في يوم 30 يناير عام 1948 أغتيل المهاتما غاندي الزعيم الروحي المعروف بإسم روح الهند العظيمة و بطل الحركة الهندية من أجل الإستقلال عن بريطانيا عن عمر يناهز 78 عامًا بعد أن قُتل بالرصاص في العاصمة نيودلهي علي يد متطرف هندوسي يدعي ناثورام جودسي أثناء إقامته لصلاته بزعم أنه كان تصالحياً للغاية مع الأقلية المسلمة الموجودة في شبه القارة الهندية و عقب مقتله عم الحزن في جميع أنحاء البلاد و أقيمت له جنازة كانت هي الأضخم في التاريخ و رغم إغتيال المهاتما غاندي و رحيله عن دنيانا إلا أنه إستمرت تكتيكاته في العصيان المدني التي إتبعها في إلهام قادة الحقوق المدنية في جميع أنحاء العالم .
يرجع تاريخ حادث إغتيال المهاتما غاندي إلي خلفية تاريخية بدأت بعد أن قضى معظم حياته في الدعوة إلى العصيان المدني (ساتياجراها) و الإحتجاجات السلمية كوسيلة للهند للحصول علي إستقلالها عن ” بريطانيا ” التي حكمت البلاد منذ عام 1858م ثم تحقق ما أراد في 15 أغسطس عام 1947 حين أُعلن الاستقلال أخيرًا بعد حوالي شهر من إقرار البرلمان البريطاني قانون إستقلال الهند الذي قسم الهند البريطانية إلي دولتين ” الهند ” و ” باكستان ” و هو ما أدي إلي نشوب حرب دينية عنيفة بين الهندوس و المسلمين أسفرت عن مقتل 2 مليون شخص و تسببت في نزوح أكثر من 15 مليون و وسط تزايد لأعمال العنف الطائفي سافر ” غاندي ” إلي ” نيودلهي ” عاصمة الهند للمشاركة في صيام من أجل السلام و قد إجتذب حضوره حشدًا كبيرا من الأتباع يتراوح ما بين عدة مئات إلي ألف شخص .
و في حوالي الساعة 5:15 مساءً غادر غاندي و حفيدتاه منزل ” بيرلا ” حيث كان يعيش بهدف قيادة أتباعه إلي معبد صيفي قريب و الذي غالبًا ما كان يؤدي فيه صلاته المسائية و أثناء ذلك إقترب منه شخص يدعي ” ناثورام جودسي ” و بشكل مفاجئ أطلق عليه من مسدس ذات عيار صغير كان يخفيه بين يديه المتشابكتين ثلاثة رصاصات من مسافة قريبة أصابت ” غاندي ” في أعلى الفخذ و البطن و الصدر و عندما سقط علي الأرض وضع يده على جبهته في لفتة التسامح الهندوسية و تم نقله سريعًا إلى منزل ” بيرلا ” و وضعه على الأريكة و دفن رأسه في حضن حفيدته ” ماني ” التي قالت للحشد بعد دقائق: “لقد إنتهى بابو” و يُزعم أن كلماته الأخيرة كانت “هو رام .. هو رام” أي (“يا الله، يا الله”) .
و إنتشرت أخبار حادث إغتيال المهاتما ” غاندي ” بسرعة كبيرة في جميع أنحاء الهند و هو الأمر الذي ولّد ردود فعل عنيفة في بعض الأحيان ففي بومباي (مومباي الآن) أدت أعمال الشغب إلى تأليب الهندوس الأصوليين على المسلمين المذعورين و في ” نيودلهي ” غادرت حشود من الناس منازلهم و متاجرهم حدادًا متجهين إلي منزل ” بيرلا ” كما تم إرسال قوات للحفاظ على النظام في عدد من المناطق و بعد ساعات قليلة من وفاة ” غاندي ” فُتحت نافذة الشرفة في منزل ” بيرلا ” و تم نقل جثة غاندي إلى الخارج و وضعها على كرسي في مواجهة الحشد و ألقى رئيس الوزراء ” جواهر لال نهرو ” خطابًا إذاعيًا في وقت لاحق من المساء أعلن فيه يوم حداد وطني و دعا إلي الهدوء حيث قال :
لقد انطفأ النور من حياتنا و أصبح الظلام في كل مكان و لا أعرف ماذا أقول لكم و كيف أقوله , إن زعيمنا الحبيب بابو كما كنا نسميه أبو الأمة لم يعد موجودا.. لن نستطيع أن نركض إليه مجددا للحصول على النصيحة و نطلب منه العزاء و هذه ضربة موجعة لنا .. لقد انطفأ النور …. النور الذي أضاء هذا البلد لسنوات عديدة سوف ينيرها مجددا لسنوات عديدة أخرى و بعد ألف عام سوف يرى هذا النور في هذا البلد و سوف يراه العالم و سوف يعطي العزاء لقلوب لا تعد و لا تحصى .
و في نهاية كلمته أبلغ ” نهرو ” المستمعين إلي أنه سيتم إخراج جثمان غاندي في تمام الساعة 11:30 صباحًا من اليوم التالي و نقله إلى ضفاف نهر يامونا أحد روافد نهر الجانج و حرقه هناك في الساعة 4 مساءً .
أما بالنسبة إلي قاتله ” ناثورام جودسي ” فقد كان من أتباع الأيديولوجية السياسية الأصولية اليمينية المعروفة بإسم ” هندوتفا ” و كان سبب قيامه بعملية إغتيال المهاتما غاندي هو إتهامه بمحاباة المسلمين في ” الهند ” و خلال التحقيق معه أعلن أنه غير نادم علي ما فعله و عليه تمت محاكمته من قبل محكمة خاصة داخل القلعة الحمراء التاريخية في مايو 1948 و عندما حان الوقت لكي يتحدث قرأ ” ناثورام جودسي ” إعترافًا مكونًا من 30 ألف كلمة علي مدار خمسة ساعات أشار فيه إلي أن مقتل غاندي كان لدوافع سياسية و حمله مسؤولية التقسيم و العنف الطائفي و بأنه أبو باكستان و قال أنه تصرف بمفرده علي الرغم من إدانة سبعة آخرين فيما بعد فيما يتعلق بجريمة إغتيال المهاتما غاندي و بعد إنتهاء المحاكمات تم إعدامه شنقا مع شريكه ” نارايان أبتي ” في 15 نوفمبر 1949 و حكم على الستة الآخرين بالسجن مدى الحياة.