الثورة الثقافية الصينية هي حركة سياسية و إجتماعية حدثت في جمهورية الصين الشعبية أطلقت في عهد الزعيم ماو تسي تونج عام 1966 و أستمرت حتى وفاته عام 1976 و كانت بهدف معلن هو الحفاظ علي الشيوعية الصينية من خلال تطهير بقايا العناصر الرأسمالية و التقليدية الموجودة داخل المجتمع الصيني إضافة إلي هدف أخر حيث كانت الثورة الثقافية بمثابة العودة الفعلية للزعيم ماو إلى مركز السلطة بعد فترة من التهميش و الغياب النسبي و إتسمت تلك الفترة بالعنف و الفوضى في جميع أنحاء البلاد و نتج عنها عدد ضخم من الضحايا يتراوح ما بين نصف مليون إلي مليوني شخص و عقب وفاة ماو قام خلفه دنج شياو بينج إلي تفكيك الثورة الثقافية تدريجيًا و في عام 1981 أعترف الحزب الشيوعي علنًا بإخفاقاتها و أعلن أنها كانت خاطئة و مسؤولة عن أشد النكسات التي تعرضت لها البلاد .
ترجع خلفية الثورة الثقافية الصينية إلي أوائل الستينيات بعد سلسلة من التوترات بين ” الصين ” و ” الإتحاد السوفيتي ” التى جعلت الزعيم ” ماو تسي تونج ” لديه القناعة بأن الثورة الروسية قد ضللت و هو ما جعله يخشى من أن ” الصين ” ستتبع نفس المسار خاصة و أن البرامج التي نفذها زملاؤه من أجل إخراج البلاد من الكساد الاقتصادي الناجم عن القفزة الكبرى إلى الأمام جعلته يشك في إلتزامهم الثوري إضافة إلي شعوره بالإستياء من دوره السياسي المتضائل و ضيقه بشكل خاص من التقسيم الطبقي الإجتماعي الحضري لذلك تبني في نهاية المطاف أربعة أهداف في الثورة الثقافية و هي إستبدال خلفائه المعينين بقادة أكثر إخلاصاً لفكره الحالي و تصحيح الحزب الشيوعي الصيني و تزويد شباب الصين بتجربة ثورية جديدة و تحقيق بعض التغييرات المحددة في السياسات لجعل الأنظمة التعليمية و الرعاية الصحية و الثقافية أقل نخبوية .
و بعد وضع الأهداف سعي ” ماو تسي تونج ” إلي تحقيقها من خلال تعبئة ضخمة للشباب الحضري في البلاد الذين تم تنظيمهم في مجموعات تسمى الحرس الأحمر بقيادة طلاب مثل ” سونج بينبين ” حيث أمر ” ماو ” الحزب و الجيش بعدم قمع تلك الحركة كما قام بتشكيل تحالف من الشركاء لمساعدته في تنفيذ الثورة الثقافية حيث جلبت زوجته ” جيانج تشينج ” مجموعة من المثقفين المتطرفين لحكم المجال الثقافي و تأكد من وزير الدفاع ” لين بياو ” من بقاء الجيش ماويًا كما عمل ” تشين بودا ” مساعد ” ماو ” منذ فترة طويلة مع رجلي الأمن ” كانج شنج ” و ” وانج دونجشينج ” لتنفيذ توجيهات ” ماو ” فيما يتعلق بالإيديولوجية و الأمن كما لعب رئيس الوزراء ” تشو إن لاي ” دورًا أساسيًا في الحفاظ على سير عمل البلاد حتى خلال فترات الفوضى غير العادية و لكن رغم إتفاق كل تلك الأطراف علي الأهداق إلا أنه كان هناك صراعات بينهم خلال الثورة الثقافية .
بدايات الثورة الثقافية ( 1966 – 1968 )
كانت مخاوف ” ماو تسي تونج ” بشأن المتسللين البرجوازيين داخل حزبه و حكومته الذين لا يشاركونه رؤيته للشيوعية واضحة في وثيقة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الصادرة في السادس عشر من مايو عام 1966 و يعتبر العديد من المؤرخين أن هذا هو بداية الثورة الثقافية الصينية فعليا على الرغم من أن ” ماو ” لم يطلق علي تلك الفعالية إسم الثورة الثقافية رسميًا حتى أغسطس 1966 في الجلسة المكتملة الحادية عشرة للجنة المركزية الثامنة و خلال الأشهر التالية شجع الحرس الأحمر على مهاجمة كل القيم التقليدية و الأشياء البرجوازية و إختبار مسؤولي الحزب من خلال إنتقادهم علناً و أعتقد ” ماو ” أن هذا الإجراء سيكون مفيدًا لكل من الشباب و كوادر الحزب الذين هاجموهم .
و تصاعدت الحركة بسرعة حيث لم يتعرض العديد من كبار السن و المثقفين للإعتداء اللفظي فحسب بل تعرضوا أيضًا للإيذاء الجسدي و مات الكثير منهم و إنقسم الحرس الأحمر إلى فصائل متنافسة متحمسة و زعم كل منهم أنه الممثل الحقيقي للفكر الماوي و إتخذوا عبادة شخصية “ماو ” لإعطاء الحركة زخما و لتكون ذات أبعادا دينية و أدت الفوضى الناتجة و الإرهاب و الشلل الناجم عنها إلى تعطيل الإقتصاد الحضري بالكامل و إنخفض الإنتاج الصناعي لعام 1968 بنسبة 12 في المائة عن عام 1966 و خلال الجزء الأول من مرحلة الحرس الأحمر تمت إقالة قادة المكتب السياسي الرئيسيين من السلطة و أبرزهم الرئيس ” ليو شاوكي ” خليفة ” ماو ” المعين و الأمين العام للحزب ” دنج شياو بينج ” و في يناير عام 1967 بدأت الحركة بإحداث تطهير فعلي بعد الإطاحة باللجان الحزبية الإقليمية و محاولات لبناء هيئات سياسية جديدة لتحل محلها في فبراير عام 1967 و أثناء ذلك دعا العديد من كبار قادة الحزب المتبقين إلى وقف الثورة الثقافية لكن “ماو ” و أنصاره الأكثر تطرفًا أنتصروا لرؤيتهم في النهاية ثم تصاعدت الحركة و بحلول صيف عام 1967 كانت الفوضى منتشرة على نطاق واسع و حدثت إشتباكات مسلحة كبيرة بين فصائل الحرس الأحمر في جميع أنحاء المناطق الحضرية في ” الصين ” .
و خلال عام 1967 و نتيجة تلك الفوضي دعا “ماو” الجيش الذي كان تحت قيادة ” لين بياو ” للتدخل نيابة عن الحرس الأحمر و إستجاب له لكن تلك الخطوة أدت إلي المزيد من الإنقسامات داخل الجيش و مع حلول عام 1968 بعد أن تعرضت البلاد لدورات عديدة من التطرف بالتناوب مع الإعتدال النسبي قرر ” ماو ” إعادة بناء الحزب الشيوعي ليحصل على قدر أكبر من السيطرة و أرسل الجيش ضباطًا و جنودًا للسيطرة على المدارس و المصانع و الهيئات الحكومية بالتزامن مع إجباره للملايين من الحرس الأحمر الموجود في المناطق الحضرية على الإنتقال إلى المناطق الريفية النائية للعيش فيها و بالتالي تشتيت قواتهم مع جلب بعض النظام إلى المدن حيث يعكس هذا الإجراء على وجه الخصوص خيبة أمل ” ماو ” في الحرس الأحمر بسبب عدم قدرتهم في التغلب على خلافاتهم بين الفصائل و قد إكتسبت الجهود التي بذلها ” ماو ” لإنهاء الفوضى زخماً إضافياً بعد الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا في أغسطس 1968 و الذي أدى إلى تفاقم شعور ” الصين ” بإنعدام الأمن إلى حد كبير و بعد شهرين عقد مؤتمر لإعادة بناء جهاز الحزب و من تلك النقطة أصبحت مسألة من يرث السلطة السياسية مع إنتهاء الثورة الثقافية هي السؤال المحوري في السياسة الصينية.
صعود و سقوط لين بياو (1969–1971)
و أثناء مؤتمر الحزب التاسع في إبريل عام 1969 تم تعيين وزير الدفاع ” لين بياو ” رسمياً خلفاً لماو و أحكمت المؤسسة العسكرية قبضتها على المجتمع بالكامل و أصبح العسكريين يهيمنون على كل من اللجنة المركزية للحزب و الحزب الشيوعي المتجدد كما أستغل “لين” الإشتباكات الحدودية بين ” الصين ” و ” الإتحاد السوفيتي ” في ربيع عام 1969 لإعلان الأحكام العرفية و أستخدم منصبه أيضًا لتخليص نفسه من بعض المنافسين المحتملين على الخلافة حيث توفي العديد من القادة خلال الفترة ما بين أعوام 1966-1968 و في ظل نظام الأحكام العرفية لعام 1969 و عاني آخرون بشدة خلال هذه الفترة .
بعد ذلك واجه ” لين ” معارضة كبيرة حيث كان ” ماو ” نفسه حذرًا من خليفته الذي بدا أنه يريد تولي السلطة بسرعة كبيرة جدًا لذلك بدأ في المناورة ضد ” لين ” و قد إنضم رئيس الوزراء ” تشو إن لاي ” إلى ” ماو ” في هذا الجهد و ربما فعلت زوجته ذلك أيضا لكن ” تشين بودا ” مساعد ” ماو ” قرر دعم قضية ” لين ” لذلك و على الرغم من التدابير العديدة التي تم إتخاذها في الفترة 1970-1971 لإعادة النظام و الحياة الطبيعية إلى المجتمع الصيني كانت التوترات الشديدة تقسم الرتب العليا للقيادة و التي ظهرت لأول مرة في الجلسة المكتملة للحزب في صيف عام 1970 و بعد ذلك بوقت قصير بدأ ” ماو ” حملة لإنتقاد ” تشين بودا ” كتحذير للين ثم أختفى ” تشين ” عن الرأي العام في أغسطس عام 1970 ثم وصلت الأمور إلي ذروتها في سبتمبر 1971 عندما أقدم “لين” علي قتل نفسه فيما أكد الصينيين أنه تم قتله أثناء محاولة فرار إلى ” الإتحاد السوفييتي ” بعد مؤامرة إغتيال فاشلة ضد ” ماو ” و بعد أسابيع من وفاة ” لين ” تم تطهير القيادة العسكرية العليا الصينية بأكملها .
و كان لوفاة ” لين ” تأثير مخيب للآمال بشكل عميق على العديد من الأشخاص الذين دعموا “ماو ” خلال الثورة الثقافية نظرا لأن ” لين ” و أتباعه قد خاضوا صراعات شاقة لرفع ” ماو ” إلى السلطة و التخلص من منافسيه حيث أشرفوا علي تعذيب المعلمين المحترمين و أساءوا معاملة المواطنين المسنين و أذلوا الثوار القدامي و في كثير من الحالات إشتبكوا مع أصدقاء سابقين في مواجهات دامية لذلك و عقب موت ” لين ” بدأت أعداد هائلة من الشعب الصيني تشعر بأنه تم التلاعب بهم ببساطة لتحقيق أغراض سياسية شخصية لذلك بعد شهرين إجتمعت الجلسة المكتملة الثانية عشرة للجنة المركزية الثامنة للدعوة إلى عقد مؤتمر للحزب و إعادة بناء جهاز الحزب و من تلك النقطة أصبحت مسألة من يرث السلطة السياسية مع انتهاء الثورة الثقافية هي السؤال المركزي في السياسة الصينية.
السنوات الأخيرة في الثورة الثقافية الصينية (1972–1976)
في البداية كان رئيس الوزراء ” تشو إن لاي ” هو المستفيد الأكبر من وفاة ” لين ” و من أواخر عام 1971 و حتى منتصف عام 1973 حاول دفع ” الصين ” إلى العودة نحو الإستقرار و شجع على إحياء النظام التعليمي و أعاد عددًا من الأشخاص الذين تم طردهم إلى مناصبهم و بدأت البلاد مرة أخرى في زيادة تجارتها و روابطها مع العالم الخارجي و قد وافق ” ماو ” شخصياً على هذه التحركات العامة و لكنه ظل حذراً خشية أن تؤدي إلى التشكيك في جدوي الثورة الثقافية و خلال عام 1972 أصيب ” ماو ” بسكتة دماغية خطيرة و علم ” تشو ” أنه يعاني من ورم خبيث مميت لذلك بدء الحديث عن الخلافة و في أوائل عام 1973 أعيد ” دنج شياو بينج ” إلى السلطة حيث كان ” تشو ” يأمل في إعداده ليكون خليفة “ماو ” حيث كان ” دنج ” ثاني أهم ضحية للتطهير على أيدي المتطرفين خلال الثورة الثقافية و قد أدى ظهوره مجددا إلى جعل ” جيانج تشينج ” و أتباعه يائسين من إنشاء مسار أكثر تطرفًا.
و منذ منتصف عام 1973 و حتى وفاة ” ماو ” في سبتمبر 1976 تحولت السياسة الصينية ذهابًا و إيابًا بين “جيانج تشينج ” و ” تشو دينج ” حيث كان الأول يفضل الإيديولوجية و التعبئة السياسية و الصراع الطبقي و المساواة و كراهية الأجانب في حين عزز الأخير النمو الإقتصادي و الإستقرار و التقدم التعليمي و إنتهاج سياسة خارجية عملية و حاول ” ماو ” دون جدوى الحفاظ على التوازن بين هاتين القوتين بينما كان يكافح من أجل العثور على خليفة يجسد المزيج المفضل لديه من كل منهما.
و من منتصف عام 1973 حتى منتصف عام 1974 كان الراديكاليين في صعود و شنوا حملة أستخدمت إنتقادات ” لين بياو ” و ” كونفوشيوس ” كوسيلة مستترة لمهاجمة ” تشو ” و سياساته و لكن بحلول يوليو 1974 أدي الإنحدار الإقتصادي الناتج عن ذلك و الفوضى المتزايدة إلى تحول ” ماو ” نحو ” تشو ” و ” دنج ” ومع دخول ” تشو ” إلي المستشفى تولى ” دنج ” سلطة متزايدة منذ صيف عام 1974 و حتى أواخر خريف عام 1975 و عندما أقنع الراديكاليين ” ماو ” أخيراً بأن سياسات ” دنج ” من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى التنصل من الثورة الثقافية و ” ماو ” ذاته جعله ذلك ينتقد هذه السياسات عن طريق الملصقات الجدارية التي أصبحت وسيلة دعاية مفضلة للراديكاليين ثم توفي ” تشو ” في يناير عام 1976 و تم إستبعاد ” دنج ” رسميًا بدعم من ” ماو ” في إبريل و عقب وفاة ” ماو ” في سبتمبر حدثت حملة تطهير من تحالف شمل قادة سياسيين و شرطيين و عسكريين مهدت الطريق لعودة ” دنج ” إلى الظهور في وقت لاحق عام 1977.
تداعيات الثورة الثقافية الصينية
على الرغم من أن الثورة الثقافية الصينية تجاوزت إلى حد كبير الغالبية العظمى من الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية إلا أنها كانت لها عواقب وخيمة على ” الصين ” ككل فعلى المدى القصير أدت حالة عدم الإستقرار السياسي و التحولات المستمرة في السياسة الإقتصادية إلى تباطؤ في النمو و تراجع قدرة الحكومة على تقديم السلع و الخدمات و نظرا لإدراك المسؤولين على كافة مستويات النظام السياسي أن التحولات المستقبلية في السياسة من شأنها أن تعرض أولئك الذين نفذوا السياسات السابقة للخطر كانت النتيجة وجود الجبن البيروقراطي و بالإضافة إلى ذلك مع وفاة ” ماو ” و نهاية الثورة الثقافية عام 1977 كان ما يقرب من ثلاثة ملايين من أعضاء الحزب و عدد لا يحصى من المواطنين الذين تم تطهيرهم ظلما ينتظرون إعادتهم إلى مناصبهم. و قد تم بالفعل إتخاذ تدابير جريئة في أواخر السبعينيات لمواجهة هذه المشاكل المباشرة .
و شهدت البلاد خلال الثورة الثقافية مشكلة خطيرة أخرى تتمثل في الفساد داخل الحزب و الحكومة و أجبرت الناس علي التراجع عن العلاقات الشخصية التقليدية و جلبت خيبة أمل عامة تجاه قيادة الحزب و النظام نفسه حيث شهد الملايين من الصينيين في المناطق الحضرية مسرحيات القوة الواضحة التي جرت تحت اسم المبدأ السياسي في أوائل و منتصف السبعينيات و التي دفعت العديد من الناس إلى الإبتعاد عن السياسة تماماً و حتي من أنخرط فيها كان هناك إنقسامات مريرة فيما بينهم و ربما لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية أن أطلق زعيم سياسي مثل هذه القوى الهائلة ضد النظام الذي أنشأه و التي تسببت في ضرر عميق داخل النظام و ظلت الأهداف التي سعى ” ماو ” إلى تحقيقها بعيدة المنال في نهاية المطاف.