في يوم 29 نوفمبر عام 1970 و بينما كانت فتاتان صغيرتان برفقة والدهما يتنزهان عبر وادي إسدالين على بعد كيلومترات قليلة من مدينة بيرجن النرويجية فوجئوا أمامهم بمشهد مروعًا و هو جثة إمرأة ملقاة علي ظهرها و محترقة لدرجة يصعب التعرف عليها و علي الفور عاد الرجل و بناته إلي المدينة و أبلغوا عن الجثة و مع فتح التحقيقات إكتشف المسئولين أنهم أمام لغزًا دام لعقودًا من الزمن و بأن الأسئلة أكثر من الإجابات بعد أن تركت تلك المرأة وراءها سلسلة غريبة من الرسائل المشفرة و الهويات المزيفة و حتى بعد أن أعيد فتح قضية إمرأة إسدال عام 2016 إعتمادا علي أخر ما توصلت إليه تقنيات المعامل الجنائية لم يتم الوصول إلي أي جديد و يستمر غموض تلك القضية .
و بالعودة إلي عام 1970 و عقب الإبلاغ عن العثور علي الجثة المحترقة لإمرأة إسدال في الغابة خرجت مجموعة شرطية إلي مكان الحادث و كان من بينهم محامي الشرطة ” كارل هالفور آس ” الذي روي قائلا أن أول شئ لاحظوه عند الوصول إلي الجثة هو الرائحة الكريهة ثم بدأوا في طرح النظريات حول ذلك المشهد و تساءل البعض عما إذا كانت المرأة قد سقطت في حريق بينما تساءل آخرون عما إذا كان هناك قاتل هو من تربص بها و لم يكن شكل الجثة محببا حيث كانت في وضعية “الملاكم” أو “وضعية المبارزة” مع تمديد ذراعيها أمام الجزء العلوي من الجسم و هو وضع شائع للجثث التي يتم حرقها حية كما أنه في مكان قريب عثرت الشرطة على بقايا متفحمة لمتعلقاتها و كانت مكونة من قطع ملابس و مظلة و زجاجتين من البلاستيك الذائب و غطاء بلاستيكي لجواز سفر و أكثر من ذلك.
و رغم وجود عدد من متعلقات إمرأة إسدال في يد الشرطة إلا أنها لم تقدم سوى القليل من المعرفة حول هويتها و في الواقع بدا الأمر كما لو أن كل أثر لتحديد هويتها قد تم مسحه عمدًا كما لم تكن هناك علامات على أي من ممتلكاتها كما تم قطع ملصقات التصنيع عن الملابس المحروقة و إزالة الملصقات الموجودة على الزجاجات و لكن أثناء فحص تلك المتعلقات لاحظ محقق الطب الشرعي ” تورمود بونيس ” شيئًا غريبًا و هو أنه كان لديها ساعة و مجوهرات لكنها لم تكن ترتدي أيًا من هذه الأشياء و بدلا من ذلك تم وضعهم بجانبها و بدا الأمر و كأنه كان هناك نوع من الإحتفال و أصبحت المعلومات المتوفرة لدي الشرطة بعد التشريح هو أن طول إمرأة إسدال حوالي متر و نصف تقريبا و يتراوح عمرها ما بين 25 و 40 عامًا و لها شعر بني طويل من الخلف و وجه مستدير صغير و عينان بنيتان و أذنان صغيرتان و لم تكن حاملا أو أنجبت من قبل كما توجد كدمة على رقبتها تشير إلي أنها ربما تعرضت لسقوط خطير أو لضربة لكنها لم تكن مريضة و في وقت وفاتها كانت تصفف شعرها علي هيئة ذيل حصان مربوط بشريط مطبوع باللونين الأزرق و الأبيض و تم العثور علي جزيئات دخان في رئتيها مما يدل على أنها كانت على قيد الحياة بينما كانت تحترق بعد سكب البنزين عليها كما تم العثور علي 50 إلي 70 حبة منومة في معدتها لكن لم يتم إمتصاصها بالكامل في مجرى الدم عندما توفيت و خلص تشريح الجثة في النهاية إلي أنها توفيت بسبب مزيج من التسمم بأول أكسيد الكربون و الحبوب المنومة و أنها ربما ماتت في الواقع منتحرة .
و بعد أيام قليلة من العثور على جثة إمرأة إسدال توصلت الشرطة إلي إكتشاف غريب آخر و هو حقيبتين تم تركهما في قسم الأمتعة بمحطة سكة حديد بيرجن و في داخل إحداها عثر علي نظارات لا تحتاج إلي وصفة طبية و بصمة إصبع علي العدسة تتطابق مع بصمة امرأة إسدال كما تم العثور علي مجموعة متنوعة من العناصر الأخرى بما في ذلك الملابس و شعر مستعار و مشط و فرشاة الشعر و مستحضرات تجميل و ملاعق صغيرة و أنبوب كريم أكزيما و عملات من “ ألمانيا ” و ” النرويج ” و ” بلجيكا ” و ” إنجلترا ” و ” السويد ” و علي الرغم من إزالة جميع الملصقات التي كان من الممكن أن تحدد هوية المرأة أو ملابسها أو متعلقاتها إلا أنه بات من الواضح أنهم كانوا على بعد خطوة واحدة من معرفة من هي .
و مع التعمق في التحقيقات أصبح الوصول إلي هويتها أمر ليس بالسهل لأنه تم مسح إسم إمرأة إسدال من أنبوب كريم الأكزيما و لم يتمكن أي متجر كبير من العثور على ما يطابق أيًا من ملابسها كما تعقدت الأمور بشكل أكبر بعد أن عثرت الشرطة على ما يبدو أنها مذكرة مشفرة بين متعلقاتها و حاولوا فك شفرتها علي أمل أن يقودهم الحل إلي هويتها أو الأماكن التي أقامت فيها لكن الفشل كان من نصيبهم و مع ذلك كان الدليل المفيد الوحيد الذي وجدوه في الحقائب هو كيس بلاستيكي من متجر أحذية معروف و حين توجهوا إليه قال ” رولف رورتفيدت ” إبن المالك أنه باع زوجًا من الأحذية إلي إمرأة جميلة المظهر و ذات شعر داكن و أنها إستغرقت وقتًا طويلاً في إختيار حذائها الذي تطابق بالفعل مع ما تم العثور عليه في مكان وفاة امرأة إسدال و من خلال ذلك الخيط تمكنوا من التوصل إلي أنها كانت تقيم في فندق قريب لكنهم وجدوا أنها سجلت وصولها تحت إسم مستعار و هو ” فينيلا رولتش ” .
و بتوسيع مجال البحث تم الوصول إلي أن إمرأة إسدال أقامت في عدد أخر من الفنادق النرويجية المختلفة قبل وفاتها لكنها كانت تستخدم في كل حالة إسمًا مستعارًا مختلفًا مثل ” جينيفيف لانسير ” و ” كلوديا تيلت ” و ” كلوديا نيلسن ” و ” أليكسيا زارني ميرشيز ” و ” فيرا جارلي ” و ” إليزابيث ليينهوفر ” كما تذكرتها نادلة بأحد الفنادق التي أقامت فيها إمرأة إسدال و قالت أن إنطباعها الأول عنها هو الأناقة و الثقة بالنفس و أضافت أنه في إحدى المرات و بينما كانت تخدمها في قاعة الطعام جلست بجوار إثنين من أفراد البحرية الألمانية أحدهما كان ضابطًا لكنها لم تتفاعل معهم و ربما تلك الإفادة وضعت فرضية أمام الشرطة بأنها جاسوسة و أن تحركاتها في خضم الحرب الباردة كانت تتزامن مع تجارب صاروخ البطريق النرويجي في الستينيات .
أقرأ أيضا : ماذا حدث لإليسا لام ؟ .. قصة أغرب حادث شهده المجتمع الأمريكي عبر تاريخه
و نتيجة عدم الوصول إلي خيوط جديدة تتعلق بإمرأة إسدال تم الإكتفاء بتقرير التشريح الذي رجح أنه من المحتمل أن تكون قد إنتحرت و تم إغلاق القضية عام 1971 و تشييع جثمانها في جنازة كاثوليكية حضرها ضباط الشرطة و لكن حتى مع إغلاق القضية رسميًا كان هناك أفراد غير مقتنعين بأن يكون الأمر مجرد إنتحار لذلك بعد 46 عامًا و في عام 2016 قررت الشرطة النرويجية إعادة فتح القضية على أمل أن تساعدهم التطورات الحديثة في تكنولوجيا الطب الشرعي و تحليل الحمض النووي في الإجابة على بعض الأسئلة العالقة في القضيةو هي من كانت تلك المرأة و لماذا كانت في ” النرويج ” و ما سبب وفاتها في عمق وادي إسدالين لذلك أنشأ العلماء ملفًا كاملاً للحمض النووي لإمرأة إسدال و عرفوا أنها من أصل أوروبي و قاموا بالتواصل مع قوات الشرطة في جميع أنحاء أوروبا للعثور على تطابق مع تلك العينات إلا أنه و حتي اللحظة لم يتم التوصل لأي شئ و لا تزال حتي اللحظة تلك القضية مفتوحة و تشكل تحديا للشرطة النرويجية .