الماس هو حجر كريم لامع لا ينظر إليه بإعتباره قطعة ثمينة تستخدم للزينة في المجوهرات فحسب بل هو أيضاً معجزة علمية لحمله أسراراً جيولوجية عميقة تروي قصة الأرض عبر مليارات السنين و ذلك لأنه يتشكل علي بعد مئات الكيلومترات تحت سطح الأرض و يتكون من عنصر واحد بسيط ألا و هو الكربون لكنه يتحول إلي شكله المعروف بسبب وقوعه تحت ضغط هائل و حرارة عالية و هي عوامل ساهمت في جعله واحد من أقسي المواد الطبيعية المعروفة علي كوكبنا و صنعت منه رمزاً دائما للقوة و الجمال لإرتباطه في وجدان البشر قديما بالحب الأبدي و القوة الروحية أما في الوقت الراهن فهو أداة لا غني عنها في الصناعات الحديثة .
و يتكون الماس بشكل كامل من ذرات الكربون و هو نفس العنصر الذي نجده في الجرافيت المستخدم في أقلام الرصاص لكن الفارق بين الإثنين يكمن في تركيبهم البلوري ففي حالة الماس ترتبط كل ذرة كربون بأربع ذرات أخرى بشكل ثلاثي الأبعاد مما يخلق شبكة بلورية قوية و متراصة و هذا التركيب هو الذي يمنحه صلابته الفائقة و مقاومته للخدش و لكن كيف يتحول الكربون إلي ماس؟ يكمن الجواب في الظروف القاسية التي تتواجد في طبقة الوشاح علي عمق يتراوح بين 120 إلى 200 كيلومتر تحت سطح الأرض حيث تصل درجات الحرارة إلي ما بين 900 و 1300 درجة مئوية و الضغط إلي أكثر من 45 كيلوبار و هذه الظروف تجبر ذرات الكربون علي التشكل في الشكل البلوري المميز للماس ثم بعد ذلك يتم نقله من تلك الطبقة إلي سطح الأرض عبر إنفجارات بركانية عنيفة تشكل ما يعرف بأنابيب الكمبرلايت .
و الماس ليس مجرد قطعة ثمينة و جذابة فحسب بل هو أيضاً مادة ذات خصائص فيزيائية فريدة من نوعها حيث يتمتع بأعلي درجة من الصلابة التي تجعله مقاومًا للخدش و التآكل لذلك يعتبر عنصر مثالي للإستخدامات الصناعية التي تتطلب مواد متينة مثل أدوات القطع و الحفر كما يتميز أيضا بمعامل إنكسار مرتفع و هو ما يعني أنه قادر علي عكس الضوء بشكل إستثنائي يمنحه لمعاناً و بريقاً لا مثيل له بالإضافة إلي تمتعه بقوة تشتيت مرتفعة للضوء بشكل يخلق تأثير “النار” أو الألوان التي تظهر عند مرور الضوء عبر الحجر و هي خصائص بكل تأكيد تجعل من الماس الحجر الكريم الأكثر شهرة و جاذبية .
و علي الرغم من أن معظم أحجار الماس المستخدمة في المجوهرات تكون عديمة اللون أو ذات لون أزرق باهت و التي تعد الأكثر قيمة إلا أنه يمكن أن يظهر بألوان مختلفة مثل الأصفر و البني و الأخضر و حتى الأحمر النادر جداً حيث تنتج تلك الألوان بسبب وجود شوائب أو عيوب في التركيب البلوري له فعلى سبيل المثال يمكن أن يؤدي وجود النيتروجين إلي إعطاء الماس لوناً أصفر بينما يمكن أن يؤدي وجود البورون إلي إعطائه لوناً أزرق كما يتم تقييم جودة الماس المستخدم في صناعة المجوهرات بناءً علي أربعة معايير رئيسية تعرف بـ “الأربعة C” و هم القيراط (Carat) و الوضوح (Clarity) و اللون (Color) و القطع (Cut) .
و يتم إستخراج الماس من ثلاثة أنواع رئيسية من الرواسب و هم أنابيب الكمبرلايت و الرواسب الرسوبية و الرواسب الجليدية و تعتبر أنابيب الكمبرلايت هي الأكثر شهرة لأنها تنقل الماس من طبقة الوشاح في باطن الأرض إلي سطحها عبر الإنفجارات البركانية و لعل أشهر مثال علي ذلك هو منجم كيمبرلي الموجود في ” جنوب إفريقيا ” و الذي أعطي إسمه لهذا النوع من الرواسب أما النوع الثاني فيتم نقله عبر الأنهار و الجليد من أنابيب الكمبرلايت إلي مناطق أخرى حيث يتراكم في الرواسب الرسوبية و أخيرا في النوع الثالث فينتقل الماس بواسطة الأنهار الجليدية ثم يترسب في الرواسب الجليدية ثم بعد إستخراجه في الثلاث حالات يتم نقله إلي مراكز التصنيع حيث يتم تقطيعه و صقله و هي عمليات تتطلب مهارة عالية و دقة كبيرة حيث يجب أن يتم قطع الحجر بشكل يسمح له بعكس أكبر كمية من الضوء من أجل زيادة لمعانه و بريقه .
و يظل الماس هو الحجر الكريم الأكثر شعبية في العالم حيث يستخدم في صناعة الحلي و المجوهرات لأنه ينظر إليه بإعتباره رمز للحب الأبدي و الإلتزام و لذلك السبب فهو يستخدم بكثافة لتزيين خواتم الزفاف لدي العديد من الثقافات كما أنه أيضاً مادة صناعية لا غنى عنها حيث يستخدم في صناعة أدوات القطع و الحفر و صناعة الإلكترونيات و الرقائق و أجهزة الإستشعار بسبب صلابته و قدرته علي تحمل درجات الحرارة العالية و التوصيل الحراري الفائق علاوة علي الإستفادة منه في رؤوس الحفارات لإستخراج النفط و الغاز الطبيعي و منذ عام 1960 أصبح ينتج الماس الإصطناعي علي نطاق تجاري واسع من خلال إستخدام تقنيات مثل ترسيب البخار الكيميائي (CVD) و الضغط العالي مع درجة حرارة مرتفعة (HPHT) و يستخدم ذلك النوع في عدد من الصناعات أبرزها المجوهرات كبديل للماس الطبيعي حيث يسمح ذلك بإنشاء ماس بخصائص مماثلة للطبيعي و لكن بتكلفة أقل .