لم يكن الوصول الى علوم الطب الحديث طريقا مفروشا بالورود كما يظن البعض بل أنه مر بالعديد من الدراسات و التجارب الصعبة للحصول على النتائج المرجوة و اذا كان الغذاء هو أمرا من ضروريات الحياة و يعد مفتاح صحة الانسان فقد أدى ذلك الى اقبال العديد من الأفراد فى الولايات المتحدة بوضع بعض من المضيفات الغذائية و المواد الحافظة عليه تجنبا لعدم فساده و ذلك من دون أى رقابة نظرا لعدم وجود أى لوائح فيدرالية تتعلق بسلامة الغذاء فى ذلك الوقت و هو الأمر الذى دفع أحد العلماء الامريكيين لمحاولة التصدى لتلك الظاهره و اثبات أن تلك الاضافات ضارة جدا بالصحة العامه و لكن بطريقة غير تقليدية عبر اشرافه على واحدة من أغرب التجارب التى أجريت على مجموعة من البشر الذين أطلق عليهم اسما غير مألوفا و هو فرقة السموم .
بدأت قصة ” فرقة السموم ” فى مطلع القرن العشرين حين بدأ “هارفي ويلي” كبير الكيميائيين بوزارة الزراعة الأمريكية تساوره الشكوك منذ فترة طويلة بأن العديد من الاضافات الغذائية و المواد الحافظة التى تضاف الى الطعام لم تكن مناسبة للاستهلاك الأدمى الا أنه لم يتمكن من إثبات ذلك بشكل قاطع و من أجل التأكد من شكوكه تلك و محاولته الضغط لإنشاء معايير و أنظمة أكثر صرامة لسلامة الأغذية أنشأ في الطابق السفلي من مكتبه غرفة على شكل مطعم يحتوى على مائدة فاخرة بكامل أدواتها و أجرى اتصالات بالعديد من الأفراد الأصحاء الذين يرغبون في تناول ذلك الطعام المخلوط بتلك المواد بشكل مجانى و على ان تكون مطهوة تحت اشراف أحد رؤساء الطهاة المشهورين المعروف باسم ” بيرى ” و الذى كان رئيس الطهاة لملكة بافاريا , و كان من الملاحظ أن كل اختياراته لاعضاء فرقة السموم الذين سيخوضون تلك التجربة هم من الرجال و ذلك لأنه كان معروفا بكرهه للمرأة و كان لا يفضل أن تكون جزءًا من الدراسة لإيمانه بأن النساء متوحشات و ليس لديهن القدرة العقلية الكافية مثل الرجال .
و بجانب اشراف ” هارفى وايلى ” عليها كانت تلك التجارب تقام تحت رعاية الحكومة الامريكية بعد أن أقنعهم بأنها مجرد دراسة لـ”تجارب المائدة الصحية” و ليست ” تعالى و تناول السم ” كما يحدث على أرض الواقع من خلال خطواتها بخلط الطعام بتلك الاضافات الغذائية السامه التى كانت شائعة الاستخدام فى ذلك الوقت و مع كل وجبة اضافية تقدم تزداد كميات تلك المواد فيها بحيث يتمكن ” هارفى ” من ملاحظة آثارها على جسم الإنسان بمجرد أن تظهر الأعراض على المشاركين و حينها سيتوقفون عن الأكل ثم ينتقلون الى وجبة أخرى و سم تالي و نتيجة غرابة تلك التجارب فقد أثارت اهتمام مراسل الواشنطن بوست “جورج روثويل براون” و الذي كتب تقريرا عن دراسة ” هارفى ” و عن المشاركين فيها الذى أطلق عليهم اسم ” فرقة السموم ” .
أقرأ أيضا : تذيب العينين و تؤدى الى تفحم الجلد .. تسعة معلومات صادمة عن تأثيرات الإصابة بالصعق الكهربائى
طبيعة عمل فرقة السموم
كان اختيار ” هارفى وايلى ” على أول 12 عضوًا من “فرقة السموم” يعتمد على احترامهم لاخلاقيات العمل و اتسامهم بالرصانة و الموثوقيه و الذين بمجرد بمجرد قبولهم العرض أقسموا أنهم سيوافقون على الخدمة لمدة عام كامل و أنهم سيأكلون فقط الوجبات المعدة في وزارة الزراعة و لن يقاضوا الحكومة للحصول على تعويضات في حالة حدوث نتائج عكسية بما في ذلك الوفاة و على مدى السنوات القليلة اللاحقه تم تجنيد 12 شابًا جديدًا لتلك الدراسه .
لم تكن التجارب بالسهله على المشاركين فيها كأعضاء فى فرقة السموم حيث كانوا معتادين قبل تناولهم الوجبات على قياس معدلاتهم الحيوية و وزنهم بانتظام و فى كل أسبوع كان عليهم تقديم عينات من الشعر و العرق و البراز و البول و بخلاف تناول الثلاث وجبات اليوميه و المسممة بعنايه لم يتلق المشاركون أي تعويض إضافي عن أى مشاكل واجهتهم ففي كثير من الأحيان لم يتمكنوا حتى من الاستمتاع بالوجبات لأن المواد المضافة و الحافظة كانت تدفعم الى القيء على الفور , كما لم تكن التجارب سهلة على المشرفين أيضا و الذين كانوا يواجهون أحد التحديات خلال إجرائها و المتعلقة بأنه ليس من المفترض أن يعرف ” فريق السموم ” أي جزء من الوجبة يحتوي على “السم” لذلك كان على الطاهي التأكد من عدم تمكنهم من اكتشاف طعم المادة المضافة و الذى ثبت أنه أمرا صعبا فى بعض من المواد مثل “البورق” التى كانت تستخدم بشكل شائع للحفاظ على العمر الافتراضي للحوم نظرًا لأنها كانت تتمتع بطعم معدني بشكل ملحوظ حتى أن الرجال المشاركين بدأوا تدريجياً في تجنب أجزاء الوجبة التي تتضمنها تلك المادة لسبب وحيد هو أنهم لا يستطيعون تذوق الطعم بسببها و لحل تلك المشكلة بدأ ” هارفى ” و الشيف في إعطاء الرجال كبسولات “البورق” لتناولها مع الوجبة و نفذوا ذلك و بعدها لم تصدر أى شكاوى من تلك المادة مجددا و التى تبين لاحقا أنها أحد أقل المواد المضافة سمية من بين جميع المواد المضافة الأخرى التى استخدمت فى الدراسه , و استمر البحث و كما توقع ” هارفى ” بدأ ” فريق السموم ” يعانى من الصداع و آلام المعدة و الجهاز الهضمي عند تناول كميات كبيرة من المواد المضافة الاخرى التى تضمنت حمض الكبريتيك و الملح و الفورمالدهايد الذي يستخدم للمساعدة في إبطاء إفساد الحليب و كبريتات النحاس التي تستخدم اليوم بشكل أساسي كمبيد للآفات و قديما فى تحويل البازلاء المعلبة إلى اللون الأخضر .
مصير الدراسه
في البداية كان ” هارفى ” حذرًا من اهتمام وسائل الإعلام و أمر المشاركين في التجربة بعدم التحدث إلى أي صحفي لكن الدراسة و غرابتها حصلت على الكثير من الاهتمام الاعلامى بشكل جعله يستسلم في النهاية خاصة بعد محاولات من قبل أعضاء بالحكومة منهم وزير الزراعة نفسه الذى كان يقوم باخفاء بعض من تقاريره حول مدى ضرر هذه المواد المضافة لتجنب حدوث خسائر اقتصاديه او احداث بلبلة داخل البلاد لذلك فلم يكن له اى ملاذ أخر سوى الاعلام .
و بحلول عام 1906 بدأت جهوده مع ” فريق السموم ” تؤتي ثمارها بعد أن أصدر الكونجرس قانون فحص اللحوم و قانون الغذاء و الدواء و كلاهما كان من بين القوانين الفيدرالية الأولى لتوحيد معايير سلامة الأغذية و التي كانت تعرف في الأصل باسم “قانون ويلي” و نتيجة تلك النجاحات أغلق مطبخه في الطابق السفلي عام 1907 وغادر منصبه بعد سنوات ليتولى منصبا أخر فى احدى المجلات النسائية البارزة فى ذلك الوقت Good Housekeeping و هو أمرا أكثر غرابة من التجربة ذاتها لأنه كان معروفا بكرهه الشديد الى النساء .
و اجمالا من تلك التجارب خلص ” هارفى ويلي ” أن الكميات الصغيرة من تلك المواد المضافة و الحافظة قد لا تكون ضاره و على العكس قد تحمي الجمهور من فساد الطعام و قال إن المشكلة تكمن في كيفية تراكم تلك المواد المضافة بمرور الوقت داخل الجسم اما بالنسبة للرجال الذين شاركوا فيها و رغم عدم إجراء متابعة رسمية طويلة المدى لهم الا أن بعض الروايات تشير أن أيا منهم لم يعاني من آثار جانبية مزمنة و طويلة المدى ليسدل الستار حول تلك التجربة بعد تحقيق الغرض منها و الذى لم يكن ليحدث سوى بمساعدة اشخاص اطلق عليهم فرقة السموم .