البحر الأسود هو بحر داخلي يقع بين جنوب شرق أوروبا و شبه جزيرة الأناضول (تركيا) تبلغ مساحته 422 ألف كيلومتر مربع و عند اضافة بحر أزوف اليه فتزيد المساحة الى 461 كيلومتر مربع و يتصل بنهايته المحيط الأطلسي عبر البحر الأبيض المتوسط و بحر إيجة و مضائق مختلفة و يربطه مضيق البوسفور ببحر مرمرة بينما يربطه مضيق الدردنيل بمنطقة بحر إيجة أما مضيق كيرتش فيربطه ببحر أزوف الأصغر و يعتبر حد طبيعي فاصل بين أوروبا الشرقية و غرب آسيا و يصب فيه عدد من الأنهار أهمهم نهر الدانوب و يطل عليه عدد من البلدان و هم تركيا من الجنوب و بلغاريا و رومانيا من الغرب و أوكرانيا و شبه جزيرة القرم من الشمال و روسيا من الشمال الشرقي و جورجيا من الشرق و يعتبر البحر الأسود هو الأكثر تفضيلا لدى علماء البحريات لأن مستوياته المنخفضة تكاد تكون ميتة بيولوجيًا بسبب ضعف تهوية طبقاته العميقة كما أن نظامه البيئي يستجيب بسرعة للتأثيرات الخارجية سواء كانت طبيعية مثل تقلبات العوامل البيئية أو بشرية مثل أنشطة الصيد أو انتشار الملوثات و التصنيع في المنطقة المحيطة .
و تشير بعض التقديرات الى أن البحر الأسود قد أطلق عليه ذلك الإسم فى القرن الثالث عشر بينما تشير تقديرات أخرى الى أنه أقدم من ذلك و كان يطلق عليه فى العصور القديمة البحر الغير مضياف قبل الاستعمار اليوناني له لأنه كان من الصعب التنقل فيه و لأن شواطئه كانت مأهولة من قبل قبائل متوحشة ثم تحول اسمه فى العصر اليوناني الى البحر المضياف اما بالنسبة الى اسمه الحالى فتوجد بعض من النظريات التى تربطه بإسمه الحالى حيث تشير احداها الى تعيين الألوان لاتجاه البوصلة فيشير اللون الأسود إلى الشمال بينما اللون الأحمر إلى الجنوب و قد استخدم “هيرودوت” في إحدى المناسبات لفظ البحر الأحمر و البحر الجنوبي بالتبادل و بالتالى يكون البحر الشمالي هو الأسود كما توجد نظرية أخرى للتسمية تتعلق بلون المياه العميقة فيه فنظرًا لكونها أبعد شمالًا عن البحر الأبيض المتوسط و أقل ملوحة فإن تركيز الطحالب الدقيقة يكون أكثر ثراءً مما يتسبب في لونه الداكن الذى يجعل متوسط الرؤية في أعماقه حوالي خمسة أمتار فقط مقارنة بما يصل إلى خمسة و ثلاثين متراً في البحر الأبيض المتوسط اما بالنسبة الى العلوم البحرية فيعتقد أن البحر الأسود قد حصل على اسمه بسبب وجود طبقة كبريتيد الهيدروجين التي تبدأ عند مسافة 200 متر تحت السطح و التى تدعم حياة مجموعة ميكروبية فريدة تنتج رواسب سوداء .
و جغرافيا تعتبر الشواطئ الشمالية و الشمالية الغربية فى البحر الأسود مغطاة بالوديان و السهول و الأنهار بينما تشكل سلاسل جبال القوقاز الكبرى و الصغرى الشاطئ الشرقي منه و تصطف جبال بونتيك في الجنوب بالقرب من منفذ البوسفور أما تضاريس الشاطئ فهى معتدلة رغم أنها لا تزال شديدة الانحدار و تفسح منطقة الهضبة المنبسطة على طول الشاطئ الشمالي الغربي الطريق إلى دلتا نهر الدانوب التى تصب فى مياهه و جيولوجيا تشكل البحر الأسود خلال عصور الميوسين الذى رفعت فيه سلاسل الجبال و قسمت محيط تيثيس القديم إلى عدة أحواض قليلة الملوحة مثل البحر السارماتي و قزوين و آزوف و البحر الأسود الذى ينقسم بدوره إلى حوضين فرعيين و يتميز الجزء الشمالي الغربي من الحوض بجرف كبير نسبيًا يصل عرضه إلى 190 كم و له ساحة ضحلة نسبيًا أما الحافة الجنوبية حول “تركيا” و الحافة الشرقية حول “جورجيا” فتتميز بجرف ضيق نادراً ما يتجاوز عرضه 20 كم و يصل أقصى عمق فى البحر الأسود 2206 م فى جنوب يالطا بشبه جزيرة القرم .
و يتميز البحر الأسود بأن مياهه العميقة لا تختلط مع الطبقات العليا من المياه التي تتلقى الأكسجين من الغلاف الجوي و نتيجة لذلك فإن أكثر من 90% من حجم أعماق البحر الأسود هي مياه ناقصة الأوكسجين و تكون الطبقات العليا بشكل عام أكثر برودة و أقل كثافة و ملوحة من المياه العميقة لاتصالها بأنظمة الأنهار الكبيرة بينما تنبع المياه العميقة من المياه الدافئة و المالحة من البحر الأبيض المتوسط عبر بحر مرمرة و يبلغ متوسط ملوحة المياه السطحية فى البحر الأسود ما بين 18 إلى 18.5 جزءًا في الألف و هى طبقة تحتوي على الأكسجين و المواد المغذية الأخرى اللازمة للحفاظ على النشاط الحيوي و تختلف درجة حرارة سطح البحر في المياه السطحية موسمياً و تتراوح ما بين 8 درجات مئوية إلى 30 درجة كما تم العثور تحت المياه السطحية على طبقة متوسطة تتكون من مياه باردة نوعا ما و مالحة ناتجة عن التبريد الجوي الموضعي و انخفاض مدخلات الأنهار خلال أشهر الشتاء و تتراوح ملوحتها ما بين 22 و 22.5 جزء من الألف و ترتفع درجات الحرارة فيها حوالي 8.5 درجة مئوية .
و يتفق الكثير من العلماء على أن البحر الأسود كان قديما بحيرة مياه عذبة أو على الأقل في طبقاته العليا ثم تطور الامر مع مرور الوقت و أصبح بحرا مالحا و حتى اللحظة لا تزال تلك النقطة محل دراسة و نقاش حيث تشير بعض من النظريات الى انه كان فى السابق يحتوى على مياه عذبة و نتيجة ارتفاع مستوى مياه البحر الابيض المتوسط فقد تدفقت اليه فوق مضيق الدردنيل و البوسفور و حدد فريق من علماء الآثار البحرية فى ذلك المكان ما بدا أنه شواطئ قديمة و وديان أنهار غارقة و هياكل من صنع الإنسان و أظهر التأريخ بالكربون المشع لبقايا تم العثور عليها الى انها رخويات مياه عذبه يرجع عمرها الى حوالي سبعة آلاف سنة كما أشارت نظريات اخرى الى حدوث فيضان ضخم اجتاح منطقة البحر الأسود فى اعقاب انهيار سد طبيعى كان يفصل بينه و بين البحر الابيض المتوسط .
و تاريخيا كان البحر الأسود ممرًا مائيًا مزدحمًا بين دول البلقان فى الغرب و سهول أوراسيا من الشمال و القوقاز و آسيا الوسطى من الشرق و آسيا الصغرى و بلاد ما بين النهرين من الجنوب و “اليونان” فى الجنوب الغربي و من المعروف أنه كان يُبحر فيه منذ زمن بعيد الفينيقيين القدماء كما وصف المؤرخ اليوناني “هيرودوت” السواحل الشمالية لذلك البحر منذ القرن الخامس قبل الميلاد و كتب عنه اليونانيين الارشادات الملاحية الاولى و في القرن الرابع قبل الميلاد استقر على ضفافه السلاف و الأتراك و بحلول القرن الخامس عشر كان الأتراك يسيطرون على الخط الساحلي بأكمله و كان فى العصر الحديث مسرحًا بحريًا مهمًا خلال الحرب العالمية الأولى كما شهد أيضا العديد من المعارك البحرية و البرية في الحرب العالمية الثانية .
و بالنسبة للحياة البحرية الموجودة على البحر الأسود فنتيجة ذوبان الاكسجين فى المناطق العليا فقط فلا يوجد تحت ذلك العمق و الذى يتراوح ما بين 70 إلى 100 متر فى مركزه و 100 إلى 150 مترًا بالقرب من الحافة اى حياة فيه لذلك فلا تدعم المناطق الخالية من الأكسجين أي حياة سوى البكتيريا المتكيفة على تلك الظروف اما فى الطبقة السطحيه الثرية بالأكسجين و بالكميات الكبيرة من العناصر الغذائية التي تنقل إلى البحر من الأنهار التي تصب فيه فتوجد بها حياة بحرية غنية حيث يحتوي على جميع المجموعات الرئيسية للكائنات الحية الدقيقة كما تعد تلك الطبقة أيضا موطنًا لحوالي 180 نوعًا من الأسماك ما يقرب من خُمسها لها أهمية تجارية حيث تنبع معظم الحياة النباتية و الحيوانية من البحر الأبيض المتوسط .
و البحر الأسود له أهمية اقتصادية كبيرة فنتيجة أنه خاليًا من الجليد فيعتبر منفذ شحن حيوي حيث يعمل كشريان نقل يربط دول أوروبا الشرقية بالأسواق العالمية كما يعتبر نهر الدانوب الذي يصب في البحر الأسود هو شريان تجاري ضخم لدول البلقان و في السنوات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة ازدادت شعبية البحر الأسود كوجهة سياحية بشكل مطرد حيث أصبحت السياحة في منتجعاته واحدة من الصناعات النامية في المنطقة اضافة الى وجود الينابيع الدافئة الموجودة فى ذلك المكان كمصدر تعافي و استشفاء خاصة في شبه جزيرة القرم كما تنشط فيه عمليات الصيد التى يمتهنها الكثيرين من سكان الدول المطلة عليه .
و يتعرض البحر الأسود الى العديد من التهديدات البيئية التى تؤثر على طبيعة التنوع البيولوجى الموجود فيه بشكل دعا العديد من الدول لاتخاذ اجرائات فى الحفاظ عليه حيث حظر الاتحاد السوفيتي صيد الدلافين فيه كجزء من تدابير الحفظ و الحماية اضافة الى فرض قيود على ناقلات النفط و التخلص من النفايات الصناعية و تم التوقيع على اتفاقية شاملة لتنفيذ مجموعة متنوعة من برامج مكافحة التلوث و المعروفة باسم “اتفاقية الحفاظ على البحر الأسود” من قبل جميع الدول الست المجاورة في التسعينيات .