قصص سقوط الأشخاص من القمم المهنية إلي قاع الحياة القاسية دائمًا ما تحمل في طياتها دروسًا و عِبَرًا تتجاوز الأفراد المعنيين لتصبح مواعظ لكل من يتابعها و من أبرز تلك الأمثلة هو ما حدث مع الحكم الإكوادوري بايرون مورينو الذي وصل إلي ذروة شهرته خلال إدارته لمباريات كأس العالم عام 2002 التي أقيمت في كوريا الجنوبية و اليابان حيث تعد قصته مثالاً حيًا علي كيف يمكن لقرارات مهنية غير موفقة مع إختيارات حياتية خاطئة أن تقود الفرد إلي الإنحدار لأن ما حدث له لم يكن مجرد زلة عابرة في ميدان الرياضة بل ملحمة مأساوية إنتهت به في نهاية الأمر إلي خلف القضبان .
بدء حكم كرة القدم الإكوادوري ” بايرون مورينو ” مسيرته كحكم دولي وسط آمال كبيرة بإعتباره واحدا من بين الحكام الواعدين علي الساحة العالمية بعد أن عُرف بإنضباطه و إحترافيته في ذلك المجال و هو ما جعله يحصل علي شارة التحكيم الدولية و إختياره لإدارة مباريات في بطولات كبرى مثل كأس العالم عام 2002 و هو أمر كان بالنسبة إليه إنجازًا كبيرًا لأن الوصول إلي هذه المرحلة يعني أن الفيفا رأت فيه حكمًا قادرًا علي التحكم في مجريات مباريات علي أعلي مستوى و لكن و علي غير المتوقع كانت تلك اللحظة هي بداية السقوط .
بدأت مراحل سقوط ” بايرون مورينو ” أثناء إدارته للمباراة التي جمعت بين منتخبي ” إيطاليا ” و ” كوريا الجنوبية ” في دور الـ 16 حيث شهدت قراراته تحولات مثيرة للجدل أثارت إستياءً واسعًا من الإيطاليين خاصة بعد أن دخلت المباراة في وقت إضافي يزداد بها الأمر سوء بعد إتخاذ ” بايرون مورينو ” قرارات حاسمة قلبت موازين المباراة لصالح ” كوريا الجنوبية ” من بينها طرد النجم الإيطالي ” فرانشيسكو توتي ” بعد إتهامه بالوقوع في منطقة الجزاء في محاولة منه للحصول علي ركلة جزاء و هو قرار قوبل بإنتقادات لاذعة من جماهير ” إيطاليا ” و وسائل الإعلام العالمية بالإضافة إلي إلغائه أيضا هدفًا لإيطاليا بداعي التسلل و هو قرار آخر مثير للجدل و إنتهت المباراة بإقصاء ” إيطاليا ” من البطولة بينما صعدت ” كوريا الجنوبية ” إلي الدور ربع النهائي و نظرا لتلك القرارات السيئة كانت المشاعر في ” إيطاليا ” عاصفة ضده حيث اعتبره البعض جزءًا من مؤامرة هدفت إلي مساعدة الدولة المضيفة للتأهل و وصلت الأمور إلي حد إتهامه بالفساد و وصفه من قبل الصحافة الإيطالية بأنه “أسوأ حكم في التاريخ”.
و لم تكن مباراة ” إيطاليا ” و ” كوريا الجنوبية ” هي الوحيدة التي المثيرة للجدل حول ” بايرون مورينو ” فبعد أشهر قليلة من نهاية كأس العالم وجد نفسه في مواجهة إنتقادات جديدة عندما قاد مباراة في الدوري الإكوادوري بين فريقي ” ليجا دي كيتو ” و ” برشلونة دي جاياكويل ” حيث أثار ” بايرون مورينو ” الجدل مرة أخري بعد أن أضاف 13 دقيقة من الوقت بدل الضائع بدلاً من الست دقائق المعلنة و هو ما سمح لفريق ” ليجا دي كيتو ” بتسجيل هدفين و الفوز بالمباراة ما أحدث غضب كبير داخل الأوساط الرياضية في ” الإكوادور ” و عليه تم تعليق نشاطه التحكيمي لمدة 20 مباراة و هو قرار كان بمثابة ضربة كبيرة لمسيرته المهنية لأنه رغم عودته إلي التحكيم بعد إنتهاء العقوبة كانت سمعته قد تضررت بشدة و أصبح من الواضح أنه لن يستطيع العودة إلي التحكيم علي المستوي الدولي .
و بعد تقاعد ” بايرون مورينو ” من مجال التحكيم عام 2003 حاول العثور علي فرص جديدة للعمل و بدأ في الظهور كمحلل رياضي علي قنوات التلفزيون المحلية في ” الإكوادور ” كما ظهر في بعض البرامج الكوميدية الإيطالية حيث كان يتم السخرية منه بسبب أدائه التحكيمي السابق في مباراته الشهيرة لكن كل تلك الأعمال لم تكن كافية لتغطية إحتياجاته المالية المتزايدة و بدأ في مواجهة صعوبات مالية لذلك في عام 2010 تم إلقاء القبض عليه في ” نيويورك ” بمطار ” جون كينيدي ” بتهمة تهريب المخدرات بعد أن عثرت السلطات الأمريكية أثناء تفتيش روتيني علي 6 كيلوجرامات من الهيروين مخبأة في أكياس بلاستيكية مربوطة بجسده و أثناء التحقيق معه إعترف ” بايرون مورينو ” بأنه لجأ إلي تهريب المخدرات بسبب الديون التي تراكمت عليه ومن أجل الخروج من أزماته المالية .
و قدم ” بايرون مورينو ” إلي المحاكمة و حُكم عليه بالسجن لمدة عامين في ” الولايات المتحدة ” و خلال فترة سجنه قيل إنه كان سجينًا مثاليًا و حسن السلوك مما ساعده في الحصول علي الإفراج المبكر في ديسمبر عام 2012 و بعد إطلاق سراحه تم ترحيله إلي ” الإكوادور ” حيث حاول إعادة بناء حياته و في مقابلات لاحقة معه أعرب ” بايرون مورينو ” عن ندمه العميق علي قراراته، قائلاً: “لقد إرتكبت أخطاء فادحة .. و أنا آسف من أعماق قلبي علي كل ما حدث.” و بدا للجميع أنه قد تعلم من تجربته و بأنه يريد أن ينقل دروس حياته للأجيال الشابة محذرًا إياهم من الانزلاق في طرق محفوفة بالمخاطر .
أقرأ أيضا : سيرجي شموليك الحكم الذى أدار مباراة مضحكة بين فريقين فى الدوري البيلاروسي و هو مخمور
و رغم ندمه و إعتذاراته يظل السؤال قائمًا : هل يمكن لإيطاليا و جماهيرها الغاضبة أن تغفر لبايرون مورينو ؟ فبعد مرور سنوات علي تلك المباراة المثيرة للجدل ربما يكون البعض قد نسي الأحداث أو تجاوزها لكن إسمه سيظل مرتبطًا بتلك المباراة و بقصته المؤلمة عن السقوط من القمة و التي تعد تذكير قوي للجميع بأن النجاح الشخصي و المهني ليس دائمًا كافيًا إذا لم يُقترن بالحكمة في إتخاذ القرارات كما تظهر كيف يمكن للحظات حاسمة في الحياة أن تغيّر مصير شخص إلي الأبد.