كثيرا ما أحتوت تواريخ الممالك و الإمارات في أوروبا خلال القرون الوسطي علي الدسائس و المؤامرات و الإغتيالات التي كانت تتم داخل إطار الموائمات السياسية و الصراعات علي السلطة التي لا تنتهي و لكن من بين كل ذلك برزت قصة حب رومانسية جمعت بين الأمير بيدرو و فتاة جميلة تدعي إينيس و أثارت إنزعاج والده الملك نظرا لتسببها في الإضرار بترتيباته الملكية و هو ما دفعه للإقدام علي إنهائها بشكل مأساوي بذبح تلك الفتاة و تحطيم قلب إبنه الذي ظل علي وفائه لها حتي بعد مقتلها لدرجة أنه حين تم تنصيبه ملكا للبلاد قام بإحضار جثمانها و إعلانها كملكة وسط مراسم رسمية و يقوم الجميع بالإنحناء لها في مشهد مؤثر و معبر عن إمكانية وجود الحب و الوفاء و الإخلاص في عالم تسوده الدسائس و المؤامرات .
بدأت أحداث تلك القصة في عام 1336م حين رتب ملك البرتغال “أفونسو الرابع” زواج وريثه الوحيد “إنفانتي بيدرو” الذي أصبح لاحقًا “بيدرو الأول” ملك البرتغال من الأميرة “كونستانزا مانويل” إبنة الأرستقراطي القشتالي و صاحب النفوذ القوي “خوان مانويل” حاكم منطقة فيلينا و إبن عم الملك “أفونسو” و كان الهدف من تلك الزيجة هو توطيد التحالف بين الطرفين و التلاعب بملك قشتالة “ألفونسو الحادي عشر” الذي كان أيضًا ابن عمهما و زوجا سابقا لـ “كونستانزا” لكن سرعان ما تم إنهاء ذلك الزواج حتى يتمكن من الإرتباط بـ “ماريا ” إبنة الملك “أفونسو الرابع” و شقيقة الأمير “بيدرو” .
و بطبيعة الحالة نتيجة إنهاء “ألفونسو الحادي عشر” لتلك الزيجة فقد أثار ذلك غضب والدها “خوان مانويل” علاوة على أنه بعد زواجه من “ماريا” كان معروفًا بخيانته لها و إساءة معاملتها طوال الوقت و هو ما أثار غضب والدها الملك “أفونسو الرابع” أيضًا و الغريب أنه تم الإحتفال بالزواج بين الأمير “بيدرو” و “كونستانزا” بالوكالة حيث كانت العروس محتجزة كرهينة من قبل “ألفونسو ” في عبارة “أنا لا أريدها و أيضا لن يمكنك الحصول عليها” و لكن عندما تمكنت أخيرًا من السفر إلى “البرتغال” عام 1340 أحضرت معها النبيلة الجاليكية الجميلة “إينيس دي كاسترو” و التي كانت في الخامسة عشرة من عمرها و لديها شعر ذهبي و عينان زرقاوان مذهلتان و بشرة ناصعة البياض .
و بعكس ما كان مرتب من الملك وقع الأمير “بيدرو” الذي كان في التاسعة عشرة من عمره في حب “إينيس” و بشكل جنوني و تجاهل زوجته الشرعية ” كونستانزا ” التي كان من الواضح أن حظها كان سيئا مع الرجال بعد أن أهملها زوجها الأول و رفضها الثاني لصالح مساعدتها الشخصية و لكن على مدار السنوات التالية أنجبت “كونستانزا” أربعة أطفال من ” بيدرو ” مات إثنان منهم في طفولتهما و تبقت إبنة و إبن ” فرديناند ” و الذي كان طفلا مريضا و في تلك الأثناء تعمقت العلاقة بين “إينس و بيدرو” و أنجبت له هي الأخري ثلاثة أبناء مكونين من ولدين و فتاة كانوا جميعهم أصحاء و يتميزون بجمال كبير كما أصبح أشقاء “إينيس” أصدقاء لبيدرو و أقرب مستشاريه و منحهم مناصب مؤثرة بشكل أثار حفيظة والده الملك “أفونسو” الذي كان منزعجا من تلك العلاقة و تداعياتها السياسية من توتر فى العلاقات المهتزة بالفعل مع قشتالة إضافة إلي أن صداقته مع إخوة “إينيس” المنفيين قد تؤدي في النهاية إلى نشوب حرب أهلية .
و أنتظر الملك “أفونسو الرابع ” أن يتلاشى إفتتان إبنه الأمير ” بيدرو ” بإينيس و عندما لم يحدث هذا حاول تفريق الزوجين بطرق متعددة و لكن كانت كل محاولات الفصل بينهما بما في ذلك طردها من البلاط و حبسها في أحد الأديرة لم تنجح حيث كانت لا تزال المشاعر الرومانسية بين الطرفين قوية حتي أنه خلال عزلها كان الأمير ” بيدرو ” يبعث لها برسائل حب من خلال قارب خشبي صغير ينزلق عبر قنوات المياه في القلعة ثم إزدادت العلاقات توترا بين الأب و إبنه حين توفيت “كونستانزا” عام 1349 نتيجة مضاعفات الولادة حيث قدم الملك بسرعة لإبنه قائمة بالأميرات المناسبين له لكن لم يكن لدي الأمير الشاب أي إهتمام بهن لإنشغال قلبه بإينيس حبه الحقيقي و الوحيد و ما زاد الطين بلة أن “بيدرو” أدعى أن “إينيس” كانت زوجته بالفعل نتيجة زواج سري و كان ذلك الإعلان بمثابة القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير لأنه دفع الملك لإتخاذ قرار بضرورة الخلاص منها و إزاحتها تماما من أمام إبنه .
و بحلول يناير عام 1355 و أثناء خروج الأمير “بيدرو” للصيد سافر ثلاثة نبلاء موالون للملك “أفونسو الرابع” إلى الدير في “كويمبرا” حيث كانت “إينيس” محتجزة و قاموا بقطع رأسها بوحشية أمام أطفالها الصغار حيث كانت تبلغ من العمر 29 عامًا فقط و وصلت تلك الأنباء إلي الأمير الشاب الذي ثار علي والده و و أقسم على الإنتقام من الرجال الذين قتلوا حبيبته إينيس و أدي ذلك إلي نشوب حرب داخلية أنتهت بإنتصار الإبن علي الوالد كما قام بمطاردة القتلة و تمكن من القبض علي إثنين منهم و شرع في إعدامهم عن طريق تمزيق قلوبهم علانية من صدورهم بيديه و كان منطقه لفعل ذلك أنهم كسروا قلبه لذا فهو يفعل الشيء نفسه معهم و قضى كامل فترة حكمه مهووسًا بفكرة القبض على القاتل الثالث الذي فر إلى “فرنسا” لكنه لم ينجح أبدًا فى الوصول إليه .
أقرأ أيضا : الصبى جونز .. المراهق الذى أستطاع سرقة الملابس الداخلية للملكة فيكتوريا
و وفقًا للأسطورة فبمجرد تنصيب “بيدرو” ملكًا تم إخراج جثة “إينيس” من القبر و إجلاسها علي العرش و هي مرتدية رداءً ملكيًا مزينًا و طلب من جميع أتباعه تقبيل طرف ثوب المتوفية و التعهد بالولاء لها و رغم عدم وجود تأكيدات لتلك القصة إلا أن المؤكد بالفعل هو أنه قام بنقل جثمانها من قبرها في “كويمبرا” إلى الدير الملكي في موكب رائع حيث كان هناك في إنتظارها قبران مهيبان و متطابقان لكل منهما بدعوي أنهما سيكونان دائمًا معًا حيث تحتوي المقبرتين على تماثيل “بيدرو” و “إينيس” في مواجهة بعضهما البعض و مكتوبًا على الرخام عبارة “حتى نهاية العالم”.