من أفيال الحرب اليونانية الرومانية و خيول القرون الوسطى إلى الحمام الزاجل في الحرب العالمية الأولي أستعان الإنسان عبر التاريخ البشري بالحيوانات في النزاعات العسكرية و لكن ربما تكون إحدى أكثر القصص إلهامًا لحيوان في إحدي الحروب هي قصة كلبة تابعة للبحرية الملكية البريطانية تعرف بإسم الكلبة جودي التي واجهت خلال الحرب العالمية الثانية أهوال ضخمة تراوحت ما بين هجوم لأحد التماسيح و النجاة من إحدي الزوارق الحربية الغارقة وسط بحر الصين الجنوبي ثم بعدها أصبحت إحدي أسيرات الحرب و رغم جميع ما سبق إلا أنها تمكنت من إجتيازهم جميعا بنجاح مثل الجندي الذي لا يعرف الخوف لدرجة أنها خلال أسرها لثلاث سنوات داخل إحداي معسكرات الإعتقال اليابانية في إندونيسيا لم تتوقف عن هز ذيلها و أستطاعت بروحها المرحة إنقاذ أعداد لا تحصي من الرجال اليائسين الموجودين في تلك المعسكرات .
وُلدت الكلبة جودي في بيت كلاب بمدينة “شنغهاي” الصينية في فبراير عام 1936 بالتزامن مع رفض “أدولف هتلر” الإلتزام ببنود معاهدة فرساي و قيامه بوضع قواته على الحدود الشرقية لفرنسا و بعدها بعام غزت “اليابان” أراضي “الصين” و أصبح العالم علي شفا حرب عالمية جديدة و خلال ذلك الوقت وجدت جودي نفسها داخل إحدى سفن البحرية الملكية البريطانية المتمركزة في شنغهاي بعد أن أشتراها الملازم “جي والدرجريف ” و كان إسمها الأصلي ” شودي ” إلا أنه قام بتغييره إلي ” الكلبة جودي ” و وضعت في الأوراق الرسمية للبحرية الملكية تحت إسم “جودي ساسكس” و أصبحت عضوًا محبوبًا بين طاقم الزورق الحربي ” جنات ” لدرجة أنها عندما سقطت في نهر اليانجتسي أمر الطاقم بتوقيف الزورق من أجل إنقاذها .
و خلال وجود الكلبة جودي علي متن الزورق كانت تتميز بقدرة خارقة على الشعور بالخطر مكنتها من تنبيه الطاقم إلى طائرات العدو القادمة بل إنها أبلغت ذات مرة أقرانها النائمين من مجموعة قراصنة حاولوا الصعود إلى السفينة و نجت من إختطافها من قبل طاقم زورق حربي أمريكي و في عام 1938 أنجبت 13 جروًا و بعد مرور عام أعلنت “بريطانيا” الحرب رسمياً على ألمانيا النازية و مع إنتشار الزوارق الحربية الكبيرة التابعة للبحرية الملكية البريطانية في نهر اليانجتسي في ذلك الوقت تم نقل الكلبة جودي و جزء من طاقمها إلى الزورق الحربي ” جراسهوبر ” و الذي يبلغ وزنه 585 طنًا و المتمركز في “سنغافورة” .
و ظل الزورق الحربي في سلام نسبي إلي أن بدأت ” اليابان ” في غزو الأراضي السنغافورية في يناير عام 1942 و يهرب الطاقم بحياته و يبحروا إلى جزر الهند الشرقية الهولندية و لكن خلال رحلتهم قامت الطائرات اليابانية بقصفهم في بحر الصين الجنوبي و تمكنت الكلبة جودي مع بعض أفراد الطاقم من النجاة و تقطعت بهم السبل على إحدي الجزر و أثناء وجودهم هناك أستطاعت الكلبة إنقاذهم عندما شمت نبعًا للمياه العذبة و بعد مرور عدة أيام من الجوع وجد البحارة مركبًا شراعيًا صينيًا و قرروا ركوبه و عبور أحد الأنهار و التوجه به إلى جزيرة “سومطرة” حيث توجد سفينة إخلاء بريطانية و خلال توغلهم في النهر وسط الغابات في رحلة أستمرت لخمسة أسابيع واجهوا العديد من المصاعب حيث طاردهم خلال مشوارهم نمر سومطرة و تعرضت الكلبة جودي لهجوم من تمساح و في النهاية وصلوا متأخرين بتسعة أيام عن رحيل أخر قارب إجلاء بريطاني و الأسوء أنهم وصلوا إلى قرية إندونيسية إحتلتها القوات اليابانية حيث سقطوا أسري بين أيديهم .
و مع وقوع البحارة في الأسر تم نقلهم إلى معسكر ” جلويجوير ” للأسري و إدراكًا منهم أن أسريهم من المحتمل أن يقتلوا الكلبة جودي قاموا بإخفائها تحت أكياس الأرز و أثناء وجودها في ذلك المعسكر ألتقت الكلبة بالرائد “فرانك ويليامز” الطيار في سلاح الجو الملكي الذي أصبح صديقها في فبراير عام 1942 بعد أن سمح لها بتناول وعاء الأرز بالكامل و في المقابل كانت الكلبة تقوم بالإشتباك مع الحراس الذين يحاولون ضربه و نتيجة لسلوكها الدفاعي عرف ” ويليامز ” أنها ستُقتل رميا بالرصاص لذلك أنتظر بحكمة ليلة كان فيها قائد المعسكر مخموراً ليقوم بإقناعه بحصولها على تواجد رسمي داخل المعسكر و نجح بالفعل في مسعاه و أصبحت الكلبة جودي تحصل علي رمز رسمي و هو ” الأسير 81A ” و الذي كفل لها الحماية من الحراس و نظرًا لكونها الحيوان الوحيد الذي تم تسجيله كأسير حرب رسمي خلال ذلك الصراع العالمي فقد وفر وجودها راحة نفسية للنزلاء حيث قال “ويليامز” لاحقا أن نظرتها المحببة في الصباح كانت تعطيه الإرادة للبقاء على قيد الحياة للسنوات التي قضاها كسجين .
أقرأ أيضا : الدب فوتيك الحيوان الذى كان أحد أبطال الحرب العالمية الثانية
و في يونيو عام 1944 تم نقل السجناء إلى مكان أخر و لكن أثناء نقلهم في إحدي السفن تعرضت إلي القصف و بدأت في مرحلة الغرق و أثناء هبوطها إلي القاع قام ” ويليامز ” بدفع الكلبة جودي للخروج منها بصحبته و ليسبحون بعيدًا عن السفينة التي غرق بداخلها أكثر من 500 رجل تم دفنهم بشكل مأساوي في معسكر آخر لكن الكلبة جودي و “ويليامز” كتبت لهم النجاة و تم إطلاق سراحهم أخيرًا عندما تم تحرير المعسكر في نهاية الحرب عام 1945 و أستمرت صداقتها مع “ويليامز” لبقية حياتها و حصلت على وسام “ديكين” للشجاعة في مايو عام 1946 و على الرغم من وفاتها عن عمر يناهز 13 عامًا عام 1950 إلا أن إرثها حتى اللحظة لا يزال قائماً كمصدر للأمل داخل أي صراعات مميتة .