على الرغم من أن معظم الناس يعرفون وباء الطاعون الأسود و ما قام به من أثار مدمرة على قارة أوروبا خلال فترة العصور الوسطى إلا أنه في العصر الحديث و مع تطور العلوم الطبية أصبح عالميا قليل الإنتشار نتيجة توفر العقاقير و المضادات الحيوية اللازمة لعلاجه و مع ذلك كان من الملاحظ أن ذلك الوباء يستمر في الظهور بشكل منتظم كل عام في مدغشقر خلال الفترة ما بين سبتمبر إلى أبريل لأسباب تعود إلي بعض من السلوكيات الخاطئة التي يقوم بها سكان ذلك البلد و أبرزها تقليد يعرف بإسم الفاماديهانا الذي فيه تقوم العائلات بإستخراج رفات أقاربهم الموتي و تعيد لفهم بقطعة جديدة من القماش ثم الرقص معها للتبرك بها و هي عادة يحذر المسئولين الصحيين في البلاد من مدي خطورتها لتسببها في زيادة فرص إنتشار ذلك الوباء عن طريق إنتقال المرض الموجود في أجساد المتوفين إلي الأصحاء المحيطين بهم .
و تعتبر عادة ” الفاماديهانا ” و التي تعني حرفيا بلغة أهل مدغشقر المحلية “قلب أجساد الأجداد” واحدة من أغرب الطقوس فى العالم و يرجح أنها ظهرت لأول مرة منذ قرون طويلة كجزء من ثقافة و تقاليد سكان جنوب شرق أسيا الذين أستعمروا تلك البلد لأول مرة و هي حاليا تمارس من قبل مجموعة من القبائل التى تقيم فى مرتفعات مدغشقر مرة كل بضع سنوات ( ما بين أربعة إلي سبعة سنوات ) حيث تكون فرصة لإجتماع الأحياء و الأموات سويا و مشاركة الذكريات و عدم نسيانها أبدًا بجانب أنها تعد إحتفالية بالحياة الأخري التى يعيشها الميت بالإضافة إلي إيمانهم بأن تلك الطقوس تكسب المشاركين فيها الأحياء الحظ السعيد من خلال طلبهم من الأسلاف الحصول علي فرص لتحقيق الأمنيات في المستقبل .
و تبدء عادة ” الفاماديهانا ” قبل عام من ممارستها بإجتماع الأقارب الذين يتقاسم أسلافهم المتوفين نفس القبر معا لمناقشة الخطط القادمة لإحياء ذلك الطقس و طبيعة النفقات المطلوبة لتنفيذه و وضع قائمة أسماء الضيوف المدعوين لحضور تلك الإحتفالية و الذين يكونون غالبا من الجيران و السكان المحليين و التفاهم مع من سيقوم بإحياء تلك الطقوس و الذي يكون أحد المنجمين الذى يحدد تواريخ إجرائها حيث تكون ما بين شهري يونيو و سبتمبر و علي مدار يومين حيث يتم فى اليوم الأول فتح مقابر العائلة و يطلق على ذلك اليوم إسم ” فيديرانا ” أو يوم الدخول أما اليوم الثانى فهو يعرف بإسم ” الفامونوزانا ” أو يوم التغليف .
و رغم غرابة عادة ” الفاماديهانا ” إلا أنها لدي ثقافة السكان المحليين تعتبر فرصة للم شمل الأقارب و أفراد العائلة الذين لم يروا بعضهم البعض منذ أخر إحتفال بها حيث يجتمعون سويا قبل بدء الطقوس بيوم يكون حافل بالنقاش و الموسيقى و الشراب و تحضير الوجبات حيث يقع علي عاتق رجال العائلة صيد الحيوانات و تحضير اللحوم و تقديمها مع الأرز كوجبة عشاء لأفراد الأسرة و في اليوم التالي يصل الضيوف و مهم هدايا مادية و عينية ممثلة بكميات من الأرز يتم تقديمها إلي العائلة المنظمة للإحتفالية حيث يتم تسجيل المبالغ المالية و كميات الأرز ليتم ردها إليهم فى إحتفالات “الفاماديهانا” الخاصة بهم و بمجرد إنتهاء الضيوف من أكلهم تستعد الأسرة المضيفة لبدء الحفل و زيارة القبر حيث يرتدى الناس أفضل الملابس و يرافق الموكب مجموعة من الموسيقيين الذين يعزفون على الأبواق و الطبول والمزامير التى تسمى”سودينا” و التى تتبعهم من قريتهم إلى القبر .
و بمجرد وصول الموكب تبدء طقوس ” الفاماديهانا ” بأن يتم إخراج الجثث و وضعها على حصائر من القصب ثم تقوم الأسرة المضيفة بلف الجثث بأكفان جديدة و في هذه المرحلة يمكن للأشخاص وضع أى شيء كان يحبه ذلك الشخص عندما كان على قيد الحياة مع الملاءات الجديدة و التي تكون غالبا السجائر و الكحوليات بالنسبة إلي الرجال و العطور أو أحمر الشفاة للنساء أما بالنسبة للأطفال فعادة ما يضع الناس الحلوى و الألعاب لهم ثم يرقص بعد ذلك أقارب المتوفين مع الجثث و يقدمونهم للأعضاء الجدد في الأسرة لتعريفهم بالأجداد ثم ينتهى الإحتفال بإعادة الجثث مرة أخري إلي قبورها قبل حلول الظلام لخشيتهم من قوى الشر التى يجلبها الليل .
أقرأ أيضا : يوم الموتي .. إحتفالية مكسيكية سنوية لإستقبال أرواح المتوفين القادمين من العالم الأخر لزيارة أسرهم
و على مدار السنيين المتعاقبة كانت ممارسة ” الفاماديهانا ” موضع إنتقادات و تم نشر الكثير من الدعوات للتخلي عنها حيث يعتبرها البعض بأنها تتعارض مع الأديان كما أنها تساهم فى إنتشار العديد من الأمراض و من أهمها الطاعون كما أسلفنا و هو ما دفع حكومة “مدغشقر” إلي إصدار أوامر تحظر ممارسة تلك الطقوس على الأفراد الذين ماتوا بسبب الطاعون و قاموا بالتشديد علي أن تدفن تلك الجثث تحديدا في مقابر غير معلومة إلا أنه وردت تقارير عن تجاهل أشخاص لهذا المرسوم و قاموا بإستخراج تلك الجثث سرا لإحياء ذلك التقليد .