محارب و حاكم منغولى و أحد أشهر الغزاة فى كل العصور و المعروف بعبقريته العسكرية و القياديه التى أستطاع من خلالهم أن يحكم أكبر امبراطورية فى العالم بعد توحيده لجميع القبائل البدوية الموجودة في منغوليا لتكون تحت حكمه هو و عائلته و ذلك في اطار دولة عسكرية منضبطة بشكل صارم لينتقل بعدها فى تحويل اهتمامه نحو الدول التى تقع خارج حدود عالمه و يبدء فى خوض حملات غزو وحشية مكنته من بسط سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضى بداية من ساحل المحيط الهادئ للصين و حتى البحر الأدرياتيكى فى أوروبا , و رغم فتوحاته الا أن عصره أتسم بسمعة مخيفه نظرا الى الدمار الغير مسبوق الذى كان يلحقه بالبلاد التى يقوم بغزوها بشكل أدى الى حدوث تغيرات ديموغرافية كبيرة بها و انخفاض حاد في عدد السكان نتيجة الإبادات الجماعية و المجاعات حيث يقدر بعض المؤرخين أن عدد ضحاياه يتراوح ما بين أربعين إلى ستين مليون شخص و رغم ذلك الا أن المنغوليين الحاليين يعتبروه الأب المؤسس لدولتهم منغوليا لأنه كان حاكما فريدا من نوعه بعد قيامه بتطوير امبراطوريته بتشجيعه التجاره و عمله على انشاء أول نظام بريدي دولي كما يُنسب الفضل الى جنكيز خان في جعل طريق الحرير وسط بيئة سياسية واحدة متماسكة و مستقرة الأمر الذى أدى إلى تسهيل الاتصال و التجارة نسبيًا بين شمال شرق آسيا و جنوبها المسلم اضافة الى أوروبا المسيحية مما أدى إلى توسيع الآفاق الثقافية لجميع المناطق الثلاث .
نشأته
ولد “جنكيز خان” في شمال وسط “منغوليا” عام 1162 و كان اسمه الأصلى “تيموجين” نسبة الى أحد زعماء التتار الذي كان والده “يسوخي” قد قام بأسره حيث كان ذلك الولد الصغير منتسبا لقبيلة “بورجيجين” و من نسل “خابول خان” الذي استطاع توحيد “المغول” لفترة وجيزة ضد أسرة “جين” في شمال “الصين” أوائل القرن الحادي عشر و وفقًا لـ “التاريخ السري للمغول” فقد وُلد “تيموجين” بجلطة دموية في يده و هي علامة في الفولكلور المغولي تعنى بأنه كان مقدرًا له أن يصبح قائدًا حيث قامت والدته ” هويلون ” بتعليمه الحقيقة القاتمة لأسلوب العيش في مجتمع قبلي مغولي مضطرب و الحاجة إلى التحالفات .
و مع وصول ” تيموجين ” الى التاسعة من عمره أخذه والده للعيش مع عائلة عروسه المستقبلية “بورتي” و في خلال رحلة عودة والده إلى الوطن التقى “يسوخي” بأعضاء من قبيلة تتارية منافسة و الذين دعوه إلى وجبة تصالحيه حيث تم تسميمه بسبب تجاوزات سابقة له ضدهم و عند سماع نبأ وفاة والده عاد ” جنكيز خان ” او كما لا يزال يعرف فى ذلك الوقت باسم ” تيموجين ” إلى قبيلته للمطالبة بمنصبه كرئيس عشيرة الا أنه رفض الاعتراف بقيادة الصبي الصغير و نبذت عائلته المكونة من أشقاء أصغر و أخوة غير أشقاء و في احدى المرات حدث نزاع حول غنائم رحلة صيد و تشاجر مع أخيه غير الشقيق “بختر” و قتله كتأكيد على منصبه كقائد للأسرة.
و ببلوغ ” تيموجين ” سن 16 تزوج من “بورتي” مما عزز التحالف بين قبيلة “كونكيرات” و قبيلته و بعد فترة وجيزة تم اختطاف زوجته من قبل قبيلة ” ميركيت ” المنافسة و منحت إلى زعيمها كزوجة له الا أن ” تيموجين ” تمكن من إنقاذها و بعد فترة وجيزة أنجبت ابنها الأول ” يوشى ” و على الرغم من أن أسر ” بورتى ” قد ألقى بظلال من الشك على نسب ” يوشى ” إلا أن ” جانكيز خان ” قبله كإبن له و أصبح لديه أربعة أبناء و العديد من الأطفال الآخرين من زوجات أخريات كما كانت العادة المنغولية و الذين رغم كثرتهم فإن أبنائه الذكور فقط من ” بورتى ” كانوا هم المؤهلون للخلافة في الأسرة .
الحاكم العالمى
عندما كان ” تيموجين ” يبلغ من العمر 20 عامًا تم القبض عليه في غارة من قبل حلفاء العائلة السابقين ” التايشوتس ” و استعبد مؤقتًا سرعان ما هرب من أسره و انضم إلى إخوته و العديد من أفراد العشائر الآخرين لتشكيل وحدة قتالية حيث بدأ صعوده البطيء إلى السلطة من خلال بناء جيش كبير يضم أكثر من 20 ألف رجل و شرع في تدمير الانقسامات التقليدية بين القبائل المختلفة و توحيد المغول تحت حكمه.
و من خلال مزيج من التكتيكات العسكرية المتميزة و الوحشية التي لا ترحم انتقم ” جنكيز خان ” لمقتل والده من خلال القضاء على جيش التتار الذين قاموا بتسميمه حيث أمر بقتل كل ذكر منهم كان طوله أكثر من المتر تقريبًا ثم قام بهزيمة ” التايشوتس ” الذين أسروه باستخدام سلسلة من هجمات سلاح الفرسان الضخمة و قام بحرق كل رؤساء تلك القبيلة أحياء , و بحلول عام 1206 هزم “تيموجين” أيضًا قبيلة “نيمان” القوية مما منحه السيطرة على وسط و شرق “منغوليا” .
و يرجع الفضل لكل تلك الانتصارات إلى التكتيكات العسكرية الرائعة لـ “جنكيز خان” فضلاً عن فهمه لأساليب تفكير أعدائه حيث قام بتوظيف شبكات تجسس واسعة بينهم وكان سريعًا في تبني تقنيات عسكرية جديدة مقارنة بخصومه كما قام بتشكيل جيشا مدربا جيداً و المكون من 80 ألف مقاتل يتم التواصل بينهم بأنظمة إشارات متطورة من الدخان و المشاعل المحترقة كما أن جنوده كانوا مجهزين بالكامل بأقواس و سهام و دروع و خناجر كما كانوا يحملون حقائب كبيرة مقاومة للماء تحمل الطعام و الأدوات و الملابس الاحتياطية و يمكن نفخها لتكون بمثابة عوامة عند عبور الأنهار العميقة و السريعة الحركة أما الفرسان فكانوا يحملون سيفًا صغيرًا و رماحًا و درعًا للجسم و صولجان كما تميز جيشه بإمداد جيد التنظيم من خلال عربات تجرها الثيران تحمل الطعام للجنود اضافة الى وجود الأطباء و الحكماء للمساعدة الطبية و الروحية للجنود مع اتباع اعراف صارمه فى فهرسة الغنائم و توزيعها حيث كانت كل تلك الامور كافية لتجعل جيشه مدمرا .
و نتيجة انتصاراته المتتالية على القبائل المنغولية المتنافسة وافق زعماء القبائل الباقين على السلام و منحوا “تيموجين” اسم “جنكيز خان” الذى يعني “الحاكم العام” و هو لقب لم يكن له أهمية سياسية فحسب بل حمل أيضًا أهمية روحية نظرا لاعتباره “الإله الأعلى” للمغول الذى يجب أن يخضع العالم للقبول بحكمه و رغم أن التسامح الديني كان مسموحا به في الإمبراطورية المغولية الا أن تحدي الخان العظيم كان مساوياً لتحدي إرادة الله.
أقرأ أيضا : نابليون بونابرت ( 1769 – 1821 )
جنكيز خان و فتوحاته الكبرى
لم يضيع “جنكيز خان” أي وقت في الاستفادة من مكانته الإلهية حيث حفز الإلهام الروحي الذى يمتلكه جيوشه للبدء فى التوسع اضافة الى دوافع أخرى تتعلق بالظروف البيئية بعد أن أصبحت المواد الغذائية و الموارد شحيحة مع نمو السكانى و في عام 1207 قاد جيوشه ضد مملكة “تشي تشيا” و بعد عامين أجبرها على الاستسلام و في عام 1211 ضربت جيوشه أسرة “جين” في شمال الصين حيث لم تغريهم العجائب الفنية و العلمية لتلك المدن العظيمة بل كان أكثر اهتمامهم منصبا على حقول الأرز التي لا نهاية لها و جني الغنائم , و على الرغم من أن الحملة ضد أسرة “جين” استمرت ما يقرب من 20 عامًا إلا أن جيوشه كانت نشطة أيضًا في الغرب ضد الإمبراطوريات الحدودية و العالم الإسلامي ففي البداية استخدم “جنكيز خان” الدبلوماسية لإقامة علاقات تجارية مع سلالة “خوارزم” و هي إمبراطورية يهيمن عليها الأتراك و التي تضمنت “تركستان” و “بلاد فارس” و “أفغانستان” لكن البعثة الدبلوماسية المغولية تعرضت للهجوم من قبل حاكم مدينة “أترار” الذي ربما اعتقد أن القافلة كانت غطاء لمهمة تجسس و عندما سمع “جنكيز خان” بهذه الإهانة طالب بتسليم الحاكم إليه و أرسل دبلوماسيًا لذلك الا أن “شاه محمد ” زعيم سلالة خوارزم لم يرفض الطلب فقط و لكن في تحدٍ له أعاد اليه رأس الدبلوماسي المغولي .
أطلق هذا الفعل غضبًا شديدا لدى ” جنكيز خان ” و قرر أن يجتاح آسيا الوسطى و أوروبا الشرقية و في عام 1219 تولى بنفسه تخطيط و تنفيذ هجوم بجيش مكون من 200 ألف جندي مغولي ضد أسرة “خوارزم” حيث اجتاح المغول تحصينات كل مدينة بوحشية لا يمكن إيقافها و أولئك الذين لم يذبحوا على الفور تم دفعهم أمام الجيش المغولي ليكونوا بمثابة دروع بشرية و عندما استولى المغول على المدينة التالية لم ينج أي شيء حي بما في ذلك الحيوانات الأليفة الصغيرة و الماشية و تجمعت جماجم الرجال و النساء و الأطفال في أكوام هرمية كبيرة و توالت سقوط المدن و في النهاية تم أسر و قتل “الشاه محمد” وابنه لاحقًا مما وضع نهاية لسلالة خوارزم عام 1221.
و مع إبادة سلالة خوارزم حوّل “جنكيز خان” انتباهه مرة أخرى شرقًا إلى الصين بعد تحدى زعماء ” التانجوت ” لأوامره بالمساهمة بقوات في حملة خوارزم و كانوا في ثورة مفتوحة ضده الا انه نجح فى هزيمتهم و نهب عاصمتهم و سرعان ما استسلم هؤلاء الزعماء واحدا تلو الأخر وانتهت المقاومة حيث أمر باعدامهم جميعا و بذلك أنهى سلالة “تانجوت”.
بمرور الوقت و نتيجة فتوحات “جنكيز خان” تم الربط بين المراكز التجارية الرئيسية في “الصين “و “أوروبا” و كانت امبراطوريته محكومة بقانون يعرف باسم ” ياسا ” الذى احتوى على مراسيم تحظر الثأر و الزنا و السرقة و شهادة الزور و بيع و خطف النساء كما تم تضمين القوانين التي تعكس احترام المغول للبيئة مثل منع الاستحمام في الأنهار و الجداول و الأوامر لأي جندي يتبع آخر أن يلتقط أي شيء أسقطه الجندي الأول و عادة ما كان يعاقب على انتهاك أي من تلك القوانين بالإعدام كما تبنى نظام الكتابه و منح الحصانة الديبلوماسية للسفراء الأجانب و كانت الترقيات و التقدم فى الرتب العسكرية و الحكومية لم يكن قائمًا على الخطوط التقليدية للوراثة أو العرق و لكن بالجدارة و الكفاءة و كانت هناك إعفاءات ضريبية للزعماء الدينيين و بعض القادة المهنيين فضلاً عن درجة كبيرة من التسامح الديني و التى تعكس التقاليد المغولية للدين منذ فترة طويلة باعتبارها قناعة شخصية لا تخضع للقانون أو التدخل حيث كان هناك العديد من الجماعات الدينية المختلفة في داخل الإمبراطورية .
وفاة جنكيز خان
توفي “جنكيز خان” عام 1227 بعد وقت قصير من حملته على ” التانجوت ” و كان السبب الدقيق لوفاته غير معروف حيث يقول بعض المؤرخين أنه سقط من على حصان أثناء الصيد و توفي من التعب و الإصابات و يقول آخرون إنه مات بسبب أمراض فى الجهاز التنفسي و تم دفنه فى مكان مجهول بدون علامات وفقًا لعادات قبيلته بالقرب من مسقط رأسه بنهر “أونون” و جبال “خينتي” في شمال “منغوليا” و وفقًا للأسطورة فقد قتل جميع مرافقي الجنازة لإخفاء موقع الدفن و تم تحويل نهر فوق قبر “جنكيز خان” لجعل العثور عليه مستحيلًا.
و الجدير بالذكر أنه قبل وفاته منح “جنكيز خان” القيادة العليا لابنه “أوجيدي” الذي سيطر على معظم شرق آسيا بما في ذلك “الصين” و تم تقسيم بقية الإمبراطورية بين أبنائه الآخرين حيث استولى “ججاتاي” على آسيا الوسطى و شمال “إيران” و “تولوي ” الأصغر سناً على منطقة صغيرة بالقرب من موطن المغول و “يوتشي” (الذي قُتل قبل موت جنكيز خان) فقد سيطر هو وابنه “باتو” على “روسيا” الحديثة و استمر توسع الإمبراطورية و وصل إلى ذروته تحت قيادة “أوجي خان” و غزت الجيوش المغولية بلاد فارس وسلالة “سونج” في جنوب “الصين ” و البلقان و فقط عندما وصلت الجيوش إلى أبواب “فيينا” فى “النمسا” تلقى القائد الرئيسي “باتو” نبأ وفاة “أوجيدي” و تم استدعاؤه للعودة إلى “منغوليا” و بعد ذلك فقدت الحملة زخمها مما يمثل ذلك أقصى غزو للمغول فى أوروبا.