دائما خلال الأوقات العصيبة فى الحروب قد تتخذ بعض من التدابير اليائسة و عندما قررت ألمانيا فى خضم الحرب العالمية الثانية خيانة الاتحاد السوفيتى عام 1941 و عدم احترام تعهداتها بعدم الإعتداء عليه و القيام بغزو أراضيه قام السوفييت بدعوة كل مواطن سواء كان رجل أو امرأة للعب دوره في الحرب الوطنية العظمى حيث أشارت التقديرات أن نحو 80 ألف أمراءة سوفيتية قد شاركت فى تلك الحرب و كثيرات منهن كانوا يتمركزون في كتائب مضادة للطائرات على الخطوط الأمامية و لكن رغم وجودهم فى تلك الأماكن الا أنهم كانوا محميات إلى حد ما من المعارك الدموية و على جانب أخر شاركت أيضا نساء في مهام قتالية أبرزهم ماريا أوكتيابرسكايا التى تعتبر واحدة من أبطال الاتحاد السوفيتى فى تلك الحرب بعد أن شاركت فى العديد من المعارك من خلال قيادتها لدبابة قامت بها بعدد من الأعمال البطولية التى نالت عنها الإشادات من قبل زملائها الذكور و التكريم من قياداتها .
وُلدت “ماريا أوكتيابرسكايا” عام 1905 وسط عائلة فقيرة من فلاحي القرم و يقال إنها اعتنقت بحماس المثل العليا و الأفكار الشيوعية التي تبنتها بلادها فى تلك المرحلة و عملت في مصنع تعليب ثم عاملة هاتف و تشير بعض من الروايات إلى أنها أصبحت مهتمة بالشؤون العسكرية بعد زواجها من ضابط بالجيش السوفيتى و هو “إيليا أوكتيابرسكايا” عام 1925 حيث انخرطت في مجلس الزوجات العسكريين و تم تدريبها كممرضة في الجيش كما تعلمت كيفية استخدام الأسلحة و قيادة المركبات حتى أنها كانت تقول وقتها “تزوجى جنديا و ستجدين نفسك تخدمين فى الجيش تلقائيا” و يبدو أن مقولتها قد تحولت الى أمر واقع فمع اندلاع الحرب العالمية الثانية و غزو “ألمانيا” لأراضى “الاتحاد السوفيتى” تم أجلائها مع سكان منطقتها الى “سيبيريا” أما زوجها ” إيليا ” فقد قتل أثناء هجوم ألماني على مدينة “كييف” فى ” اوكرانيا ” و لم تعلم ” ماريا ” بذلك الخبر سوى بعد عامين من حدوثه حيث استشاطت غضبا و قررت الإنتقام له و باعت كل متعلقاتها و اشترت بثمنها دبابة من طراز T-34 و أطلقت عليها اسم ” الرفيقة المقاتلة ” Fighting Girlfriend و لكن بدلاً من التبرع بها للجيش أرسلت رسالة الى الزعيم السوفيتي ” جوزيف ستالين ” تناشده السماح لها بقيادتها و خوض المعارك القتالية بنفسها من أجل بلدها و قالت فيها “قُتل زوجي أثناء دفاعه عن الوطن الأم و الأن أريد الانتقام من الكلاب الفاشية لموته و لموت الشعب السوفيتي الذي عذب على يد البرابرة الفاشيين “.
و من ناحيته أذن ” ستالين ” لها بالقتال و ربما كان سبب ذلك ادراكه قيمة الدعاية لزوجة شيوعية مخلصة على استعداد للقتال حتى الموت و على أى حال خضعت “ماريا أوكتيابرسكايا” التى كانت تبلغ من العمر فى ذلك الوقت 38 عاما لبرنامج تدريبي لمدة خمسة أشهر قبل أن يتم إرسالها إلى الجبهة حيث انضمت هى و دبابتها إلى لواء دبابات الحرس السادس عشر عام 1943 و كان رفاقها الذكور ينظرون إليها بإستخفاف و يظنون أن الأمر مجرد مزحة و لمجرد الدعاية و لكن لم يمضى وقت طويل قبل أن تظهر قوتها و بسالتها في القتال فخلال معركتها الأولى بالدبابات في أكتوبر عام 1943 كانت دبابة “ماريا أوكتيابرسكايا” هى أول واحدة تخترق خطوط العدو لتدمير المدفعية التابعة له و تتسبب فى احداث فوضى عامة وسط صفوف القوات الألمانية بشكل جعل نظرة رفاقها الجنود نحوها تتغير الى الإعجاب و الإحترام الشديد و بعد شهر و خلال احدى المعارك المتجددة أظهرت بطولة كبيرة بها عندما قفزت من داخل دبابتها الى الخارج لإجراء بعض من الإصلاحات لها وسط نيران العدو الكثيفة و نظرا لشجاعتها تم ترقيتها إلى رتبة رقيب .
أقرأ أيضا : منها تحويل موسكو لبحيرة بعد قتل سكانها .. خطة هتلر الافتراضيه لتقسيم الجبهة الشرقيه بعد السيطرة عليها
و خلال توقف المعارك كانت “ماريا أوكتيابرسكايا” تراسل أختها و تصف لها الحرب حيث تقول انها “هزمت الأوغاد و أنتقمت لزوجها الحبيب و أحيانا خلال المعارك من شدة غضبها منهم لا تستطيع التنفس” و ربما كان ذلك الحماس الزائد هو ما وضع النهاية لتلك البطلة السوفيتية فخلال احدى المعارك التى وقعت عام 1944 و في خضم محاولة اقتحام موقع محصن تلقت دبابتها اصابة مباشرة و رغم الاوامر التى صدرت لها بالبقاء داخل الدبابة الا أنه و نتيجة حماسها عصت الاوامر و خرجت لمحاولة إصلاح الأضرار و هذه المرة لم تكن قادرة على تفادي نيران العدو و أصيبت بشظايا فى الرأس و فقدت الوعي بسبب تطاير الشظايا لتنقل على الفور الى مستشفى ميداني عسكري سوفيتي في “فاستيف” بالقرب من “كييف” و بعدها تنقل الى مستشفى عسكري بسمولينسك فى “روسيا” حيث ظلت في غيبوبة لمدة شهرين قبل أن تموت متأثرة بجراحها فى 15 مارس عام 1944 و يتم دفنها مع مرتبة الشرف العسكرية في حدائق ذكرى الأبطال في “سمولينسك” و تصبح “ماريا أوكتيابرسكايا” بعد وفاتها بطلة للاتحاد السوفيتي و هو أعلى تكريم يمكن أن تقدمه لها البلاد .