مع تطور حياة الإنسان خلال العصور السابقة بدء فى استيعاب طبيعة الموت و فهم ضرورة تقديم الاحترام اللائق للمغادرين الى العالم الأخر حيث كان هناك العديد من الممارسات الجنائزية المقامة على أرواح الموتى و جثامينها و ظهرت في جميع أنحاء العالم و المختلفة أساليبها بحسب بثقافات ممارسيها و التى قد يكون بعضها غريبًا جدًا الا أنه مع مرور الوقت أختفت تلك الطقوس و لكن لا تزال أثارها باقية واحدة منها هى التوابيت المعلقة الموجودة فى الصين حيث قامت الشعوب القديمة التى سكنت تلك المناطق منذ الاف السنين بتعليق التوابيت و بداخلها جثث الموتى أعلى المنحدرات الجبلية ليتدلى بعضها في مهب الريح و ذلك لأسباب غير معروفة يحاول العلماء الوصول الى تفسيرات منطقية لها .
ففى الصين و عبر رقعة واسعة من الجبال و الوديان النائية في وسط البلاد التى يقع معظمها في مقاطعات “سيتشوان” و “يونان” و “قويتشو” قد يندهش الزائر لتلك الاماكن بوجود صندوق يشبه تابوت الموتى معلق فى الهواء أعلى منحدر جبلى و بالنظر عن كثب سوف يلاحظ الكثير منهم و هم يصطفون في الهواء بعضها يتدلى من الحبال و البعض الآخر محبوس داخل شقوق أو في كهوف محفورة مباشرة داخل الجبل أما باقى التوابيت الأخرى فهى مثبتة على نتوءات صخرية أو أعمدة و جميعهم يشتركون فى اعطاء منظر مهيب و مخيف أطلق عليه اسم التوابيت المعلقة التى حيرت العلماء لعقود طويلة .
و بالتدقيق فى خصائص التوابيت المعلقة فسوف يلاحظ أن لها العديد من الأحجام و الأشكال و حتى الأعمار و يصل عمر أقدمها إلى 3000 عام و احدثها 1500 سنة و كلها منحوتة من قطعة واحدة من الخشب الذى تم تزييته و معالجته لحمايته من العوامل الجوية و الزمن و يحمل بعضها زخارف و أغلفة , و تتدلى تلك التوابيت من المنحدرات أو تجلس على نتوءات أو عوارض خشبية مثبتة في الصخور أو تتراكم داخل الكهوف التى يصعب الوصول إليها سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان , و لا يزال العديد من هذه التوابيت حتى اللحظة يحتوي على رفات بشرية و أغراض مثل بقايا الملابس و السيراميك و المجوهرات و الفخار و الآلات موسيقية و السكاكين و تماثيل من اليشم و الحلي اضافة الى ممتلكات أخرى للمتوفى و يلاحظ أن جميعهم رفعوا بجهد عالي لأسباب غير معروفة و من خلال وسائل غير واضحة حيث تحتوى تلك التوابيت على رفات جثمان واحد و فى البعض الأخر لجثامين متعددة و ذلك أيضا لأسباب غير معروفة .
و ينسب البعض معظم تلك التوابيت المعلقة إلى شعب “بو” الذين كانوا يعيشون فى تلك المناطق منذ حوالي 3000 عام في مقاطعتي “سيتشوان” و “يونان” الى أن اختفوا بشكل غامض حاملين معهم أسرارهم منذ حوالي 400 عام حيث يرجع البعض سبب ذلك الإختفاء للهروب من الاضطهاد كأقلية عرقية بعد تولى سلالة “مينج” حكم البلاد كما يُعتقد أن المجموعات العرقية الأخرى كان لديها مثل هذه الممارسات الجنائزية أيضًا مثل شعب “جويوي” نظرًا الى أنهم كانوا يعيشون أيضا في مثل هذه المناطق النائية التى فى الغالب لا يمكن رؤيتها بسهولة من الأرض و ظلت هذه التوابيت مخفية حتى سبعينيات القرن الماضى و التى بمجرد اكتشافها تسببت فى الكثير من الحيرة لغموضها .
و حتى اللحظة لا يزال الغرض من هذه التوابيت المعلقة التي يبلغ عددها أكثر من 300 تابوت غير واضح رغم أنه تم رفعهم لمئات الأمتار فى الهواء و كذلك تشكيل الكهوف و تثبيت العوارض الخشبية فى الصخور و هى أمور كانت تطلب مجهودا ضخما و بأساليب غير معروفة لا نعرف عنها شيئا سوى بعض من الفرضيات التى ترجح أنهم أنزلوها من أعلى الجبل أو استخدموا روافع و سقالات متطورة لرفعهم من أسفل حتى أن البعض يقول أنه ربما تم استخدام سحر حقيقي كما أن الأمر الأكثر غموضًا هو السبب وراء كل ذلك فعلى الرغم من وجود نظريات مختلفة حولها كان أكثرها وضوحا و بساطة أن المدافن المرتفعة عن الأرض ستكون أقل عرضة للنهب و التدنيس من الحيوانات البرية و اللصوص اضافة الى عدم إشغال الأرض المستخدمة فى الزراعة بمساحات تخصص للموتى و مع ذلك فقد لوحظ أنه كلما ارتفع المرء إلى مستوى أعلى كانت التوابيت و المحتويات أكثر سخاءً مما أثار التكهنات بأنه ربما كان وسيلة لتقريب الموتى من الجنة كما أن وجود توابيت أعلى فى المسافة ربما تكون مخصصة للشخصيات الأعلى فى المكانة كما أن هناك أفكار أخرى مفادها أنها وسيلة للحفاظ على الجثث بشكل أفضل أو طريقة للتباهي بمكانة المرء في المجتمع و مع ذلك و نتيجة عدم وجود سجلات مكتوبة لتلك الطقوس فمن المستحيل أن نعرف على وجه اليقين ماهية التوابيت المعلقة و التى لم تقتصر وجودها على “الصين” فقط حيث تم إكتشاف قبور أخرى بنفس الأساليب في “الفلبين” و “إندونيسيا” على الرغم من أن الصلة بينهما إن وجدت غير واضحة .
أقرأ أيضا : ماذا حدث فى ممر دياتلوف الذى شهد أكثر الحوادث غموضا فى العالم و أصاب حيرة المحققين و المتابعين
و خلال السنوات الأخيرة مرت تلك التوابيت المعلقة ببعض من الأوقات العصيبة بعد تدهور حالة الكثير منهم بشكل أدى الى سقوطهم من أعلى الصخور كما أن البعض الآخر قد تعرض للنهب أو التدنيس من قبل الزوار حيث تم العثور بداخل أحد تلك التوابيت على سيجارة تركت في فم الجمجمة بها و في حالة أخرى دمر حريق العديد منهم نتيجة الإهمال حيث أن تلك المواقع ليست محمية بشكل جيد الا أنه في السنوات الأخيرة كانت هناك بعض من الجهود للحفاظ على ذلك التراث من الماضى رغم تدمير العديد منهم و جعلها غير مجدية للدراسة الا أنها لا تزال مستمرة على أى حال .