة الجميع لكن سرعان ما إتضح أن ” نادية كومانيتشي ” قد حققت العلامة الكاملة .
و لم يكن إنجاز ” نادية كومانيتشي ” في ” مونتريال ” لحظة عابرة بل إستمرت الإنجازات في دورة الألعاب الأولمبية التالية حيث حققت العلامات الكاملة ” 10 ” مرة أخري و هو إنجاز لم يكن له مثيل في تاريخ الجمباز و نظرا لأدائها المبهر تم إختيارها “شخصية العام الرياضية” من قبل هيئة الإذاعة البريطانية BBC كما تصدرت صورتها غلاف مجلة “تايم” الشهيرة و في وطنها منحتها السلطات الرومانية لقب “بطلة العمل الإشتراكي” لتكون أصغر حائزة علي هذا اللقب الرفيع و هو ما عكس تقدير النظام الحاكم لإنجازاتها الرياضية .
و بحلول عام 1984 إعتزلت ” نادية كومانيتشي ” المنافسات الرياضية بعد أن جمعت 24 ميدالية متنوعة في الألعاب الأولمبية و بطولات العالم و أوروبا منها 16 ميدالية ذهبية و بدأت مرحلة جديدة من حياتها قد تكون شاقة إلي حد ما لأنه بعد هروب مدربها ” بيلا كارولي ” إلي ” الولايات المتحدة ” أصبحت تحت رقابة صارمة من السلطات الرومانية و تم منعها من السفر إلي الدول الغربية و بحلول عام 1989 و مع إقتراب إندلاع الثورة الرومانية قررت ” نادية كومانيتشي ” الهروب من البلاد و في مغامرة ليست بالسهلة عبرت الحدود الرومانية-المجرية بشكل غير قانوني برفقة مجموعة من الشباب الرومانيين و بعد رحلة محفوفة بالمخاطر وصلت بنجاح إلي ” الولايات المتحدة ” و فيها وجدت حياة جديدة و فرصة لمواصلة مسيرتها في الجمباز بطريقة أخرى .
و عاشت ” نادية كومانيتشي ” حياة جديدة في ” الولايات المتحدة ” و بدأت في الإنخراط بالأعمال الخيرية و تقديم الدعم للشباب المهتمين برياضة الجمباز كما أسست أكاديمية تعليمية لها بمشاركة ” بارت كونور ” الذي كان أيضًا لاعب جمباز أمريكي سابق حيث عملا معًا لتدريب الأجيال الشابة علي هذه الرياضة و بحلول عام 1996 أي بعد سقوط النظام الشيوعي في ” رومانيا ” عادت ” نادية كومانيتشي ” إلي وطنها لتحتفل بزواجها من ” بارت كونور ” في حفل كبير أقيم في ” بوخارست ” و تم بثه مباشرة علي التلفزيون الوطني و يصبح زواجها حدثًا قوميًا .
أقرأ أيضا : قصة اللاعبة جوديت بولجار أعظم لاعبة شطرنج عبر كل العصور
و رغم إعتزال ” نادية كومانيتشي ” إلا أنها لم تتوقف عن الإسهام في لعبة الجمباز حيث تشغل منصب سفيرة الرياضة لرومانيا و رئيسة فخرية للإتحاد الروماني للجمباز و رئيسة فخرية للجنة الأولمبية الرومانية كما أنها عضو في مؤسسة الإتحاد الدولي للجمباز و حصلت مرتين علي وسام الأولمبياد و هو أعلى تكريم تمنحه اللجنة الأولمبية الدولية في عامي 1984 و 2004 مع إدخالها إلي قاعة مشاهير الجمباز الدولية و هو تكريم يعكس مكانتها كواحدة من أعظم الشخصيات في تاريخ تلك الرياضة.