بقدر المتعة التى يحصل عليها الإنسان من إكتشاف شئ جديد داخل كوكب الأرض أو خارجه الا أن المتعة قد تزداد حين يكتشف شئ يتعلق بالإنسان نفسه و هو أمر يجده عند تواصله مع بعض من القبائل البدائية التى تسكن الغابات أو الجزر المعزولة حيث يشاهد كيف كان يعيش الإنسان قبل إنتقاله الى الحضارة بالإضافة الى التعرف على عادات و تقاليد تلك الشعوب التى قد يكون بعضها غريبا للغاية و مبينا على معتقدات و خرافات أنتقلت من جيل الى أخر بينهم و هو ما نراه داخل قبيلة يانومامي و هو مجتمع بدائى يعيش فى قارة امريكا الجنوبية يمتاز بإمتلاكه طقوس دفن غريبة متمثلة فى أكل رماد الموتى إعتقادا منهم بأن الروح تحتاج إلى الحماية بعد الوفاة و لا يمكن أن ترتاح و تنتقل الى العالم الاخر بشكل مثالى الا بعد حرق الجسد و أكل رماده من قبل أقاربه و احبائه .
و تعيش قبائل ” يانومامي ” في غابات الأمازون المطيرة على الحدود بين “فنزويلا” و “البرازيل” فى عدد يتراوح ما بين 200 الى 250 قريه و يبلغ عدد سكانها حاليا حوالى 35 الف نسمة و هم من السكان الاصليين لأمريكا الجنوبية و بدء اتصالهم بالغرباء فى اربعينيات القرن الماضى عندما ارسلت “البرازيل” فرق لترسيم الحدود بينها و بين “فنزويلا” حيث بدأت معاناة تلك القبائل مع ذلك الاتصال بعد أن أصيبوا بالامراض و الأوبئة مثل الحصبه و الانفلونزا و توفى العديد منهم نتيجة ذلك و لم يقتصر الأمر على المرض فقد و لكن تم تدمير قريتين لهم فى السبعنيات نتيجة شروع الجيش البرازيلى فى انشاء طريق مار عبر الأمازون .
و بعد ذلك إزداد الوضع سوءا لدى قبيلة ” يانومامي ” خلال فترة الثمانينيات مع وصول اكثر من 40 الف عامل للمناجم و الذين عاملوهم بوحشية حيث كانوا يطلقون النار عليهم و يردوهم قتلى و مع نقلهم المزيد من الامراض توفى 20% من سكان تلك القبائل فى فترة لا تتجاوز سبع سنوات و هو ما دفع البعض إلي تشكيل حملة دوليه للمحافظة على تلك المجتمعات من الفناء و التى أتت بنتائج إيجابية بإعتبار تلك المناطق محمية طبيعية عام 1992 مع طرد عمال المناجم من ذلك المكان الا أن التوترات عادت مرة اخرى بعودتهم و ازدادت اكثر بعد بناء الجيش العديد من الثكنات فى أراضيهم و لا تزال تلك المعاناة مستمرة حتى الان رغم الوعود الحكومية .
و تعيش قبائل ” يانومامي ” فى منازل دائريه كبيرة الحجم و مشتركة تسمى ” يانوس ” تستطيع إستيعاب 400 شخص و يستخدم مركز ذلك المنزل فى اقامة العديد من الفعاليات بينهم مثل الألعاب و الأعياد كما أنهم يؤمنون بالمساواة بين الناس و لا يعترفون برؤساء بل يتم اتخاذ القرارات بالتشاور و الاجماع عليه و يتم تقسيم العمل على الجنسين فالرجال يميلون الى الصيد و لديهم عادة الا يأكل الصياد من فريسته ابدا بمفرده بل يشاركها مع أسرته و الأصدقاء و يأكل هو من فريسة صياد أخر اما النساء فتميل الى الزراعه حيث يزرعون اكثر من 60 محصولا بجانب ادارة شئون المنزل و تربية الأبناء .
تلك هى العادات الحياتية لقبيلة ” يانومامي ” اما العادات الروحيه فهى تعتبر جزء اساسى من حياة تلك القبائل حيث يؤمن ان كل مخلوق سواء كان إنسان او صخرة او شجرة او جبل له روح و التى تكون في بعض الأحيان شريرة و تقوم بمهاجمتهم و تسبب لهم الأضرار و الأمراض و اللعنات و نتيجة لذلك الاعتقاد فانهم يعتمدون على احد الطقوس الغريبة فى تشييع الموتى و التى تتم بالحرق لإيمانهم انها اسرع وسيله لازالة الجسد و إراحة الروح عن الدفن و التى تأخذ وقتا من اجل تحلل الجسد و تبدء طقوسهم قبل الحرق بتغطية الجثه بأوراق الاشجار و تركها فى الغابات لفترة تتراوح بين 30 الى 45 يوما من اجل السماح للطبيعه بازالة اللعنة عن ذلك الجسد و بعدها تبدء مرحلة حرق الجثة ثم يقومون بطلاء وجوههم ببقايا الجسد المحترق و يغنون و يبكون للتعبير عن حزنهم لفقدان ذلك الشخص ثم يقومون بتجميع العظام المتبقية من الحرق و تحويلها إلى مسحوق يمزج برماد الأجسام المحروقة للمتوفى ثم يتم خلطه مع حساء الموز و هو طعام محلي شائع لهذا المجتمع و يتم تناوله من قبل اقارب المتوفى و باقى افراد القبيله فى جلسة واحدة حيث يعتقدون أن تلك الطقوس تساهم فى وصول الروح إلى السلام الأبدي لأن الروح لا يمكن أن تنتقل بالكامل إلى العالم الاخر دون أن تختفي تمامًا عن العالم المادي .
أقرأ أيضا : تعرف على قبيلة سينتلينس أكثر التجمعات عزلة و عدوانية فى العالم
و تختلف تلك الطقوس لدى قبيلة ” يانومامي ” فى حالة إذا كان المتوفى قد مات نتيجة قتله من قبل الاعداء حيث تكتفى النساء بأكل الرماد و لا تحدث تلك العادة الا في الليلة التي يتم فيها التخطيط لغارة انتقامية على من قتلوه و قد يظل رماد هؤلاء الرجال الذين قتلوا على أيدي الأعداء لسنوات فى القبيله حتى تؤمن القبيلة بأن الإنتقام قد حدث و رقدت روح القتيل فى سلام .