منذ بدايات عالم السينما و حتي وقتنا الراهن كانت هناك شخصيات عظيمة ساهمت بشكل كبير في تشكيل هذا الفن الذي غير مجري التاريخ الإنساني و من بين تلك الأعلام يبرز إسم الفرنسية أليس جاي بلاش التي كان لها الفضل في صناعة أول فيلم روائي و إطلاق أستوديو لإنتاج الأعمال السينمائية حتي قبل ولادة هوليوود في الولايات المتحدة التي أصبحت لاحقا قبلة الفنانين العالميين لذلك فهي تعد واحدة من أهم الرواد في ذلك المجال خاصة بعد نجاحها في كسر الحواجز الإجتماعية و التقاليد حين أثبتت أن عالم الفن و الإبداع ليس حكرا علي الذكور فحسب و لكن هو مجال متاح للجميع طالما إمتلك الموهبة اللازمة لذلك .
بدأت قصة ” أليس جاي بلاش ” مع عالم السينما عام 1885 حين كانت فتاة تبلغ من العمر 21 عامًا و تجلس بجانب رئيسها ” ليون جومون ” في تجمع صغير بباريس حيث كان الأخوان لوميير يعرضان إختراعهم الجديد و هو السينماتوغراف الذي كان واحدًا من أوائل الأجهزة المتخصصة في عرض الأفلام و بينما كان الحضور منبهرين بالمشاهد علي الشاشة كانت ” أليس ” تفكر بطريقة مختلفة حيث قالت لنفسها بأنها تستطيع تقديم شيء أفضل لذلك لم تكتفي بمشاهدة الأفلام الوثائقية القصيرة التي كانت شائعة آنذاك بل قررت أن تضيف لمسة إبداعية عليها من خلال إنتاج أول فيلم روائي بعنوان “جنية الكرنب” و في ذلك الفيلم إستخدمت مشاهد مزخرفة و قصة بسيطة مما جعله يُعتبر من أوائل الأفلام الروائية في التاريخ .
و لعل ما ساعد ” أليس جاي بلاش ” في تلك الخطوة هو طبيعة عملها كسكرتيرة في شركة “Comptoir Général de la Photographie” المتخصصة في فنون التصوير و التي كان ” ليون جومون ” يديرها لذلك و نتيجة أفكارها الإبداعية سرعان ما أصبحت رئيسة قسم الإنتاج في الشركة و تمكنت من صناعة حوالي 700 فيلم خلال العقد التالي و تنوعت ما بين الأعمال الوثائقية و الدرامية و الكوميدية و حتى أفلام الخيال العلمي كما كانت أيضا رائدة في تطوير لغة السينما بعد أن استخدمت تقنيات تصوير مبتكرة مثل اللقطات المقربة و الحركة المستمرة للكاميرا و لقطات ردود الفعل و علي عكس الإعتقاد الشائع بأن فيلم “مغني الجاز” عام 1929 هو أول فيلم مزود بالصوت بدأت ” أليس ” بتجربة الأفلام الصوتية عام 1902 بإستخدام إختراع “الكرونوفون” الذي كان يزامن بين الصوت و الصورة و أخرجت و أنتجت حوالي 150 فيلمًا صوتيًا لتوضيح هذه التقنية .
و بحلول عام 1907 تزوجت ” أليس جاي بلاش ” من المصور ” هربرت بلاش ” الذي حصلت منه علي لقبها ثم إنتقلت معه من ” فرنسا ” إلي ” الولايات المتحدة ” حيث واجهت صراعًا شرسا مع المخترع ” توماس إديسون ” الذي حاول السيطرة علي صناعة السينما أنذاك من خلال إحتكاره للحقوق و نتيجة هذا الصراع قامت ” أليس ” بتأسيس استوديو ” سولاكس ” الذي أصبح أكبر استوديو في البلاد قبل ظهور هوليوود و من خلاله قامت بإخراج أكثر من 300 عمل سينمائي من بينها فيلم حمل عنوان ” الأبله و أمواله ” A Fool and His Money الذي يُعتبر أول فيلم بطاقم عمل أمريكي من أصل أفريقي .
و مع بداية الحرب العالمية الأولي تدهورت أوضاع استوديوهات ” سولاكس ” بسبب نقص التمويل و القيود التي فرضتها شركة ” إديسون ” لذلك عادت ” أليس جاي بلاش ” إلي ” فرنسا ” بعد إفلاسها و علي الرغم من شهرتها في عالم السينما إلا أنها واجهت صعوبة في العثور علي عمل كمخرجة و بعد سنوات من البحث إكتشفت أن معظم أفلامها قد فُقدت و لكنها لم تستسلم و ظلت تكافح للحفاظ علي إرثها السينمائي و رغم تكريمها عام 1953 بوسام جوقة الشرف الفرنسية إلا أنها بقيت شخصية منسية حتى تسعينيات القرن العشرين عندما بدأت الدراسات و الأفلام الوثائقية في تسليط الضوء علي إنجازاتها .
إقرأ أيضا : هيدي لامار أسطورة هوليوود السينمائية و المبتكرة التي مهدت الطريق لإختراع الواي فاي
و في عام 1968 توفيت ” أليس جاي بلاش ” عن عمر يناهز 94 عامًا بولاية نيوجيرسي الأمريكية و رغم أنها كانت تعتقد أن حياتها ربما كانت فاشلة بعد أن تم العثور علي 100 فيلم فقط من بين ألف فيلم قامت بإخراجه و إنتاجه إلا أن إرثها أثبت عكس ذلك لأنه اليوم تعتبر واحدة من أعظم الرواد في تاريخ السينما بعد أن ساهمت بإبداعها و أفكارها و مجهودها في تمهيد الطريق للأجيال القادمة المهتمة بذلك المجال .