تعتبر الهند إحدي البلدان المليئة بالعجائب ليس فقط في أساطيرها و معابدها و عاداتها و لكن أيضا في قصص لقدرات غير عادية لدي عدد من مواطنيها قد تقترب إلي حد الإعجاز واحدة منها لرجل يدعي داشراث مانجهي المعروف بإسم رجل الجبل و الذي يحظى بإحترام كبير بين سكان بلاده بإعتباره رمزًا للمثابرة و الإرادة و ذلك بعد أن سقطت زوجته من أعلي منحدر في أواخر الخمسينيات و نظرا لأن أقرب مركز طبي لديهم يقع علي بعد 65 كيلومتر فلم يستطيع تقديم يد العون لها و شاهدها و هي تحتضر أمامه و بعدها أقسم علي شق طريق بيديه داخل الجبل ذات التضاريس الوعرة التي تمنع الناس عن الوصول إلي الخدمات الأساسية و تسببت في فقدانه زوجته و إستمر في مسعاه ذلك لمدة 22 سنة كاملة إلي أن تحقق مراده و تمكن من شق طريق أكثر أمانًا عبر الجبال .
ولد ” داشراث مانجهي ” في 14 يناير عام 1929 و هو ينتمي لطبقة المساهر و هي أدنى طبقة داخل المجتمع الهندي و التي تُترجم حرفيًا إلى “أكلي الفئران” و نشأ في منطقة جيلاور بالهند و تزوج من فتاة قروية محلية تدعي ” فالجوني ديفي ” ثم أرسل للعمل و العيش في مناجم الفحم بمنطقة دانباد و بعد سبع سنوات من الأشغال الشاقة عاد أخيراً إلى منزله و أسرته و أصبح عاملاً باليومية و مع وجود طفل في المنزل و آخر في الطريق لم يتردد في الكدح مقابل ما يعادل دولار واحد في اليوم من أجل توفير الطعام على المائدة و من المؤسف أنه خلال أحد أيام عام 1959 تعرضت زوجته الحامل لحادث مأساوي مميت .
بدأت المأساة حين تحركت زوجة ” داشراث مانجهي ” علي طريق منحدر بطول التضاريس الجبلية الوعرة و شديدة الخطورة من أجل مد زوجها بالطعام و الماء في محل عمله و أثناء سيرها إنزلقت ” فالجوني ” من الأعلي و عندما أبلغه أحد القرويين بالحادث هرع إلي المكان ليجدها في أسفل الهاوية و بعد إنتشالها لم يكن الأمر كافيا لنجاتها حيث كانت مليئة بالإصابات الشديدة و في أمس الحاجة للمساعدة الطبية و لكن لسوء الحظ كان أقرب مركز طوارئ على بعد كيلومترات عديدة و قد مر الكثير من الوقت لإنقاذ حياتها إلي أن لفظت أنفاسها الأخيرة أمامه و حينها تعهد بعدم حدوث مثل هذه المآسي مجددا و قرر بجرأة شق طريق عبر الجبال .
و طوال 22 عامًا قام ” داشراث مانجهي ” و بإستخدام أدواته البسيطة في الحفر من أجل إنشاء طريق أكثر أمانًا عبر الجبال حيث شكك الناس في قدرته علي فعل ذلك و أخبروه بأنه لن يتمكن من القيام به و بأنه رجل فقير يحتاج إلي الكسب و الأكل لكنه كان مصرا علي تعهده و قام بأحراق الحطب علي التضاريس الصخرية ثم رش السطح الساخن بالماء و بعدها بدء بأدوات الحفر البسيطة في تهذيب الطريق الغير ممهد و في إحدي السنوات ضرب الجفاف منطقة ” جهلور ” و إنتقلت عائلته إلي العيش في المدينة لكن ” داشراث مانجهي ” بقي في مكانه يحرث الحقول لكسب المال أثناء النهار ثم يستأنف مشروعه الشخصي ليلاً في نحت المسار الذي يبلغ عرضه 9 أمتار و إرتفاعه 7.5 متر .
و نظرا لإصرار ” داشراث مانجهي ” علي تعهده بدء الناس في منطقته بالتجاوب معه و مساعدته علي الرغم من عدم سعادة البعض لما يفعله حيث وبخه والده لتخليه عن واجباته الإجتماعية و العائلية كما هددته الشرطة بالقبض عليه و عندما فعلوا ذلك إكتسب شعبية كبيرة لدرجة أن المناصرين له نجحوا في الإحتجاج من أجل إطلاق سراحه و أطلقوا عليه لقب ” رجل الجبل ” و بحلول عام 1982 تمكن ” داشراث مانجهي ” من إكمال طريقه الذي كان بطول 110 متر و نجح في تغيير حياة القرويين الذين أصبحوا بفضل ذلك الطريق يقطعون مسافة 16 كيلومتر فقط للوصول إلي المجتمع التالي بعد أن كانوا يقطعون مسافة 56 كيلومتر كما لم يعد على أحد أن يخشى الموت طوال تلك الرحلة بعد تجنب المناطق الخطرة فيه .
أقرأ أيضا : كارل تانزلر الرجل الذى وقع فى حب مريضته ثم عاش مع جثتها بعد وفاتها
و رغم وفاة ” داشراث مانجهي ” عام 2007 عن عمر يناهز 73 عامًا إلا أن إرثه لا يزال حيًا حتي اللحظة و لحسن الحظ قام بالتوقيع علي حقوق قصة حياته و هو على فراش الموت ببصمة إبهامه البسيطة و تحولت تجربته الفريدة إلى فيلم سينمائي أنتج عام 2015 حمل عنوان ” مانجهي – رجل الجبل ” و اليوم حتى مع إستمرار أحفاده في صراعهم مع الفقر فإن إسمهم معروف في جميع أنحاء الهند بإعتباره إسمًا للمثابرة و الكفاح الذي ينبغي للجميع عدم نسيانه.