دائما ما تنظر أغلب ثقافات العالم إلي الربيع بأنه فصل الألوان و الحياة التي تتجدد مرة أخري بعد إنقضاء فصل الشتاء الذي ينظر إليه بإعتباره قاسيا جدا علي الإنسانية لذلك ليس بالغريب أن يتم الإحتفاء بقدوم ذلك الفصل و توديع الأخر من خلال إقامة العديد من الفعاليات إحتفالا به و يعد مهرجان هولي الذي بدء تنظيمه في الهند منذ القرن الرابع الميلادي و منه أنتقل إلي باقي دول العالم أحد أبرز تلك الإحتفالات حيث يقوم المشاركين فيه بالتواجد بكثافة في الشوارع و قذف المساحيق ذات الألوان الزاهية و الدهانات و بالونات المياه على بعضهم البعض لتغطية المدن المحتفلة بألوان قوس قزح إضافة إلي ممارسة الرقص و تناول الولائم و المأكولات كما أنه بجانب ما سبق ينظر إليه أيضا كفرصة للإحتفال بالحب و الصدق و إنتصار الخير على الشر و هي أمور تعد إنعكاسا لعدد من القصص الأسطورية التي ألهمت تنظيم ذلك التقليد لأول مرة .
و يرجع تاريخ “مهرجان هولي” إلي عدد من الأساطير الهندوسية أولها تروي قصة ملك إسمه “هيرانياكاشيبو” و كان يتسم بالغرور و النرجسية الشديدة التي دفعته إلي إصدار أمر لجميع رعيته في المملكة أن يكرسوا أنفسهم لعبادته وحده فقط دون أي إله أخر و مع ذلك إختار إبنه الأمير “براهلاد” عبادة الإله “فيشنو” مما جعل والده الملك يستشيط غضبا منه و قام بتجنيد أخته الأميرة “هوليكا” لمساعدته في قتل أخيها “براهلاد” حرقا حيث كان لديها عباءة مقاومة للحريق و قامت بإرتدائها و أستدرجت أخيها إلى النيران المشتعلة و نظرًا لأنها كانت تستخدم تلك العباءة في غرض شرير فطارت منها إلي أخيها الذي إرتداها و أنقذت حياته و لهذا السبب يبدأ دائما مهرجان هولي بنيران تحمل اسم “هوليكا” و يحتفل به أيضا كرمز لإنتصار الخير علي الشر .
أما الأسطورة الثانية المحيطة بمهرجان هولي فتتعلق علي حد زعمهم بالإله “كريشنا” الذي تحول جلده إلى اللون الأزرق بعد أن شرب حليب قام بلعنه أحد الشياطين و كان في تلك الأثناء مفتونًا بألهة الحب “رادها” و يشعر بالقلق من أنها لن تبادله نفس المشاعر بسبب لون بشرته لذلك أخبر والدته بمخاوفه و طلبت منه أن يرسم “رادها” بشكل مثير يتغير فيها لون بشرتها أيضًا و هكذا أصبح إستخدام الدهانات و المساحيق الملونة جزءًا من تقليد مهرجان هولي أما الأسطورة الثالثة و الأخيرة فتعود إلي غولة تدعي ” دهونداهي ” التي عاشت في مملكة ” بريثو ” و كانت تفتخر بإزعاج الأطفال لذلك لعنها الإله “شيفا” و أصبح الشباب يشكلون خطرًا عليها و تضيف الأسطورة بأنه في يوم مهرجان هولي تجمع فتيان القرية و طاردوها بعيدًا عن المكان من خلال الصراخ و الإساءات لها و لعل ذلك هو السبب في أن يسمح للأولاد الصغار حاليا في ذلك المهرجان بإستخدام كلمات وقحة دون الوقوع في المشاكل .
و يتم تنظيم مهرجان هولي كل ربيع خلال شهر فالجونا في التقويم الهندوسي و يتم الإستعداد له مبكرًا حيث يقوم المشاركين بجمع الحطب لعدة أيام مقدمًا للتأكد من أن النار التقليدية التي سيتم الإعتماد عليها عشية الإحتفال به تكون قوية و ساخنة و في الليلة التي تسبق الحدث الرئيسي الملون يتم إشعال النيران في طقوس تعرف باسم “هوليكا دهان” و يدور حولها المشاركين و يغنون و يرقصون كدلالة علي حرق الأرواح الشريرة و في صباح اليوم التالي ينطلق مهرجان الألوان الذي ينتج عنه لوحات فنية مذهلة حيث يرمي المحتفلين في الهواء و على بعضهم البعض مساحيق الأصباغ التي يطلق عليها إسم ” جولال ” و يعد كل لون زاهي له معنى مختلف عن الأخر حيث يرمز اللون الأحمر إلى الحب و الخصوبة بينما يمثل اللون الأخضر البدايات الجديدة و مع تناثر المساحيق الملونة في كل مكان يستخدم المحتفلين بعد ذلك بالونات أو مسدسات المياه أو حتي الدلاء الممتلئة من أجل تعزيز الألوان و الفوضي .
و بينما تتطاير المساحيق و الدهانات في الهواء خلال مهرجان هولي يرقص الناس على طبلة خشبية تسمى “دهول” و في وقت لاحق يتناول رواد الحفلات الأطعمة التقليدية مثل “جوجيا” و هي معجنات قشارية مليئة بالفواكه المجففة إضافة إلي مقرمشات “ماتري” و فطائر المالبوا الرقيقة و يتم تناول تلك الحلوي مع مشروب بهانج المكون من مخفوق الحليب و القنب المزروع في جبال الهيمالايا .
و رغم الإحتفال بمهرجان هولي في جميع أنحاء “الهند” إلا أن كل منطقة قد يكون لها بعض من الطقوس الخاصة ففي بلدة “بارسانا” يواجه الرجال و النساء أوقاتا عصيبة خلال الإحتفال به حيث يغني الرجال أغاني استفزازية لهم و تقوم النساء بضربهم بشكل هزلي بإستخدام عصي الخيزران كما أنه يوجد تقليد يُعرف بإسم “تمزيق الملابس” تقوم فيه النساء بتمزيق ملابس الرجال أثناء تلك الإحتفالات و في ولايتي ماهاراشترا و جوجارات تقام بعض من التقاليد الخاصة المسماة “كسر الوعاء” حيث يكون هناك وعاء كبير من اللبن معلق فوق الشوارع و يشكل الرجال تحته هرمًا بشريًا ثم يتسلق رجل إلى الأعلى و يكسر الفخار برأسه بينما تغني النساء أغاني هولي الشعبية و يرمون دلاء من الماء على الرجال و تأتي تلك الطقوس تحديدا من طبيعة الإله “كريشنا” المؤذية التي تقول أنه كان يحب اللبن كثيرًا لدرجة أنه كان يسرقه من كل بيت يصادفه لذلك بدأت النساء بتعليقه عاليًا في الشوارع لإخفائه عنه .
أقرأ أيضا : مهرجان سونجركان التايلاندي الذى يتبارز فيه المشاركين بالمياه
و علي الرغم من نشأة ذلك المهرجان في القرن الرابع الميلادي في “الهند” إلا أنه مع مرور الوقت أصبح يحظي بشعبية في العديد من دول العالم خاصة في دول جنوب شرق آسيا إضافة إلي أستراليا و حتي بولاية يوتا في الولايات المتحدة .