كثيرا ما نشاهد فى الصحف خلال وقتنا الراهن أخبارا عن أشخاص تقوم بمطاردة المشاهير فى كل مكان و تعرضهم أحيانا الى العديد من المضايقات و لكن يبدو أن ذلك الموضوع موجودا منذ قديم الأزل و على العكس كانوا أفرادا أكثر جرأة من الموجودين حاليا أشهرهم أحد المراهقين فى القرن التاسع عشر و الذى تم عرف فى المملكة المتحدة بإسم الصبى جونز حيث كان مداوما على التسلل الى قصر باكنجهام فى انجلترا لمحاولة مضايقة الملكة فيكتوريا و وصل الأمر الى سرقة بعض من محتويات ذلك القصر و التى كان منها الملابس الداخلية الخاصة بالملكه فى سابقة غريبة و طريفه لم تحدث من قبل فى تاريخ القصر منذ انشائه .
القصة بدأت فى الخامسة من صباح يوم 14 من ديسمبر عام 1838 عندما لمح أحد العاملين فى قصر “باكنجهام” من احدى نوافذه وجهًا ملطخا بالشحوم لأحد المراهقين و هو يتسلل داخل جنبات القصر و بعد بحث قصير منه اكتشف أن إحدى الغرف قد تعرضت محتوياتها للسرقه و يتم تشغيل جرس الانذار و تبدء مطاردة فى الداخل للبحث عن السارق و استطاعت الحراسة الوصول الى الصبى و هو يركض عبر العشب و تم القاء القبض عليه و سحبه إلى المطبخ حيث كان الضوء فيه أفضل و بفحصه اكتشفوا أن وجه الصبي لم يكن مغطى بالشحوم فحسب بل كانت ملابسه أيضا و كان يرتدي بنطالين و عندما جردته الشرطة من أحدهم سقطت عدة أزواج من الملابس الداخلية للسيدات .
و بدأت الحراسة فى استجواب المراهق ليكتشفوا انه وصل إلى القصر و تجول في الغرف الفاخرة و بين الممرات و غرف النوم كما لو أنه يحفظ ذلك المكان جيدا ثم دخل الى غرفة الملكة و سرق ملابسها الداخلية و معها صورتها و رسالة و مجموعة من الملائات و لحسن الحظ كانت الملكة تقيم في قلعة “وندسور” فى تلك الليلة و مع تكثيف الاستجواب معه أعترف أن اسمه “إدوارد كوتون” و هو نجل أحد الخياطين فى ” ويستمنيستر ” و يبلغ من العمر 14 عاما و أن ما فعله بوجوده داخل القصر فى ذلك اليوم لم تكن أول مرة بل عدة مرات حيث كان معتادا على الاختباء نهارا خلف الأثاث أو داخل المداخن و في الليل يتجول في قاعات القصر و لشدة جرأته كان يتواجد أثناء الاجتماعات بين الملكة و وزرائها و يختبئ تحت الطاولة و يتنصت عليهم و عندما يشعر بالجوع كان يساعد نفسه على الذهاب إلى المطبخ و عندما تصبح ملابسه متسخة جدا كان يغسل قميصه الوحيد في غرفة الغسيل و كان يعيش في القصر بهذه الطريقة كأنه واحد من المقيمين فيه منذ ما يقرب من عام دون أن يشعر به أحد .
أقرأ أيضا : قبل أن تكون المنبهات في متناول الجميع كيف كان الناس فى الماضى يستيقظون من نومهم
و لم يكن امام الحراسة و الشرطة حل سوى تقديمه الى المحاكمة حيث مثل أمام القضاة في 19 من ديسمبر و امتلأت القاعة بالصحفيين و خلال الجلسه تعرف أحد الشهود عليه و عند سؤاله عن دوافعه نحو تلك السرقه أنكر ارتكابه لها و أجاب بأنه وجد جميع الأشياء المسروقة في حديقة القصر و في النهاية بعد محاكمة مليئة بالضحك أصدرت هيئة المحلفين حكمًا بالبراءة و الطريف أنه بعد ذلك بعامين و فى 3 من ديسمبر عام 1840 تسلق ” الصبى جونز” جدران القصر مرة أخرى و كان ذلك بعد أسبوعين من ولادة الملكة فيكتوريا لطفلها الأول من الأمير “ألبرت” حيث عثرت عليه مربية الملكة موجودا تحت الأريكة في الغرفة المجاورة لمخدع الملكة حتى أن ” فيكتوريا ” كتبت فى مذكراتها “لنفترض أنه دخل غرفة النوم .. كم كان يجب أن أكون خائفة من ذلك الموقف!” .
و تم القبض على “جونز” مرة أخرى و قدم الى المحاكمة و رفض طلب والده أعتباره مجنونا من أجل الافراج عنه و حكم عليه بالحبس لمدة ثلاثة أشهر داخل اصلاحيه و بعد اطلاق سراحه حاول الدخول إلى القصر مرة أخرى ليحُكم عليه مجددا بالأشغال الشاقة لمدة ثلاثة أشهر حيث كان وضعه محيرا بشكل كبير الى القضاه نظرا الى أنه لم يرتكب جريمة جنائيه لذلك لم يتمكنوا من حبسه في السجن البريطاني و عبثا حاولت السلطات إقناعه بالانضمام إلى البحرية للتخلص من مشكلته إلا انه كان يرفض .
و لسنوات بعد ذلك و على الرغم من اعتقاله عدة مرات كان يعود مرارًا و تكرارًا الى القصر و ظبط مرتين و هو جالس على العرش و محاولة مضايقة الملكة فيكتوريا بشكل محير فسره بعض المؤرخون الى أنه ربما كان يرجع الى أن الأمة جميعها فى ذلك الوقت مفتونة بفيكتوريا حيث كان الملكان السابقان أعمامها فاسدين و غير مؤثرين على تاريخ البلاد أما “فيكتوريا” فكانت شابة و بريئة و تعتبر صفحة نظيفة للأمة و مع مرور الوقت نمت شهرتها و محبتها عند الناس و ألقى الكثير من المعجبين رسائل غرامية في عربتها و زاروا القصر بعروض زواج لها و في يوليو عام 1838 عُثر على أحد الصاغه و يدعى “توماس فلاور” نائمًا على كرسي بالقرب من غرفة نوم الملكة حيث كان يعتبر أحد معجبيها الدائمين و قد تمكن من الدخول إلى القصر و لكنه تعب في بحثه عن “فيكتوريا” ونام داخله و بعد القاء القبض عليه تم إرساله إلى السجن و اطلق سراحه بعد دفعه كفالة مقدارها 50 جنيهاً استرلينياً.
و بالعودة الى ” الصبى جونز ” فبعد إطلاق سراحه الأخير بعد أن القى القبض عليه و هو يتسكع بالقرب من القصر مرة أخرى أرسلته السلطات إلى “البرازيل” و تم اجباره بالعمل على متن سفينة في عرض البحر لمدة ست سنوات و خلال ذلك الوقت أصبح مدمنًا على الكحول و لاحقًا لص و تمكن من العودة إلى “بريطانيا” ليتم ترحيله إلى “أستراليا” حيث باع هناك الفطائر قبل أن يتمكن من التسلل إلى “لندن” و بعدها يعود إلى “أستراليا” و يعمل مناديًا للبلدة في “بيرث” و في ثمانينيات القرن التاسع عشر و لمحاولة الهروب من التندر عليه لسمعته السيئة كسارق للملكة حتى و هو فى “استراليا” اتخذ المحتال السابق اسما جديدا له و هو “توماس جونز” و الذى ظل معه حتى وفاته عام 1893 بعد سقوطه من فوق أحد الجسور و هو في حالة سكر لتنتهى قصة المراهق الذى سرق الملابس الداخلية للملكة .
و يعتبر البعض السهولة النسبيه فى الخروقات الأمنية لقصر باكنجهام فى ذلك الوقت الى البيروقراطية الشديده التى كان يدار بها فرغم وجود الأمن و الحراسات حوله الا أنها لم تكن لديها الكفاءة لمباشرة عملها فى وضع الخطط الكافية لتأمين الملكة فيكتوريا حيث كانت جدران القصر منخفضة و ملفوفة بأغصان الأشجار و غالبًا ما تم العثور على السكارى و المتشردين و هم نائمون في الحديقة خلف الجدران اضافة الى الأهمال الشديد فى الحراسه حيث كان الحراس الشخصيين للملكة و المعروفين بالفرقة “أ” غائبة بشكل واضح في الليلة التي اقتحم فيها “الصبي جونز” القصر و سرق الملابس الداخلية للملكة .