البراكين هى فتحات على سطح كوكب أو قمر تسمح للمواد الأكثر دفئًا الموجودة فى محيطها بالهروب من باطنها كما تعتبر تنفيس فى قشرة الأرض و المسئولة عن هندستها الجيولوجية و ينسب لها الفضل فى تكوين أكثر من 80 في المائة من سطح كوكبنا كما أنها الأساس الذي سمح للحياة بالوجود عليها فنتيجة قوتهم المتفجرة تشكلت الجبال و كذلك الحفر و من صخورها البركانية تحررت العناصر الغذائية و خلقت تربة خصبة بشكل ملحوظ سمحت للحضارات بالنمو و الازدهار و غالبًا ما توجد البراكين نتيجة تباعد الصفائح التكتونية أو تقاربها و بشكل عام يوجد معظمها تحت الماء بالإضافة الى جميع قارات العالم بما فيهم القارة القطبية الجنوبية و يرجح فى الوقت الراهن أن يكون هناك حوالي 1500 بركان نشط و أكثر منهم 10 في المائة يتواجدون داخل حدود الولايات المتحدة و لا يقتصر وجودها على كوكب الأرض فقط و لكن فى معظم الكواكب الموجودة داخل المجموعة الشمسية .
و تختلف البراكين عن بعضها البعض حيث تتكون بعضها نتيجة انفجار بركاني مثل ما حدث مع بركان “جبل بيناتوبو” عام 1991 فى ” الفلبين ” و البعض الآخر نشأ من خروج أنهار من الحمم البركانية فيما يعرف بالثوران البركاني مثل ما حدث مع نشاط بركان “كيلويا” في “هاواي” عام 2018 حيث ترجع تلك الاختلافات الى طبيعة الكيمياء التى تقود النشاط المنصهر و فى الغالب تكون الثورات البركانية الانسيابية هى الأكثر شيوعًا عندما تكون الصهارة او الصخور المنصهرة داخل البراكين أقل لزوجة مما يسمح للغاز بالهروب و تتدفق أسفل منحدرات البركان أما الإنفجارات البركانية فتحدث عندما تحبس الصخور المنصهرة و اللزجة الغازات مما يؤدي إلى زيادة الضغط عليها الى أن تنفجر بعنف و يمكن أن تكون تلك البراكين نشطة أو خاملة أو منقرضة فالبراكين النشطة هي التي حدثت لها مؤخرًا ثورات او انفجارات بركانية أو من المتوقع أن تنفجر في المستقبل القريب حيث تطلق صخورًا سائلة او ما يطلق عليها “الحمم البركانية” عندما تكون على السطح و “صهارة” عندما تكون تحت الأرض و رماد أو غاز أما البراكين الخاملة فلم تعد تنتج ثورات بركانية و لكنها قد تتجدد مرة أخرى في وقت ما في المستقبل اما المنقرضة فمن المحتمل ألا تنشط مطلقا مرة أخرى .
و تتكون الصهارة بمزيج من العناصر الكيميائية مثل الأكسجين و السيليكون و الألمنيوم و الحديد و المغنيسيوم و الكالسيوم و الصوديوم و البوتاسيوم و التيتانيوم و المنجنيز و توجد أسفل طبقة الأرض بعشرات الكيلومترات و هى أخف من الصخور الصلبة المحيطة بها و يتم دفعها نحو السطح عن طريق الطفو و تشق طريقها إلى الأعلى و قد تكسر في النهاية المناطق الضعيفة في قشرة الأرض ثم يبدأ الانفجار.
كيف تشكلت البراكين ؟
تتشكل غالبية البراكين في العالم على طول حدود الصفائح التكتونية للأرض و عبر مساحات شاسعة من الغلاف الصخري لكوكبنا التي تتحرك باستمرار و تصطدم ببعضها البعض و يكون ناتج ذلك التصادم فى الغالب غوص إحدى الصفائح بعمق تحت الأخرى في ما يعرف بإسم منطقة الاندساس و عندما تغرق كتلة اليابسة الهابطة في عمق الأرض ترتفع بها درجات الحرارة و الضغط مما يؤدي إلى إطلاق المياه من الصخور و الذى يقلل بشكل طفيف من نقطة انصهاره ثم يبدء تشكل الصهارة التي يمكن أن تشق طريقها إلى السطح كقبلة الحياة لإعادة تنشيط بركان نائم و مع ذلك لا ترتبط جميع البراكين بفكرة الاندساس حيث توجد طريقة أخرى يمكن أن تتشكل بها بما يعرف بإسم “البراكين الساخنة” و فيها يمكن لمنطقة النشاط الصهاري أو نقطة ساخنة في منتصف الصفيحة التكتونية أن تندفع لأعلى عبر القشرة لتشكل بركانًا و يُعتقد أن هذه الآلية هى من وراء سلسلة هاواي البركانية.
أين توجد البراكين ؟
يتمركز حوالي 75 في المائة من البراكين النشطة في العالم حول حلقة النار و هي منطقة طولها 40 ألف كيلومتر على شكل حدوة حصان تمتد من الطرف الجنوبي لقارة أمريكا الجنوبية و تمتد عبر الساحل الغربي لقارة أمريكا الشمالية ثم تعبر بحر بيرينج إلى “اليابان” و منها إلى “نيوزيلندا” و تعتبر هذه المنطقة هي المكان الذي تتقارب فيه حواف صفائح المحيط الهادئ و نازكا مع مجموعة من الصفائح التكتونية الأخرى و الأهم من ذلك أن براكين الحلقة ليست متصلة جيولوجيًا أى بعبارة أخرى ليس بالضرورة أن يرتبط ثوران بركاني في “إندونيسيا” فى أن يحدث مثله في “ألاسكا” بنفس التوقيت .
مخاطر البراكين
تشكل الانفجارات البركانية العديد من المخاطر لذلك فمن المهم مراعاة نصيحة السلطات المحلية أثناء الانفجارات النشطة و إخلاء المناطق عند الضرورة و لعل أهم الأخطار الناتجة عن البراكين هى تدفقات الحمم البركانية و الانهيارات الجليدية من اعلى قمم الجبال الناتجة من الصخور الساخنة و الرماد و الغازات السامة التي تتسابق على المنحدرات بسرعات تصل إلى 725 كيلومترا في الساعة حيث كان ذلك السبب هو المسئول عن القضاء على سكان مدينتى “بومبي و هيركولانيوم” بعد ثوران بركان جبل فيزوف عام 79 م و بالمثل فمن الممكن أن تكون التدفقات الطينية البركانية التي تسمى “اللاهار” مدمرة للغاية حيث يمكن لهذه الموجات المتدفقة بسرعة و المكونة من الطين و الحطام أن تتسابق عبر جوانب البركان و تدفن مدنًا بأكملها .
و بالاضافة الى ما سبق فيعتبر الرماد هو خطر بركاني آخر فعلى عكس القطع الناعمة الرقيقة التى تتخلف من الخشب المتفحم و المتبقي بعد حريق المخيمات فيتكون الرماد البركاني من شظايا حادة من الصخور و الزجاج البركاني التى يبلغ قطر كل منها أقل من 2 مم و تتشكل مع توسع الغازات داخل الصهارة المرتفعة مما يؤدي إلى تحطيم الصخور المبردة و عندما تنفجر من فوهة البركان تنطلق كالشظايا و يكون من الخطر إستنشاق ذلك الرماد بالإضافة الى أنه نتيجة ثقله و تراكمه فمن الممكن أن يؤدى الى إنهيار الهياكل الضعيفة و التسبب فى انقطاع التيار الكهربائي .
هل يمكن توقع الثورات البركانية ؟
لحسن الحظ تعطي البراكين بعض من التحذيرات عن الثورات الوشيكة مما يجعل من الضروري للعلماء مراقبة أي براكين عن كثب بالقرب من المراكز السكانية الكبيرة حيث تشمل العلامات التحذيرية حدوث زلازل صغيرة و انتفاخ في جوانب البركان و زيادة انبعاث الغازات من فتحاته و لا تعني أي من هذه العلامات بالضرورة حدوث ثوران وشيك لكنها يمكن أن تساعد العلماء في تقييم حالة البركان عندما تتشكل الصهارة و مع ذلك من المستحيل تحديد موعد ثورانه أو إنفجاره لأن البراكين لا تسير وفق جدول زمني كالقطار .
ما هو أكبر ثوران في التاريخ ؟
يعتبر أكثر الإنفجارات المسجلة دموية فى التاريخ هو انفجار جبل تابورا في “إندونيسيا” عام 1815 حيث كان واحدًا من أقوى الانفجارات التي تم توثيقها على الإطلاق و خلف حفرة في الأساس يبلغ عرضها 6.5 كيلومتر و عمقها أكثر من كيلومتر و انطلق منه عمود شديد الحرارة من الرماد الساخن و الغاز لمسافة 45 كيلومترا في السماء و تسبب الانفجار و إنبعثاته المباشرة في مقتل حوالي 10.000 شخص لكن هذا لم يكن تأثيره الوحيد حيث أدى حقن الرماد البركاني و الغاز في الغلاف الجوي إلى حجب الشمس و زيادة انعكاس الأرض مما أدى إلى تبريد سطحها و تسبب في ما يُعرف بالسنة بدون صيف نتيجة موت المحاصيل و التى أدت الى حدوث مجاعات و انتشار الامراض و الأوبئة و هو ما أدى بالتبعية الى مقتل حوالي 82000 شخصًا إضافيًا و غالبًا ما يُنسب الفضل إلى هذه الظروف القاتمة باعتبارها مصدر إلهام قصص الرعب القوطية مثل قصة الكاتبة الشهيرة “ماري شيلي” مؤلفة رواية “فرانكشتاين” .
و على الرغم من وجود العديد من الانفجارات الكبيرة في التاريخ المسجل إلا أن الانفجارات البركانية اليوم لم تعد أكثر دمارا مما كانت عليه منذ عقد أو حتى قرن مضى فرغم حدوث الكثير من الانفجارات الا انه مع زيادة القدرة على مراقبة الانفجارات البركانية و الاهتمام بها و ظهور تغطيات لها بشكل متكرر في الأخبار و على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الأمور أكثر أمانا للبشر حيث يقول “إيريك كليمتي” الأستاذ المشارك لعلوم الأرض في جامعة “دينيسون” في صحيفة واشنطن بوست : “العالم الأن ليس أكثر نشاطًا بركانيًا و لكن أكثر وعيًا بركانيًا”.