الإبادة الجماعية في رواندا هي حملة مخططة من القتل الجماعي التي حدثت علي مدار 100 يوم بداية من أبريل و حتي يوليو عام 1994و قد تم تنفيذ تلك الأعمال الوحشية من قبل عناصر متطرفة من سكان عرقية الهوتو الذين يشكلون الأغلبية في البلاد و خططوا لقتل أقلية التوتسي و أي شخص قد يعارض تلك الإبادة الجماعية و تشير التقديرات إلي أن ما لا يقل عن 200 ألف شخص من الهوتو مدفوعين بالدعاية من مختلف وسائل الإعلام قد شاركوا في الإبادة الجماعية في رواندا التي قُتل فيها أكثر من 800 ألف مدني معظمهم من التوتسي و أيضًا من الهوتو المعتدلين الذين رفضوا تلك الممارسات كما أسفرت تلك الأحداث أيضا عن فرار ما يصل إلي 2 مليون رواندي أثناء إرتكاب تلك الإبادة أو بعدها مباشرة .
ترجع خلفية الإبادة الجماعية في رواندا إلي طبيعة المجموعات العرقية الرئيسية التي عاشت في تلك البلد و هم ” الهوتو ” الذين يمثلون أكثر من أربعة أخماس السكان و ” التوتسي ” الذين يشكلون السبع من إجمالي السكان بينما تشكل المجموعة الثالثة و هم ” التوا ” أقل من 1% و لعدة قرون عاش معًا تلك المجموعات و يُعتقد أن المنطقة التي تُعرف الآن برواندا قد إستوطنها في البداية قبيلة ” التوا ” ثم تبعهم ” الهوتو ” ربما في وقت ما بين القرنين الخامس و الحادي عشر ثم ” التوتسي ” على الأرجح في بداية القرن الرابع عشر و بعدها بدأت عمليات هجرة لتلك العرقية من الشمال و بلغت ذروتها في القرن السادس عشر مع ظهور مملكة في المنطقة الوسطى تحكمها أقلية ” التوتسي ” و التي إستمرت حتى وصول الأوروبيين في القرن التاسع عشر.
و بطبيعة الحال كانت الإختلافات الإجتماعية بين عرقيتي ” الهوتو ” و ” التوتسي ” عميقة جدا كما يتضح من نظام روابط الرعي الذي من خلاله إكتسب ” التوتسي ” الذين يتمتعون بتقاليد رعوية قوية الهيمنة الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية علي البلاد عن ” الهوتو ” الذين كانوا في المقام الأول من المزارعين و كان تحديد هوية كلا العرقيتين أمرًا مائعًا لأنه علي الرغم من أن المظهر الجسدي يمكن أن يتوافق إلى حد ما مع الهوية العرقية مثل أن يكون ” التوتسي ” من ذوات البشرة الفاتحة و طوال القامة و أن ” الهوتو ” من ذوي بشرة داكنة و قصار القامة إلا أن الفرق بين المجموعتين لم يكن دائمًا واضحًا على الفور بسبب الزواج المختلط و إستخدام نفس الملابس و وجود لغة مشتركة بين المجموعتين .
و خلال الحقبة الإستعمارية إفترضت ” ألمانيا ” و ” بلجيكا ” في وقت لاحق أن العرق يمكن تمييزه بوضوح من خلال الخصائص الجسدية ثم أستغلوا الإختلافات العرقية الموجودة لإنشاء نظام في تلك البلد حيث إتبعت الحكومة الإستعمارية الألمانية التي بدأت سيطرتها علي البلاد في عام 1898 و أستمرت حتى عام 1916 سياسة الحكم غير المباشر من خلال تعزيز هيمنة طبقة ” التوتسي ” الحاكمة و إستبداد نظامها الملكي و أستمر هذا النهج في عهد “بلجيكا” التي سيطرت علي تلك المستعمرة بعد الحرب العالمية الأولي و إدارتها أيضا بشكل غير مباشر تحت وصاية عصبة الأمم .
و نظرا لذلك النظام المجحف بدأ بعض من عرقية ” الهوتو ” بالمطالبة بالمساواة و وجدوا تعاطفًا من رجال الدين الكاثوليك و بعض الموظفين الإداريين البلجيكيين و نتيجة ذلك الإحتقان حدثت ثورة ” الهوتو ” التي بدأت بإنتفاضة في الأول من نوفمبر عام 1959 بسبب شائعة وفاة زعيم من ” الهوتو ” علي أيدي أفراد خارجة علي القانون من ” التوتسي ” و هو ما أدي إلي قيام مجموعات من ” الهوتو ” بشن هجمات على ” التوتسي ” و تلا ذلك أشهر من العنف و قُتل العديد من ” التوتسي ” أو فروا من البلاد و أدت الإضطرابات التي قام بها ” الهوتو ” التي كانت بموافقة ضمنية من السلطات الإستعمارية البلجيكية لعزل ملك ” التوتسي ” رسميًا في في 28 يناير عام 1961 و الذي كان بالفعل خارج البلاد بعد أن فر من العنف عام 1960 و ألغيت ملكية ” التوتسي ” و أصبحت ” رواندا ” جمهورية و تشكلت حكومة وطنية مؤقتة مكونة بالكامل من ” الهوتو ” و تم إعلان الإستقلال في العام التالي .
و لم يكن الإنتقال من حكم ” التوتسي ” إلي ” الهوتو ” سلميًا ففي الفترة من عام 1959 و حتي 1961 قُتل ما يقرب من 20 ألفًا من ” التوتسي ” و فر عدد أكبر من ذلك و بحلول أوائل عام 1964 كان هناك ما لا يقل عن 150 ألف من ” التوتسي ” في البلدان المجاورة ثم إندلعت بعد ذلك جولات إضافية من التوتر العرقي و العنف بشكل دوري أدت إلى عمليات قتل جماعي للتوتسي كما حدث في أعوام 1963 و 1967 و 1973 ثم إندلع التوتر بينهم مجددا عام 1990 عندما قام متمردو الجبهة الوطنية الرواندية المشكلة من التوتسي بعمليات كر و فر إلي أن تم التفاوض على وقف إطلاق النار في أوائل عام 1991 و كانت بين الجبهة الوطنية الرواندية و حكومة الرئيس ” جوفينال هابياريمانا ” الذي كان من “الهوتو” و توصلا إلي التوقيع علي إتفاقية تدعو إلي تشكيل حكومة إنتقالية ذات قاعدة عريضة تضم الجبهة الوطنية الرواندية و قد عارض المتطرفين ” الهوتو ” هذه الخطة بشدة و تزايد نشر أجندتهم المناهضة للتوتسي على نطاق واسع عبر الصحف و محطات الإذاعة لبضع سنوات و هو ما أدي لاحقا إلي تأجيج العنف العرقي و كان سببا في الإبادة الجماعية في ” رواندا ” .
و في مساء يوم 6 أبريل عام 1994 أقلعت طائرة تقل الرئيس الرواندي ” هابياريمانا ” و معه الرئيس البوروندي ” سيبريان نتارياميرا ” و خلال رحلتهما تم إسقاط الطائرة فوق العاصمة ” كيجالي ” و أدى الحادث إلي مقتل جميع من كانوا على متنها و على الرغم من أن هوية الشخص أو المجموعة التي أطلقت النار على الطائرة لم يتم تحديدها بشكل قاطع إلا أنه كان يُعتقد في الأصل أن متطرفي ” الهوتو ” هم المسؤولين عن ذلك و في وقت لاحق كانت هناك مزاعم بأن قادة الجبهة الوطنية الرواندية هم من كانوا المسؤولين و لكن علي أي حال بدأت في تلك الليلة عمليات قتل منظمة ضد ” التوتسي ” و ” الهوتو ” المعتدلين بقيادة متطرفين من ” الهوتو ” و في اليوم التالي أغتيلت رئيسة الوزراء ” أجاثا يولينجيمانا ” و هي من الهوتو المعتدلين كما أغتيل عشرة جنود بلجيكيين كانوا جزء من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة و الموجودة بالفعل في البلاد و كان مقتل رئيسة الوزراء جزءًا من حملة للقضاء على السياسيين المعتدلين من كلا الجانبين بهدف خلق فراغ سياسي و بالتالي السماح بتشكيل حكومة مؤقتة من متطرفي ” الهوتو ” قام بتجميعها العقيد ” ثيونيستي باجوسورا ” الذي تم التعرف عليه لاحقًا على أنه لعب دورا هاما في تنظيم الإبادة الجماعية في رواندا و أصبح رئيس مجلس التنمية الوطنية (الهيئة التشريعية لرواندا في ذلك الوقت) ” ثيودور سينديكوبوابو ” رئيساً مؤقتاً للبلاد في الثامن من إبريل و بعد يوم تم تكليف حكومة مؤقتة من المتطرفين لمباشرة عملها .
بعد ذلك شهدت الأشهر القليلة التالية موجة من الفوضى و القتل الجماعي لعب فيها الجيش و ميليشيات الهوتو المعروفة بإسم “إنتراهاموي” و”إمبوزاموجامبي” دورًا مركزيًا كما أدى البث الإذاعي إلى تأجيج الإبادة الجماعية في رواندا من خلال تشجيع المدنيين ” الهوتو ” على قتل جيرانهم من ” التوتسي ” الذين كان يشار إليهم بإسم “الصراصير” الذين يحتاجون إلى الإبادة و تشير التقديرات إلى أن حوالي 200 ألف من ” الهوتو ” قد شاركوا بالإبادة الجماعية في رواندا على الرغم من أن بعضهم كان لم يرغب في ذلك حيث أجبرهم الجيش و جماعات ميليشيا الهوتو على القيام بتلك الأعمال الوحشية التي كانت غالبًا ما تُستخدم فيها أدوات بدائية لضرب الضحايا أو إختراقهم و كانت المناجل شائعة الإستخدام كما أستُخدم الإغتصاب كسلاح و كان هناك تعمد في أن من يقوم بذلك من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية ( الإيدز ) و هو ما تسبب في إصابة العديد من نساء ” التوتسي ” عمداً بذلك الفيروس .
من ناحيتها قامت الأمم المتحدة التي كان لديها بالفعل قوات حفظ سلام في البلاد بمحاولات فاشلة للتوسط لوقف إطلاق النار و في الحادي والعشرين من إبريل و مع تفاقم الأزمة صوتت المنظمة الأممية لصالح تقليص وجود بعثتها الخاصة بتقديم المساعدات من 2500 جندي إلى 270 جندياً و كان هذا التخفيض الذي يبدو غير مفهوم في عدد القوات في وقت كانت البلاد في حاجة ماسة إلى المساعدة يرجع إلي عدم قدرة المنظمة على إيجاد المزيد من القوات للدعم لذلك كان وجودها غير مؤثر و لكن في 17 مايو تراجعت الأمم المتحدة عن قرارها و صوتت لصالح إنشاء قوة قوامها 5500 جندي تتألف معظمها من جنود تابعين لبلدان إفريقية و لكن لم يكن من الممكن نشر هذه القوات الإضافية على الفور و في 22 يونيو دعمت المنظمة الأممية نشر قوة عسكرية بقيادة فرنسية تحت إسم “العملية الفيروزية” لإنشاء منطقة آمنة و عارضت الجبهة الوطنية الرواندية تلك العملية و زعمت أن ” فرنسا ” كانت تدعم دائمًا حكومة و سياسات الرئيس ” هابياريمانا ” .
و مع بداية إندلاع المواجهات كانت الجبهة الوطنية الرواندية قد رفضت شرعية حكومة ” الهوتو ” المتطرفة لذلك قامت بإستئناف القتال و بحلول 12 أبريل كانت قوات الجبهة الوطنية الرواندية قد غزت ضواحي العاصمة ” كيجالي”و في أوائل يوليو نجحت في تأمين أغلب أنحاء البلاد ثم أستولت على العاصمة في الرابع من يوليو و فر زعماء ” الهوتو ” المتطرفين بما في ذلك زعماء الحكومة المؤقتة من البلاد و تم تشكيل حكومة وحدة وطنية إنتقالية في 19 يوليو برئاسة ” باستور بيزيمونجو ” و كان من ” الهوتو ” و زعيم الجبهة الوطنية الرواندية “بول كاجامي ” و هو من ” التوتسي” نائبًا له و وصلت الإبادة الجماعية في رواندا إلى نهايتها و التي عادة عادة ما توصف مدتها بأنها كانت علي مدار 100 يوم تبدأ في 6 أبريل و تنتهي في منتصف يوليو و يُشار إلى يوم 18 يوليو بإعتباره تاريخ نهاية الإبادة الجماعية في رواندا و خلال تلك الفترة قُتل أكثر من 800 ألف مدني معظمهم من ” التوتسي ” رغم أن هناك إحصائيات تشير إلي أن الرقم أكبر من ذلك بكثير كما فر ما يصل إلى 2.000.000 رواندي من ” الهوتو ” و ” التوتسي ” أغلبهم إلى شرق الكونغو الديمقراطية و لكن مع إنتهاء أعمال العنف عادت الغالبية العظمي منهم إلى ” رواندا” في أواخر عام 1996 و أوائل عام 1997 .
و بمجرد انتهاء الإبادة الجماعية في رواندا واجهت البلاد سنوات من المصالحة و التعافي و كانت محاكمة أولئك الذين يُعتقد أنهم مسؤولين عن أعمال الإبادة الجماعية في رواندا هي محور التركيز الأساسي كذلك تعزيز الوحدة الوطنية و إعادة بناء إقتصاد البلاد حيث تمت محاكمة المتهمين بالمشاركة في أعمال الإبادة الجماعية في المقام الأول في واحد من ثلاثة أنواع من أنظمة المحاكم و هي المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) و المحاكم الوطنية الرواندية و محاكم غاكاكا المحلية كما حوكم بعض المشتبه بهم الذين فروا من ” رواندا ” في البلدان التي عثر عليهم فيها .
و بالنسبة إلي المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ففي نوفمبر عام 1994 قامت الأمم المتحدة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ICTR المعروفة رسميًا بإسم المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن أعمال الإبادة الجماعية و غيرها من الإنتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي المرتكبة في الإقليم و قدم إليها المواطنين الروانديين المسؤولين عن أعمال الإبادة الجماعية و غيرها من الإنتهاكات المرتكبة في أراضي الدول المجاورة في الفترة من 1 يناير و حتي 31 ديسمبر عام 1994 و كانت تلك المحكمة ذات تكوين دولي و مقرها في أروشا تانز و لم تكن مخولة بفرض عقوبة الإعدام و لكن بعقوبات للسجن و أقتصر إختصاصها علي القادة الروانديين في حين كانت محاكمة المتهمين من المستوى الأدني تدار في المحاكم المحلية و بعد تأخيرات إدارية و لوجستية أنهت المحكمة قضاياها الأولى في عام 1998 و أقرت بأن رئيس الوزراء الرواندي السابق ” جان كامباندا ” مذنب في ست تهم تتعلق بالإبادة الجماعية في رواندا و حُكم عليه بالسجن مدى الحياة و حاول “كامباندا” الإستئناف إلا أن طلبه قد رفض و في عام 1999 قطعت ” رواندا ” علاقتها مع المحكمة بعد أن أمرت بالإفراج عن ” جان بوسكو باراياجويزا ” أحد المشتبه بهم البارزين في جرائم الإبادة الجماعية في رواندا لأسباب إجرائية علي الرغم من أنه كان قد اتُهم بتنظيم حملة إعلامية تحث ” الهوتو ” على قتل جيرانهم من ” التوتسي” لكن أمر إطلاق سراحه تم تعليقه و في فبراير عام 2000 أعلنت الحكومة الرواندية أنها أعادت التعاون مع المحكمة مجددا و قُدم “باراياجويزا” للمحاكمة في وقت لاحق من ذلك العام و أُدين عام 2003 كما قُدِّم أربعة من كبار الضباط العسكريين بمن فيهم العقيد السابق ” باجوسورا ” الذي كان يعتبر المهندس الرئيسي للإبادة الجماعية في رواندا إلى المحاكمة التي قالت أن “باجوسورا ” بدأ التخطيط للإبادة الجماعية في وقت مبكر من عام 1992 و أتهمت الأربعة جميعاً بتدريب الميليشيات التي قتلت ” التوتسي ” و ” الهوتو ” المعتدلين إضافة إلي مسئوليتهم عن مقتل 10 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من البلجيكيين و مقتل رئيسة الوزراء ” يولينجييمانا ” و كان المتهمين الثلاثة الآخرين هم القائدان العسكريان السابقان ” أناتول نسينجيومفا ” و ” ألويس نتابوكوزي ” و الرئيس السابق للعمليات العسكرية ” جراتيان كابيليجي ” و في 18 ديسمبر عام 2008 حُكم على ” باجوسورا ” و ” نسينجيومفا ” و “نتابوكوزي” بالسجن مدى الحياة و تمت تبرئة ” كابيليجي ” من جميع التهم كما حُكم على العديد من الجناة الرئيسيين بالسجن مدى الحياة في عام 2009 بما في ذلك وزيرة العدل السابقة ” أجنيس نتامابياريو ” و محافظ كيجالي السابق ” ثارسيس رينزاهو ” و رئيس البرلمان السابق ” ألفريد موكيزامفورا ” .
أما بالنسبة إلي المحاكم الوطنية فقد وجهت إتهاماتها إلي المشتبه بهم في إرتكابهم جرائم الإبادة الجماعية في رواندا من المستوى الأدنى و خلافاً للمحكمة الجنائية الدولية كانت المحاكم الرواندية قادرة في البداية بالحكم على من تثبت إدانتهم بعقوبة الإعدام و تم تنفيذ أحكام الإعدام الأولى في 24 أبريل عام 1998 حين تم إعدام 22 شخصاً مدانين بإرتكاب جرائم إبادة جماعية علناً رمياً بالرصاص من قبل الشرطة علي الرغم من أوجه القصور الإجرائية الخطيرة في جلسات الاستماع حيث كثيراً ما عانت من أوجه قصور إجرائية تشير إلى التحيز العرقي و في عام 2007 ألغي برلمان ” رواندا ” عقوبة الإعدام و التي كانت خطوة مهمة في الجهود التي تبذلها البلاد لتسليم المشتبه بهم في جرائم الإبادة الجماعية من الدول الأوروبية التي رفضت مثل هذه الطلبات لأنها أعترضت على عقوبة الإعدام .
و نظرا لأن عدد المشتبه فيهم الذين ستتم محاكمتهم فيما يتصل بالإبادة الجماعية هائلاً و كانت القضايا تتحرك ببطء عبر المحكمة الجنائية الدولية لرواندا و المحاكم الوطنية و في محاولة لإنهاء ما يقرب من 115 ألف قضية إبادة جماعية تنتظر دورها أعلنت الحكومة الرواندية عام 2001 عن خطط لإنشاء محاكم “جاكاكا” وفقاً لنظام العدالة التقليدي في أيام ما قبل الإستعمار حيث كان يتم إستخدام محاكم الجاكاكا لحل النزاعات بين العائلات و كان أرباب الأسر يعملون كقضاة و كان قرار الحكومة بإستخدام هذا الأسلوب من العدالة من شأنه أن يخلق الآلاف من المحاكم المحلية للتعامل مع بعض المشتبه بهم في جرائم الإبادة الجماعية المتهمين بإرتكاب جرائم بسيطة أما المتهمين بإرتكاب جرائم أكثر خطورة فستستمر محاكمتهم في محاكم أعلي كما أن الهدف من محاكم جاكاكا هو تسليط الضوء على بعض التفاصيل غير المعروفة للإبادة الجماعية و تعزيز المصالحة بين الروانديين حيث إنعقدت تلك المحاكم في يناير عام 2002 وبدأت العمل على عدة مراحل على مدار السنوات التالية و بحلول عام 2010 نظرت محاكم جاكاكا في حوالي 1.5 مليون قضية .
و بينما حاولت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا و المحاكم الوطنية و محاكم غاكاكا تقديم أخطر المشتبه بهم في جرائم الإبادة الجماعية في رواندا إلى العدالة قامت الحكومة للتخفيف من إزدحام السجون بمنح عفو جماعي بشكل دوري للسجناء المتهمين بإرتكاب جرائم أقل خطورة فعلى سبيل المثال في مارس عام 2004 تم العفو عن 30 ألف سجين متهم و أطلق سراحهم بعد أن اعترفوا بإرتكاب أعمال إبادة جماعية و طلبوا العفو عنها و في فبراير 2007 تم العفو عن حوالي 8000 سجين متهمين بإرتكاب جرائم حرب كثير منهم كانوا من المرضى أو كبار السن و لم يحظ العفو بدعم كامل من الناجين تلك الإبادات الذين أعتقدوا أن أولئك الذين اعترفوا لم يشعروا بالأسف الحقيقي على ما فعلوه بل كانوا يستخدمون العفو للهروب من العدالة و لكن أضطر العديد منهم إلى العيش و العمل بجانب أولئك الذين شاركوا في تلك الإبادات .
و لمحاولة التعافي من أثار أحداث الإبادة الجماعية في رواندا أعلنت الحكومة عن خطط لتغيير العديد من الرموز الوطنية بما في ذلك العلم و النشيد الوطني الذي إرتبط على نطاق واسع بقومية الهوتو المتطرفة و صدر دستور جديد عام 2003 يهدف إلى منع المزيد من الصراع العرقي في البلاد و في وقت لاحق من ذلك العام أُجريت أول إنتخابات ديمقراطية متعددة الأحزاب في “رواندا” منذ الإستقلال و في عام 2006 نفذت الحكومة الرواندية عملية إعادة تنظيم إدارية كبيرة حيث استبدلت المحافظات الـ12 السابقة بخمس مقاطعات أكبر متعددة الأعراق بهدف تعزيز تقاسم السلطة و الحد من الصراع العرقي كما تم إنشاء العديد من النصب التذكارية للإبادة الجماعية في جميع أنحاء البلاد و أستمر إقتصاد ” رواندا ” الذي تأثر سلباً بالصراع في أوائل التسعينيات في التعافي تدريجياً و بحلول نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تم إحراز تقدم كبير به خاصة بعد تلقي بعض من الدعم عام 2006 حين منح البنك الدولي و صندوق النقد الدولي تخفيفاً كبيراً لأعباء الديون و إنضمام ” رواندا ” إلى جماعة شرق أفريقيا و هي كتلة إقليمية للتجارة و التنمية.