قناة السويس هي ممر مائي من صنع الإنسان و تقع تحت السيادة المصرية و تقوم بربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي عبر البحر الأحمر و ترجع أهميتها فى خلقها مسارًا مباشرًا لحركة الشحن و التجارة بين قارتي أوروبا و آسيا مما يسهل من حركة المرور البحرية القادمة من شمال الأطلسي إلى المحيط الهندي دون الحاجة إلى الإبحار حول قارة أفريقيا و هو ما يوفر الكثير من الوقت و الأموال لشركات الملاحة لذلك تعتبر قناة السويس ممرا مائيا حيويا للتجارة الدولية و إستراتيجيا لدى العديد من الدول و هو ما جعلها دائما محورا للصراعات الدولية منذ افتتاحها رسميا عام 1869 خاصة خلال فترات الحرب العالمية الأولي و الثانية و الصراع العربي الإسرائيلي .
و تمتد قناة السويس لمسافة 190 كيلومتر و تبدء من مدينة “بورسعيد” المطلة على البحر الأبيض المتوسط في “مصر” و تمر عبر مدينة ” الإسماعيلية ” ثم تنتهي جنوبا بمدينة ” السويس ” التى تقع على الشواطئ الشمالية لخليج السويس و تقوم تلك القناة بفصل الجزء الأكبر من الأراضى المصرية عن شبه جزيرة سيناء و أستغرق العمل على إنشائها 10 سنوات و افتتحت رسميًا في 17 نوفمبر عام 1869 و هى حاليا مملوكة للدولة المصرية و تدار من قبل هيئة قناة السويس و تهدف إلى أن تكون مفتوحة أمام السفن و البواخر القادمة من جميع بلدان العالم سواء كان ذلك لأغراض التجارة أو الحرب .
تاريخ قناة السويس
يعود الاهتمام لوجود طريق بحري يربط بين البحر الأبيض المتوسط و البحر الأحمر إلى العصور القديمة حيث تم استخدام سلسلة من القنوات الصغيرة التي تربط نهر النيل و بالتبعية البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر منذ عام 2000 قبل الميلاد و بعد مرور قرون كان يعتُبر الارتباط المباشر بين البحرين مستحيلًا بسبب مخاوف من وجودهما على مستويات مختلفة من الارتفاع الى أن تمت مناقشة فكرة القناة الكبيرة التي توفر طريقا مباشرا بين المسطحات المائية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر و ذلك بفضل عمل المستكشف و المهندس الفرنسي “لينان دي بيلفوندز” الذى أجرى مسحًا لبرزخ السويس و أكد أن البحر الأبيض المتوسط و البحر الأحمر على نفس المستوى من الارتفاع و هذا معناه أنه يمكن إنشاء تلك القناة بدون أى مشاكل و سيكون بنائها أمر سهل بشكل كبير .
و بحلول خمسينيات القرن التاسع عشر رأى الخديوي “سعيد باشا “الذي كان حاكما لمصر و السودان أن تلك القناة تعد فرصة ذهبية لمصر لذلك منح الدبلوماسي الفرنسي “فرديناند ديليسبس” الإذن بإنشاء شركة لحفر تلك القناة و أصبحت تُعرف في النهاية بإسم شركة قناة السويس و تم منحها عقد إيجار لمدة 99 عامًا فوق الممر المائي و المنطقة المحيطة بها حيث قام ” ديليسيبس ” بأول إجراء تنفيذى من خلال إنشاء اللجنة الدولية لإنفاذ القانون في السويس و التى تألفت من 13 خبيرا يتبعون سبع دول من بينهم على وجه الخصوص “ألويس نيجريللي” أحد المهندسين المدنيين الرائدين فى مجالهم حيث أستكمل بشكل فعال المسار الذى أتخذه “بيليفوندز” و أعتمد على مسحه الأصلي للمنطقة كما تولى دورًا رائدًا في تطوير الخطط المعمارية لقناة السويس الى أن تم الانتهاء من التقرير النهائي للجنة عام 1856 و بعد ذلك بعامين تم إنشاء شركة قناة السويس رسميًا .
و بدأ الحفر و البناء فى قناة السويس في أقصى شمال بورسعيد في أوائل عام 1859 و أستغرقت أعمال الحفر 10 سنوات و عمل فيها ما يقدر بنحو 1.5 مليون شخص في المشروع و كان العديد منهم عمال بالسخرة و يُعتقد أن عشرات الآلاف قد لقوا حتفهم أثناء العمل في السويس نتيجة الكوليرا و أسباب أخرى و أثرت الاضطرابات السياسية في المنطقة سلبًا على حفر القناة نتيجة بعض من الثورات و التمردات ضد الحكم الإستعماري إلى جانب محدودية تقنية الحفر في ذلك الوقت حيث تسببت كل تلك العوامل فى تضخم التكاليف الإجمالية لبناء قناة السويس إلى 100 مليون دولار أي أكثر من ضعف ميزانية التقدير الأصلي .
و بحلول 17 من نوفمبر عام 1869 أفتتح الخديوي “إسماعيل باشا” قناة السويس رسميا و كانت أول سفينة تبحر عبر القناة هو يخت ” أوجيني ” إمبراطورة “فرنسا” تليها سفينة المحيط البريطانية “دلتا” و مع ذلك كانت سفينة ” أتش أم أس نيوبورت ” و هي سفينة تابعة للبحرية البريطانية في الواقع هى أول من دخل الممر المائي حيث قام قبطانها بالإبحار إلى مقدمة الخط تحت غطاء الظلام في الليلة التي سبقت الافتتاح الإحتفالي و تم توبيخ القبطان “جورج ناريس ” رسميًا على ذلك الفعل بشكل علنى و لكن تمت الإشادة به سرا من قبل الحكومة البريطانية لجهوده في تعزيز مصالح البلاد في المنطقة .
و بعد الإفتتاح و في بدايات عمل قناة السويس كانت البواخر فقط هى القادرة على استخدامها حيث كانت السفن الشراعية لا تزال تواجه صعوبة في الإبحار في القناة الضيقة أثناء هبوب رياح المنطقة الصعبة و على الرغم من أن حركة المرور كانت أقل من المتوقع خلال العامين الأولين من تشغيل القناة لكن كان للممر المائي تأثير عميق على التجارة العالمية و لعب دورًا رئيسيًا في إستعمار إفريقيا من قبل القوى الأوروبية و مع ذلك واجه أصحابها مشاكل مالية و اضطر “إسماعيل باشا” و آخرون إلى بيع أسهمهم لبريطانيا العظمى عام 1875 و مع ذلك كانت “فرنسا” لا تزال هى المساهم الأكبر في القناة .
الحروب و الصراعات
في عام 1888 صدرت إتفاقية القسطنطينية التى تقضي بأن تعمل قناة السويس كمنطقة محايدة تحت حماية البريطانيين الذين كانوا قد تولوا بعد ذلك السيطرة على المنطقة المحيطة بما في ذلك مصر والسودان حيث دافع البريطانيين عن القناة الشهيرة من هجوم للإمبراطورية العثمانية عام 1915 أثناء الحرب العالمية الأولى و أكدت المعاهدة الإنجليزية المصرية التى تم إبرامها عام 1936 سيطرة “بريطانيا” على ذلك الممر المائي المهم الذي أصبح حيويًا خلال الحرب العالمية الثانية حيث حاولت قوى المحور الممثلة فى ” إيطاليا ” و ” ألمانيا ” الإستيلاء عليها و رغم أنها من المفترض أن تكون محايدة الا أنه تم منع سفن المحور من الوصول إليها خلال معظم فترات الحرب التى بعد إنتهائها و في عام 1951 انسحبت “مصر” من المعاهدة الأنجلو-مصرية.
و بعد سنوات من المفاوضات سحب البريطانيين قواتهم من قناة السويس عام 1956 و سلموا السيطرة فعليًا إلى الحكومة المصرية تحت قيادة الرئيس “جمال عبد الناصر” الذى سرعان ما تحرك لتأميم تشغيل القناة و قام بذلك عن طريق نقل الملكية إلى هيئة قناة السويس و هي وكالة شبه حكومية في يوليو عام 1956 و هو قرار تسبب فى غضب كل من المملكة المتحدة و الولايات المتحدة و فرنسا خاصة بعد وجود إتصالات مصرية لإقامة علاقات مع “الاتحاد السوفيتي” في ذلك الوقت و إزداد غضبهم من قرار حكومة “عبد الناصر” إغلاق مضيق تيران أمام جميع السفن الإسرائيلية و ردا على ذلك و في أكتوبر عام 1956 هددت قوات من بريطانيا و فرنسا و إسرائيل بغزو مصر مما أدى إلى ما يسمى بأزمة السويس أو العدوان الثلاثي و خوفًا من تصعيد النزاع أوصى وزير الدولة الكندي للشؤون الخارجية “ليستر ب. بيرسون” بإنشاء قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة هي الأولى من نوعها لحماية القناة و ضمان حرية الملاحة بها و صادقت الأمم المتحدة على اقتراح بيرسون في 4 نوفمبر 1956.
و على الرغم من أن شركة قناة السويس واصلت تشغيل الممر المائي إلا أن قوة الأمم المتحدة حافظت على الوصول اليها و كذلك السلام في شبه جزيرة سيناء القريبة و لكن لم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي تلعب فيها قناة السويس دورًا مركزيًا في الصراع الدولي حيث تأزمت الأوضاع مجددا ما بين ” مصر ” و ” إسرائيل ” و أمر ” جمال عبد الناصر ” قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمغادرة من شبه جزيرة سيناء و أندلعت نكسة يونيو عام 1967 التى أنتهت بسيطرة القوات الإسرائيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس و بسبب عدم رغبته في دخول السفن الإسرائيلية إلى الممر المائي فرض “ناصر” حصارًا على حركة الملاحة البحرية حيث علقت 15 سفينة شحن دخلت القناة بالفعل وقت تنفيذ الحصار و ظلت عالقة فيها لسنوات الى أن قامت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 و تمكنت القوات المصرية من عبور القناة و السيطرة على الجزء الشرقي من قناة السويس بالإضافة الى أماكن فى عمق شبه جزيرة سيناء .
و بعد إنتهاء الحرب و وسط ضمانات دولية قامت كاسحات الألغام الأمريكية و البريطانية بتطهير قناة السويس و جعلها آمنة مرة أخرى لحركة الملاحة و أعاد الرئيس المصري “أنور السادات” إفتتاحها عام 1975 و قاد قافلة من السفن المتجهة شمالًا إلى “بورسعيد” و مع ذلك ظلت القوات الإسرائيلية في أماكن محددة بشبه جزيرة سيناء حتى إنسحابها التام منها فى مطلع الثمانينيات كجزء من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى تم توقيعها عام 1979 و التى بموجبها تم نشر ما يسمى بمراقبين متعددي الجنسيات التابعين للأمم المتحدة و لا يزالون في مكانهم حتى يومنا هذا .
قناة السويس اليوم
و فى الوقت الراهن يعبر فى المجرى الملاحي لقناة السويس ما معدله 50 سفينة يوميًا تحمل أكثر من 300 مليون طن من البضائع سنويًا و فى عام 2014 أشرفت الحكومة المصرية تحت قيادة الرئيس ” عبد الفتاح السيسي ” على مشروع توسعة للقناة بقيمة 8 مليارات دولار ليكون عرضها من 61 مترًا إلى 312 مترًا و تمتد لمسافة 37 كيلومترا و استغرق المشروع سنة واحدة لإكماله و نتيجة لذلك أصبح فى إمكان القناة استيعاب السفن لتمر من كلا الاتجاهين في وقت واحد داخل قطاع منها .
و مؤخرا على الرغم من اتساع المسار داخل القناة الا أنه في مارس عام 2021 علقت سفينة حاويات ضخمة قادمة من “الصين” و قامت بإغلاق الممر الملاحى أمام أكثر من 100 سفينة في كل طرف من طرفي شريان الشحن الحيوي و عطل الحادث التجارة العالمية لما يقرب من أسبوع الا أنه تم تعويم تلك السفينة بفضل مجهودات ضخمة بذلت من قبل العاملين فى قناة السويس .