في مساء يوم 26 من يناير عام 1972 سمع مزارع تشيكي يدعي برونو هونك صراخًا قادمًا من أحد التلال الواقعة خارج قريته و عندما ذهب للتحقق من ذلك الأمر وجد أمامه مشهدًا مروعًا تمثل في حطام طائرة مزقها إنفجار ضخم و على الرغم من أنه بدا من المستحيل أن ينجو أي شخص من مثل ذلك الحادث إلا أن هونك سرعان ما أدرك أن شخصًا ما قد نجا بعد أن عثر أمامه في وسط تلك الفوضي علي امرأة صربية تدعي فيسنا فولوفيتش كانت ترتدي زي مضيفة طيران ملطخ بالدماء و رغم ظروفها الصعبة إلا أنها من دون أن تدري تمكنت من الدخول إلي موسوعة جينيس للأرقام القياسية بعد أن نجت من سقوط حر علي إرتفاع أكثر من 10 كيلومترات و بدون مظلة و كتبت لها النجاة فى حادث نادر من الصعب تكراره مجددا .
و كانت “فيسنا فولوفيتش” الصربية المولد تبلغ من العمر حينها 22 عامًا و عملت كمضيفة للطيران لمدة ثمانية أشهر فقط قبل ذلك الحادث المشؤوم الذي بدء بعد السفر إلى “لندن” لتعلم اللغة الإنجليزية و حينها أدركت حبها للسفر و عندما أكتشفت أن صديقتها أصبحت مضيفة طيران و تسافر حول العالم أنتهزت تلك الفرصة أيضا و قررت العمل كمضيفة طيران حيث أنضمت عام 1971 إلي شركة ” جات إيرويرز ” الناقل الوطني اليوغوسلافي و أكبر شركة طيران في البلاد و مع ذلك كاد حلمها أن يتلاشي بسبب إمتلاكها لسجل مرضي يتعلق بإنخفاض في ضغط الدم و حين أدركت “فيسنا فولوفيتش” أنه من غير المرجح أن تجتاز الفحص الطبي شربت عدة أكواب من القهوة قبل التوجه إليه على أمل أن يحافظ ذلك على ضغط دمها مرتفعًا بدرجة كافية و بالفعل نجحت في إجتياز الفحص و تم السماح لها بالإنضمام إلى برنامج تدريب المضيفات .
و بعد ثمانية أشهر من عملها كمضيفة طيران طُلب من ” فيسنا فولوفيتش ” الإنضمام إلى طاقم طائرة ” جات فلايت 367 ” التي كانت تطير من العاصمة السويدية “ستوكهولم” إلى مدينة “بلغراد” مع توقف قصير في العاصمة الدانماركية “كوبنهاجن” و على الرغم من أنها قد أدركت أن الشركة قد أخطأت في إختيارها حيث كان من المقرر أن تقوم بتلك الرحلة مضيفة أخري تحمل نفس الإسم إلا أنها وافقت على الإنضمام على أي حال نظرًا لعدم زيارتها للدنمارك أبدًا لذلك فأعتبرت تلك الرحلة فرصة جيدة للسفر إليها و مشاهدة معالم المدينة بعكس باقي أفراد الطاقم الذين ركزوا علي التسوق و الجلوس في الفندق لدرجة أن قائد الطائرة أمضى 24 ساعة في غرفته رافضًا الخروج على الإطلاق و في تمام الساعة 1:30 ظهرًا في يوم 26 يناير عام 1972 ذهب الطاقم في مطار كوبنهاجن و شاهد الركاب و الطاقم السابق ينزلون من الطائرة و صعد الركاب الجدد و أقلعت الرحلة في تمام الساعة 3:15 مساءً .
و بعد مرور 46 دقيقة من الإقلاع و في الساعة 4:01 مساءً حدث إنفجار في مقصورة الأمتعة و تحطمت الطائرة في الجو قبل أن يسقط حطامها من إرتفاع يتجاوز 10 كيلومترات على الأرض فوق منطقة “سربسكا كامينيس” في “تشيكوسلوفاكيا” و من بين 28 راكبًا و طاقمًا كانت المضيفة “فيسنا فولوفيتش” هي الناجية الوحيدة و لحسن حظها كان القروي “برونو هونك” الذي عثر عليها يعمل مسعفًا خلال الحرب العالمية الثانية لذلك كان قادرًا علي محاولة إبقائها على قيد الحياة حتى وصول رجال الإنقاذ علي الرغم من أنه لم يكن عملاً سهلاً حيث أصيبت ” فيسنا فولوفيتش ” بعدة كسور في ساقيها و ثلاث فقرات من عمودها الفقري و الحوض و الأضلاع و الجمجمة و بعد نقلها إلى المستشفى في “براغ” و فحصها أكتشف الأطباء أنها مصابة بنزيف في المخ كما أنه بعد إستيقاظها من الغيبوبة كان لديها فقدان ذاكرة كامل منذ اللحظة التي حدث فيها الإنفجار و حتى ما يقرب من شهر بعد ذلك حيث لم يكن لديها أي فكرة عما حدث و كانت كل ما تتذكره هو ترحيبها بالركاب ثم لا شيء إلي أن رأت والديها في غرفتها بالمستشفى .
و علي الرغم من أن إصاباتها كان من الممكن أن تجعلها مشلولة بشكل دائم أو حتى ميتة في غضون 10 أشهر من سقوطها إلا أن “فيسنا فولوفيتش” خالفت توقعات الأطباء الذين شككوا في صعوبة أن تعيش هذه المدة الطويلة و بدأت في المشي مرة أخري لتكون تلك المفاجأة الثانية بعد إستيقاظها من غيبوبتها عقب الحادث حيث كان أول شيء فعلته عند الإستيقاظ هو طلبها لسيجارة و المدهش أن فترة تعافيها كانت قصيرة نسبيًا و ناجحة بشكل لا يصدق و هي حقيقة تنسبها إلى نظام غذائي كانت تتبعه في مرحلة الطفولة يتضمن الشوكولاتة و السبانخ و زيت السمك أما في كيفية نجاتها من الإنفجار و السقوط فيعتقد محققي السلامة الجوية أن موقع “فيسنا فولوفيتش” داخل الطائرة وقت الإنفجار هو ما ساعدها حيث كانت في مؤخرة الطائرة بعربة طعام عندما تحطم جسم الطائرة فبينما تم شفط الركاب الآخرين خارج الطائرة بعد الإنفجار تعلقت فولوفيتش بالعربة و سقط الجزء الصغير الذي كانت فيه على الأرض فوق منحدر مليئ بالغابات و مغطي بالثلوج و هو ما ساهم في إمتصاص الصدمة .
أقرأ أيضا : جوليان كوبكي الفتاة المعجزة التى كتبت لها النجاة من تحطم طائرة و عاشت بمفردها لأيام فى أعماق غابات الأمازون
و بدا تفسير المحققين الجويين مقنعا و أتفق الأطباء مع ذلك التحليل و أضافوا أيضا أن الشيء الذي كاد أن يمنع ” فيسنا فولوفيتش ” من أن تكون مضيفة طيران هو ما أنقذ حياتها في النهاية حيث يعتقدون أن ضغط دمها المنخفض منع قلبها من الإنهيار عند الإصطدام بالأرض أما بالنسبة للجهة التي كانت متورطة في ذلك الحادث فقد تم الإعلان أن ذلك الإنفجار نجم عن حقيبة مفخخة قامت بزراعتها منظمة ” يوستاسي ” و هي مجموعة إنفصالية كرواتية تسعى إلى الإستقلال عن “يوغوسلافيا” و ردا على ذلك الهجوم تم تشديد الإجراءات الأمنية بالمطارات في عموم البلاد و ملاحقة أفراد تلك المنظمة أما بالنسبة لـ ” فيسنا فولوفيتش ” فبسبب فقدانها الذاكرة و عدم تذكرها أي شئ عن الحادث أو الإنفجار فقد أستمرت في حب الطيران و الشعور بالمغامرة التي كانت لديها من قبل إلي أن توفيت عام 2016 عن عمر يناهز 66 عامًا .