البنتاجون هو المقر الرئيسي لوزارة الدفاع الأمريكية و المكون من مبنى ضخم خماسي الشكل من الخرسانة و الصلب و يعتبر رمز للقوة العسكرية الأمريكية و تم البدء فى بناءه خلال الحرب العالمية الثانية في مقاطعة أرلينجتون بولاية فيرجينيا القريبة من العاصمة واشنطن على مساحة ضخمة تبلغ 150 فدانًا و 60 هكتارًا و هو ما جعله أكبر مبنى للمكاتب في العالم حيث يعمل فيه ما يقرب من 23000 موظف عسكري و مدني مع 3000 عنصر دعم غير دفاعي موزعين علي خمسة طوابق فوق الأرض و طابقين سفليين و خمسة ممرات دائرية لكل طابق بإجمالي طول 28.2 كم أما ساحته المركزية فيطلق عليها إسم جراوند زيرو لأنه يقدر أن تكون هدفًا رئيسيًا حال نشوب أى حرب نووية و منذ بناء البنتاجون لم يتعرض مبناه لخطر حقيقي سوى خلال هجمات 11 سبتمبر حين ضربت طائرة مخطوفة أحد أضلاع المبنى و أسفرت عن مقتل 189 شخصًا و إلحاق أضرار جسيمة بثلثه .
تاريخ مبني البنتاجون
في 27 مايو عام 1941 و بعد ثلاثة أسابيع من هجوم “ألمانيا” المفاجئ على “الاتحاد السوفيتي” أعلن الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” حالة الطوارئ الوطنية حيث كانت الحرب العالمية الثانية فى أوج ذروتها و كانت ألمانيا النازية بقيادة “أدولف هتلر” قد احتلت بالفعل جزءًا كبيرًا من قارة أوروبا لذلك كانت وزارة الحرب الأمريكية تعمل كخلية نحل حيث انتشر ما يقرب من 24 ألف فرد فى 17 مبنى في “واشنطن” العاصمة و مع تطورات الحرب كان من المتوقع أن تزداد تلك الأعداد الى 30 ألف فرد بحلول بداية العام التالي و نظرا لذلك كان الرئيس “روزفلت” قد وافق شخصيًا على بناء منشأة عسكرية جديدة لإدارة الحرب في حي “فوجي بوتوم” بالمدينة بتكلفة 18 مليون دولار و كان من المقرر افتتاحها في يونيو عام 1941 و لكن بحلول ذلك الوقت كان المبنى صغيرًا جدًا (في عام 1947 أصبح المقر الرئيسي لوزارة الخارجية الأمريكية) لذلك لجأ الجنرال “جورج مارشال” رئيس أركان الجيش إلى العميد “بريون سومرفيل” رئيس قسم البناء بالجيش الأمريكي من أجل إيجاد حل لتلك المشكلة حيث أقترح ” سومرفيل ” فكرة جريئة و هى بناء مقر كبير بما يكفي لإستيعاب 40 ألف شخص على مساحة 620 ألف متر مربع من المساحات المكتبية و نظرا لأنه لا يمكن لمبنى بهذا الحجم أن يتناسب مع العاصمة “واشنطن” قرر إختيار موقعًا عبر نهر بوتوماك في ولاية “فيرجينيا” شرق مقبرة أرلينجتون الوطنية .
و تحت إشراف العميد ” بريون سومرفيل ” تم البدء فى وضع تصميمات مبني البنتاجون الذى كان من لمسات المهندس المعماري ” جى أيدوين بيرجستروم ” و الذى أجبرته طبيعة الموقع إستخدام تصميم خماسي الشكل و لكن غير متماثل الأضلاع و فى نفس الوقت أشترط “سومرفيل” أن يكون البنتاجون مبنى لا يمكن أن يزيد ارتفاعه عن أربعة طوابق و ذلك لإستيعاب ندرة الفولاذ في زمن الحرب الدائرة و لمنع حجب مدينة “واشنطن” العاصمة للمقيمين فى تلك المنطقة و بعد ذلك أقر مجلس النواب التشريع اللازم للمشروع في 28 يوليو عام 1941 تلاه مجلس الشيوخ في 14 أغسطس و بحلول ذلك الوقت نشأ الجدل حول حجم المبنى بالإضافة إلى موقعه القريب جدًا من الأرض المقدسة لمقبرة أرلينجتون الوطنية و نتيجة ضغوط من المعارضة أعلن الرئيس “روزفلت” أنه يجب نقل المشروع إلى مكان أخر مجاور للموقع المشار إليه بجوار مطار “واشنطن هوفر” كما أعطى تعليمات إلى “سومرفيل” لتقليص حجم المبنى قليلا .
و نظرا لنقل المبنى الى منطقة أخرى و المعروفة بـ ” هيل بوتوم ” فقد كان موقعها مريح للمصمم ” بيرجستروم ” الذى قرر أن يكون مبنى البنتاجون خماسي الشكل و لكن متماثل الأضلاع تلك المرة لأن الظروف المحيطة به قد ساعدته على ذلك كما وضع خماسيات متعددة متحدة المركز داخل بعضها البعض و متداخلة مع الممرات و تحيط بالفناء المركزي حيث أستدعى المصمم خلال الإنشائات شكل الحصون التقليدية بالإضافة إلى أسوار حقبة الحرب الأهلية و تم الشروع في تنفيذ بناء البنتاجون في يوم 11 سبتمبر عام 1941 و بحلول أوائل ديسمبر كان هناك 3000 عامل في الموقع يعملون تحت إشراف العقيد “ليزلي جروفز ” الذي تم اختياره لاحقًا لرئاسة مشروع مانهاتن و بناء القنبلة الذرية التى ألقيت على مدينتى هيروشيما و ناجازاكي و رغم العمل الشاق الا أن البناء كان لا يزال متأخرًا عن الموعد المحدد .
و في يوم 7 ديسمبر هاجمت “اليابان” ميناء “بيرل هاربور” و دخلت “الولايات المتحدة” رسميا الحرب و أدى ذلك الى منح “سومرفيل” الحرية لتوسيع مشروعه حيث تم رفع جدول البناء الضيق بالفعل و العمل على مبني أكبر و بحلول شهر مارس عام 1942 كان هناك أكثر من 10000 شخص يعملون في الموقع و في إحدى المراحل الخاصة بالبناء أرتفع العدد ليصل الى 15000 شخص يعملون فى ثلاث نوبات على مدار 24 ساعة في اليوم منها ورديات كانت تحت الأضواء الكاشفة التي تضيء الموقع ليلاً و فور الإنتهاء من تشييده أنتقل موظفى البنتاجون الأوائل إلى العمل فيه يوم 30 أبريل عام 1942 ثم تم افتتاح المبنى رسميًا في 14 يناير عام 1943 بكلفة ضخمة حيث تم رصد مبلغ 35 مليون دولار و لكن خلال عملية التشييد إزدادت الكلفة حتى وصلت الى 75 مليون دولار و يقول البعض أنها كانت أعلى من ذلك بكثير .
و بعد أنتهاء الحرب تساءل الكثيرين عما يجب فعله بمبنى البنتاجون حيث كان الرأي السائد أن وزارة الحرب لن تحتاج إلى مبنى بهذا الحجم في وقت السلم و أقترح البعض تحويله إلى مستشفى أو جامعة أو مقر لإدارة المحاربين القدامى لكن الجيش الأمريكي لم يكن لديه نية للتخلي عنه لذلك و في سبتمبر عام 1947 أقر الكونجرس قانون الأمن القومي و هو ما أدى إلى أكبر عملية إعادة تنظيم عسكرية في التاريخ الأمريكي من خلال وضع أسس جديدة للمؤسسة العسكرية و فصل سلاح الجو عن الجيش و تأسيس هيئة الأركان المشتركة و إنشاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) و مجلس الأمن القومي و أصبح البنتاجون هو رأس حربة الولايات المتحدة خلال مرحلة الحرب الباردة بعد أن تفكك التحالف في زمن الحرب مع الاتحاد السوفيتي و تحول الى منافسة شرسة يغذيها سباق التسلح النووي و العدد المتزايد من الالتزامات الأمنية الأمريكية حولها.
و لتوفير مركز قوي للمؤسسة العسكرية أراد الرئيس “هاري ترومان” أن يكون مقر القوات البحرية و الجيش و القوات الجوية في البنتاجون و تولى “جيمس فورستال” أول وزير دفاع للأمة تلك المهمة الضخمة و على الرغم من أن الكثيرين سيتذكرونه على أنه “الأب الروحي” لدولة الأمن القومي إلا أن الضغط الكبير الناجم عن تلك الوظيفة أدى إلى تفاقم مرضه العقلي و سرعان ما ظهرت عليه علامات تدهور لا لبس فيها دفع الرئيس ” ترومان ” الى استبداله بـ “لويس جونسون” في يناير 1949 و أصيب “فورستال” بإنهيار عصبي و بعد أربعة أشهر أنتحر و على الرغم من هذه البداية المشؤومة لكن المؤسسة العسكرية استمرت في ترسيخ نفسها خاصة بعد أغسطس عام 1949 عندما فجر “الاتحاد السوفيتي” قنبلة ذرية في منطقة سيبيريا و توقيع ترومان قانونًا يمنح وزير الدفاع سلطة كاملة على القوات المسلحة و يعيد تسمية المؤسسة العسكرية الوطنية بوزارة الدفاع .
و في أعقاب غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية في يونيو عام 1950 أرتفع عدد موظفى البنتاجون إلى أعلى مستوياته و وصل في النهاية إلى 33000 موظف و بحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب الكورية أصبح المبنى نقطة جذب سياحي حيث كان الناس يتجولون في أراضيه و ساحة الفناء الداخلية و يحدقون في حجمه الهائل و أصبح رمزًا لا لبس فيه للهيمنة العسكرية الأمريكية المتزايدة في العالم و هو تطور لافت أحتفى به الكثيرين من الأمريكيين .
و خلال فترة الإنتشار العسكري الأمريكي الواسعة النطاق عام 1990 و مع إطلاق عملية عاصفة الصحراء في حرب الخليج الثانية أصبح من الواضح بشكل متزايد أن البنية التحتية القديمة لمبنى البنتاجون الذى تم إعلانه معلمًا تاريخيًا وطنيًا عام 1992 بحاجة إلى تجديد شامل لمواجهة تحديات العصر الجديد حيث بدأ العمل بتجديده و ترميمه فى أكتوبر عام 1994 بعد أن وافق الكونجرس على تخصيص أكثر من مليار دولار لهذا الجهد ثم تجاوزت عملية التجديد الجدول الزمني الأصلي و أيضا الميزانية خاصة بعد تكثيف الاحتياطات الأمنية بعد تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في “كينيا” و “تنزانيا” عام 1998.
أبرز الأحداث التى مرت على مبنى البنتاجون
شهد مبنى البنتاجون على مدار تاريخه عدد من الاحداث التى لا تنسى و تم تسجيلها و توثيقها فى صفحات التاريخ بعضها كان سلميا و الأخر دمويا حيث كانت الأحداث كما يلي :
مسيرات متظاهرين حرب فيتنام فى الستينيات
في 21 أكتوبر عام 1967 و في ذروة تورط “الولايات المتحدة” المثير للجدل في حرب فيتنام أحتشد حوالي 35000 متظاهر مناهض للحرب حول نصب لنكولن التذكاري و ساروا عبر الجسر التذكاري باتجاه البنتاجون و في غضون ذلك تجمع أكثر من 2000 جندي فيدرالي داخل المبنى مسلحين بالغاز المسيل للدموع و عندما أندفع الحشد نحو المبنى قابلهم الجنود بحراب مثبتة في بنادقهم و أندلعت أعمال عنف فى المكان و بحلول الوقت الذي تم فيه إعتقال آخر المتظاهرين كانت القوات المدافعة عن المبنى أتمت مهمتها بنجاح كبير خاصة أنه لم يُقتل أحد و لم يتم إطلاق رصاصة واحدة و مع ذلك أدى الحادث إلى تفاقم العلاقات بين المتظاهرين المناهضين للحرب و الحكومة ففي مايو عام 1972 قامت مجموعة مناهضة للحرب بوضع قنبلة في دورة مياه للنساء في البنتاجون و أنفجرت في الساعة الواحدة صباحًا و لحسن الحظ لم تصب أحدًا و لكنها تسببت في أضرار بنحو 75 ألف دولار .
هجمات 11 سبتمبر
بحلول 11 سبتمبر عام 2001 كانت تجرى فى مبنى البنتاجون أعمال ترميم في مراحلها النهائية و في ذلك اليوم بعد وقت قصير من الهجوم على مركز التجارة العالمي في مدينة “نيويورك” تحطمت طائرة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 77 في الجدار الغربي بالطابق الأول لمبنى البنتاجون في الساعة 9:37 صباحًا حيث كانت تلك الطائرة التى تم إختطافها تسير بسرعة 850 كيلومتر فى الساعة وقت حدوث الاصطدام و قد أحدثت إصابة جسيمة بعرض 27.5 متر و عمق 9 أمتار مما أدى إلى حدوث ثقب فى الحلقات الخارجية الثلاثة للمبنى و أشتعلت النيران الناتجة عن ذلك لمدة 36 ساعة و بحلول الوقت الذي تم إخماده مات 189 شخصًا منهم 135 عاملاً في البنتاجون و 64 شخصًا على متن الطائرة (بما في ذلك الخاطفين الخمسة) .
بعد ذلك بدأت مبادرة إصلاح و تجديد المبني بقيمة 501 مليون دولار أطلق عليها اسم “مشروع فينيكس” و في أوائل أكتوبر عام 2001 أعلن قائدها ” لي إيفي ” أن الهدف هو الانتهاء من الإصلاحات بحلول 11 سبتمبر 2002 و فى نفس الوقت كان العمل داخل المبنى على قدم ساق لمطاردة القاعدة في “أفغانستان ” و الاستعداد للحرب القادمة في “العراق” ثم تم الانتهاء من مشروع ” فينيكس ” رسميًا في فبراير عام 2003 بتكلفة إجمالية تبلغ حوالي 5 مليارات دولار و تضمنت التجديدات ترقيات أمنية شاملة بما في ذلك نقل مراكز قيادة وزارة الدفاع إلى الطابق السفلي .