رغم كثرة الجرائم التي تحدث في جميع أنحاء العالم إلا أن القليل منها هو ما يصعب نسيانه لأسباب قد ترجع إلي بشاعة الجريمة أو إرتكابها بأساليب غير تقليدية أو في طبيعة الدوافع التي أفضت إليها و في كل دولة نجد عدد من الجرائم التي كانت حديث الرأي العام حينها ثم صارت تتداول من جيل إلي أخر و تصبح جزء من الموروث الشعبي الخاص بالجرائم منها قصة حدثت في إيطاليا بطلتها إمرأة تدعي ليوناردا تشيانشيولي و التي كانت يوما أمًا إيطالية مخلصة أرادت الحفاظ على سلامة إبنها خلال إندلاع الحرب العالمية الثانية و نظرا لذلك الدافع و إيمانها بالخرافات قامت بإرتكاب جريمة قتل بشعة لثلاثة نساء و تحويل رفاتهن إلى صابون و كعك للشاي و تصبح من خلال ذلك واحدة من أكثر القاتلات المتسلسلات شهرة في القرن العشرين .
وُلدت ” ليوناردا سيانشيولي ” في 18 أبريل عام 1894 ببلدة “مونتيلا” في جنوب “إيطاليا” و كانت تعيش حياة مأساوية منذ البداية بعد أن حاولت الإنتحار مرتين أثناء مراهقتها و عندما تزوجت من كاتب فى السجل و يدعي “رافاييل بانساردي” عام 1917 أدعت أن والدتها قد لعنتها لأنها كانت ترفض تلك الزيجة و في عام 1927 تم إلقاء القبض عليها و سجنها بتهمة الإحتيال و بعد إطلاق سراحها إنتقلت هي و عائلتها إلي بلدة “لاسيدونيا” على مسافة ليست بعيدة عن مسقط رأسها و في 23 يوليو عام 1930 وقع زلزال إيربينيا الذي صنف لاحقًا على أنه أحد أكثر الزلازل تدميراً في تاريخ “إيطاليا” و كانت ” ليوناردا سيانشيولي ” واحدة من الآلاف الذين فقدوا منازلهم في تلك الكارثة و بين محاولات إنتحارها و لعنة والدتها المزعومة و حالات الإجهاض المختلفة التي تعرضت لها أدركت أن حياتها كانت سيئة لذلك ذهبت لرؤية عرافة رومانية للحصول على بعض من البصيرة و الطمأنينة و لكن ما حدث هو العكس حين قالت لها العرافة بأنها تري علي يمينها السجن و علي يسارها ملجأ جنائي .
كانت لتلك النبوءة وقع الصدمة علي ” ليوناردا سيانشيولي ” و إذا سلمنا بالطب الحديث الموجود حاليا و الذي يقول أن المرأة من الممكن أن تعاني من الإكتئاب و القلق بعد إجهاض واحد فقط فما بالك بثلاث حالات إجهاض و هو ما تعرضت له خلال حياتها بالإضافة إلي حزنها لوفاة 10 من أطفالها لأسباب مختلفة لذلك لو كانت ” ليوناردا سيانشيولي ” على قيد الحياة اليوم لكان من المرجح أن يتم تشخيص إصابتها بالإكتئاب السريري و إرسالها للخضوع للعلاج داخل إحدي المصحات مع وضع نظام علاجي لها و لكن في ثلاثينيات القرن الماضي و نتيجة عدم توفر تلك الأشياء فلم يكن هناك ملجأ أمام تلك المرأة سوي التوجه إلي الخرافات و أعمال الدجل لمعرفة أسباب تلك الضغوط المحيطة بها و هو ما دفعها للإقدام علي أشياء يصعب علي الإنسان العادي فعلها .
و نتيجة إيمان ” ليوناردا سيانشيولي ” بلعنة والدتها و ما قالته لها العرافة الرومانية أصبحت مؤمنة بالخرافات بشدة و عندما أخبرها إبنها المقرب ” جوزيبي ” أواخر عام 1939 بأنه سينضم إلى الجيش الإيطالي للمشاركة في الحرب العالمية الثانية أصيبت بقلق شديد عليه و لجأت إلي الشيء الوحيد الذي إعتقدت أنه سيبقيه آمنًا ألا و هو التضحية البشرية و ليس من الواضح من أين حصلت على فكرتها تلك من أجل إنقاذ ابنها من الموت في تلك المعارك خاصة و أن الكاثوليكية الرومانية السائدة في “إيطاليا” تحرم التضحية بالبشر و تعتبره رجسًا أمام الله بالإضافة إلي أنه لا يوجد معتقد أو خرافة معروفة لدى الإيطاليين تتبنى تلك الأفكار الغريبة و لكن بغض النظر عن المكان الذي حصلت فيه على فكرتها قامت “ليوناردا سيانشيولي” بقتل ثلاث نساء قبل أن يتم القبض عليها .
و بدأت الجرائم بالضحية الأولى و كانت إمرأة عانس تدعى “فوستينا سيتي” قامت ” ليوناردا سيانشيولي ” بدعوتها إلى منزلها عام 1939 بزعم مقابلتها لأحد الأفراد الراغبين في الزواج منها و طلبت منها كتابة رسالة إلى أفراد أسرتها تخبرهم بأنها ستزور ذلك الرجل في الخارج و أثناء إنتظارها في المنزل قامت ” ليوناردا ” بوضع مخدر في النبيذ المقدم لها و حين إنهارت قامت بقتلها بإستخدام فأس و بعدها عملت علي تقطيعها مع تجميع دمائها في حوض ثم وضعت مادة الصودا الكاوية في تلك القطع البشرية و بدأت في التقليب حتي ذابت ثم وضعت المزيج في مجموعة من الدلاء للتخلص منه أما بالنسبة إلي الدماء فأنتظرت حتى يتخثر و بعدها قامت بتجفيفه في الفرن و طحنته و خلطته مع الدقيق و السكر و الشيوكولاتة و الحليب و البيض بالإضافة إلى قليل من السمن ثم عجنت جميع هذه المكونات و صنعت منه الكثير من كعكات الشاي المقرمشة و قدمته للسيدات اللاتي جئن لزيارتها إضافة إلي تناوله أيضا برفقة زوجها و وبحسب ما ورد فقد قامت ” ليوناردا سيانشيولي ” بالإستيلاء علي مدخرات الضحية البالغة 30 ألف ليرة إيطالية ( ما يعادل 17.94 دولارًا أمريكيًا حينها و حوالي 332 دولارًا أمريكيًا حاليا ) و التي تلقتها كدفعة مقابل تزويج ” فوستينا سيتي ” .
و في 5 سبتمبر عام 1940 عثرت ” ليوناردا سيانشيولي ” على ضحية أخرى تدعى “فرانشيسكا سوافي” و كما هو الحال مع ” فوستينا سيتي ” أقنعتها بأنها تصرفت لها بوظيفة تدريس في الخارج و جعلتها تكتب رسائل إلى أصدقائها توضح تفاصيل رحلتها و مثلما حدث مع الضحية الأولي تكرر مع الثانية حيث قدمت لها النبيذ المخدر و قتلتها بفأس و خبزتها في كعك الشاي و سرقت أموالها ثم أنتقلت بعد ذلك إلي الضحية الثالثة ” فيرجينيا كاسيوبو ” التي كانت فنانة سوبرانو شهيرة غنت ذات مرة في دار أوبرا لا سكالا الشهيرة في ميلانو و وعدتها ” ليوناردا سيانشيولي ” بوظيفة مع مدير أعمال في فلورنسا و في يوم 30 سبتمبر عام 1940 زارتها الضحية و تم التعامل معها كما حدث مع الضحيتين السابقتين و لكن تلك المرة بدلاً من خبز جسدها في كعك الشاي و إطعامه لجيرانها فقط قامت أيضًا بإذابة جثمانها و تحويله إلى صابون و تقديمه إلي الجيران و المتاجر بجوارها .
و على الرغم من أن ” ليوناردا سيانشيولي ” أعتقدت أنها ارتكبت جرائم القتل المثالية التي يصعب إكتشافها إلا أنها كانت مخطئة للغاية فعلي عكس ضحيتيها الأوليين اللتين كان لهما عدد قليل من الأقارب المعنيين كان لدى ” فيرجينيا كاسيوبو ” أخت قلقة للغاية و لم تصدق رسائلها التي تشرح بالتفصيل رحيلها السريع خاصة و أنها قد رأتها و هي تدخل منزل ” ليوناردا ” في الليلة التي غادرت فيها لذلك بادرت علي الفور بإبلاغ الشرطة بإختفاء أختها و بشكوكها حول الأمر و تعاملت الشرطة بجدية مع البلاغ و قامت بالتحقيق مع ” ليوناردا سيانشيولي ” التي دافعت عن نفسها في البداية و لكن عندما ألقت الشرطة اللوم على ابنها الحبيب “جوزيبي” و بأنه سيكون هو محل الإتهام إنهارت أخيرًا و أعترفت بكل شيء .
أقرأ أيضا : جوليا توفانا الإيطالية التي قتلت بسمومها 600 ضحية من الأزواج
و قدمت ” ليوناردا سيانشيولي ” إلي المحاكمة التي أستغرقت بضعة أيام فقط و أنتهت بإدانتها و الحُكم عليها بالسجن لمدة 33 عامًا و حينها تذكرت مقولة العرافة الرومانية التي قالت بأنها تري علي يمينها السجن و يسارها ملجأ جنائي و في 15 أكتوبر عام 1970، توفيت “ليوناردا سيانشيولي” بسبب سكتة دماغية أثناء وجودها في مصحة تابعة للسجن و كانت تبلغ من العمر في ذلك الوقت 79 عامًا و تسلمت أسرتها جثمانها لدفنها و تم التبرع بأدوات القتل الخاصة بها بما في ذلك الوعاء الذي تم إذابة ضحاياها فيه إلى متحف علم الجريمة في روما و حتى يومنا هذا يمكن لزوار المتحف رؤية مجموعتها من الفؤوس و النظر داخل الوعاء الذي كانت تستخدمه لغلي البشر و صنع الصابون منهم .