نهر الأمازون هو واحد من أكبر الانهار و شريان الحياة لأكبر نظام بيئي في العالم و يمتد على خمسى قارة أمريكا الجنوبية و يعد موطن لمجموعة كبيرة و متنوعة من الحيوانات و النباتات التي تعيش في بيئتها دائمة الخضرة كما أنه من أغزر الأنهار حيث يبلغ إجمالي تدفقاته ستة أضعاف التدفق الإجمالي للأنهار الستة الأخرى مجتمعة اضافة الى امتلاكه أكبر حوض تصريف في العالم بسبب أبعاده الشاسعة و يمتد نهر الأمازون على مسافة 6400 كيلومتر مما يجعله ثاني أطول نهر فى العالم بعد نهر النيل فى قارة أفريقيا و تم استكشافه من قبل الأوروبيين خلال القرن السادس عشر و الذين استخدموه فى عمليات النقل و التجارة عبر القوارب و البواخر و في السنوات الأخيرة سعت البرازيل إلى الحفاظ على حوض الأمازون خاليًا من الاستغلال الأجنبي و جعل موارده لمواطنيها و اليوم يتعرض ذلك النهر لمخاطر بيئية بسبب إزالة الغابات و نقص الفهم العام لأهمية هذه المنطقة النائية على حياة البشر .
نهر الأمازون جغرافيا
يتميز نهر الأمازون و روافده خلال موسم الأمطار بأنه يغطى المناطق المحيطة به بالمياه بمقدار ثلاثة أضعاف عنها فى موسم الجفاف الذى فيه تغطي المياه مساحة 110 ألف كيلومتر مربع من الأراضي بينما ترتفع في موسم الأمطار في حوض الأمازون إلى 350 ألف كيلومتر مربع و يمكن أن يصل عرض نهر الأمازون عند أوسع نقطة له 11 كيلومترًا خلال فترة الجفاف و لكن خلال موسم الأمطار عندما يغمر نهر الأمازون السهول المحيطة يمكن أن يصل عرضه إلى 40 كيلومترًا كما تعتبر كمية المياه العذبة التي يطلقها نهر الأمازون في المحيط الأطلسي هائلة جدا تصل إلى 300 ألف متر مربع في الثانية خلال موسم الأمطار و هو المسؤول عن خمس الحجم الإجمالي للمياه العذبة التي تدخل المحيطات في جميع أنحاء العالم مما يجعل ملوحته تنخفض بشكل ملحوظ لمسافة 160 كيلومتر في البحر .
و يبلغ عرض مصب نهر الأمازون أكثر من 325 كيلومترًا و النهر الرئيسي منه الذي يتراوح عرضه ما بين 1.6 الى 10 كيلومترات صالح للملاحة بواسطة السفن البخارية الكبيرة في “البرازيل” و يمكن أن تصل سفن المحيط الصغيرة عبره الى “بيرو”على بعد 3600 كيلومتر من البحر و هو نهر يحتل مساحة 7 مليون كيلومتر مربع تقريبا أى يقرب من 40 في المائة من مساحة أمريكا الجنوبية و تتجمع مياهه من خط عرض 5 درجات شمالاً إلى خط عرض 20 درجة جنوباً و يوجد أبعد مصادره في هضبة واقعة بين جبال الأنديز على بعد مسافة قصيرة من المحيط الهادئ و بعد التجول في المناطق الداخلية من “بيرو” و عبر “البرازيل” يدخل المحيط الأطلسي عند خط الاستواء.
منبع النهر و أعالى الأمازون
يتكون أعالي نهر الأمازون من سلسلة من أنظمة أنهار رئيسية في “بيرو” تتدفق شمالًا و جنوبًا في نهر “مارانيون” و تشمل هذه الأنهار التالية ” مورونا و باستازا و نوكوراي و يوريتوياكو و شامبيرا و تيجري و ناناي و نابو و هوالاجا و أوكايالي ” و التى نشأت في جبال الأنديز المكسوة بالثلوج فوق بحيرة لوريكوشا في وسط “بيرو ” و يندفع نهر “مارانيون” عبر الشلالات و الوديان في منطقة من الأدغال المرتفعة تسمى “بونجوس” و يتدفق على طول 1600 كيلومتر من غرب وسط إلى شمال شرق “بيرو” قبل أن يتحد مع نهر “أوكايالي” أسفل بلدة “ناوتا” الإقليمية لتشكيل رافد قوى من نهر الأمازون .
و من خلال الاستكشافات تم تأكيد أن المنبع الأبعد لمنطقة الأمازون يقع على قمة مغطاة بالثلوج يبلغ ارتفاعها 5597 مترًا تسمى “نيفادو ميسمي” في جبال الأنديز في “بيرو” على بعد 160 كيلومترًا تقريبًا غرب بحيرة تيتيكاكا و 700 كيلومتر جنوب شرق العاصمة “ليما” حيث تتدفق المياه من تلك القمة و تنضم الى نهر ” ريو ابيوريماك ” و هو أحد روافد “أوكايالى” الذى ينضم بدوره لاحقًا إلى نهر ” مارانيون ” لتشكيل نهر الأمازون الذى يطلق عليها أحيانا ” نهر سوليموس ” على الحدود الثلاثية بين “بيرو و كولومبيا و البرازيل ” اما بالنسبة لنقطة التقاء رافدي “ريو أبوريماك و أوكايالي ” فيتحول النهر من تضاريس الأنديز ليحيط به سهل فيضى و حتى نهر “مارانيون” و لا يتم مقاطعة ضفاف النهر المنخفضة إلا من خلال عدد قليل من التلال ثم يدخل النهر في غابات الأمازون المطيرة الهائلة .
و تسمى أنظمة الأنهار و السهول الفيضية الموجودة فى الدول الست المطلة على نهر الامازون و هم “البرازيل و بيرو و الإكوادور و كولومبيا و فنزويلا و بوليفيا ” و التي تصب مياهها في نهر سوليموس و روافده بمنطقة الأمازون العليا .
نحو البحر
يبلغ عرض نهر الأمازون في بعض الاماكن بتلك المنطقة من ستة إلى عشرة كيلومترات و ينقسم فيها النهر إلى مجريين رئيسيين مع قنوات داخلية و جانبية و كلها متصلة بنظام معقد من القنوات الطبيعية و عند في مضيق “بارا أوبيدوس” على بعد 600 كيلومتر من البحر يضيق النهر و يتدفق في مجرى واحد بعرض 1.6 كيلومتر و عمق أكثر من 60 مترًا و تتدفق خلاله المياه نحو البحر بسرعة تتراوح ما بين 6 إلى 8 كيلومترات في الساعة و من قرية “كناريا” عند المنعطف الكبير لغابات الأمازون إلى “نيجرو” على بعد 1000 كيلومتر في اتجاه مجرى النهر لا يتم العثور إلا على أراض منخفضة للغاية تشبه تلك الموجودة عند مصب النهر و هى مناطق شاسعة من الأرض مغمورة بالمياه العالية و التي يظهر فوقها فقط الجزء العلوي من أشجار الغابات و في الروافد السفلية للنهر تتكون الضفة الشمالية من سلسلة من التلال شديدة الانحدار .
المصب
يُقاس عرض مصب نهر الأمازون عادةً من “كابو دو نورتي” إلى “بونتو باتيجوكا” و هي مسافة تبلغ حوالي 330 كيلومترًا لأنه يشمل منفذ المحيط الذي يبلغ عرضه 60 كيلومترًا لنهر “بارا” و أيضًا واجهة المحيط لجزيرة “ماراجو” و هي جزيرة بحجم دولة “الدانمارك” تقريبًا و تقع في مصب الأمازون .
و بعد الساحل إلى الشمال قليلاً من “كابو دو نورتي” و على مسافة 160 كيلومترًا على طول هامش “جويانا” أعلى الأمازون يوجد حزام من الجزر نصف المغمورة و شواطئ رملية ضحلة و فى ذلك المكان تحدث ظاهرة المد و الجزر المسماة بتجويف المد و الجزر حيث لا تزيد الأعماق عن 7 أمتار و يتسبب ذلك التجويف فى عدم وجود دلتا فى نهر الأمازون حيث يمنع المحيط تراكم الحجم الهائل من الطمي الذي يحمله الأمازون مما يجعل من المستحيل على الدلتا أن تنمو .
غابات نهر الامازون و الحياة البرية
من شرق جبال الأنديز تبدأ غابات الأمازون المطيرة التى تعتبر أكبر غابة مطيرة في العالم و لها أهمية بيئية كبيرة كبرى حيث أن كتلتها الحيوية قادرة على امتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون و لذلك فإن أخلاقيات الحفاظ على غابات الأمازون المطيرة هي قضية رئيسية تهم جميع دول العالم .
و يعتبر التنوع البيولوجي داخل الغابات المطيرة غير عادي فالمنطقة هى موطن لما لا يقل عن 2.5 مليون نوع من الحشرات و عشرات الآلاف من النباتات و حوالي 2000 من الطيور و الثدييات و يمكن العثور على خُمس جميع أنواع الطيور في العالم في غابات الأمازون المطيرة كما أن تنوع الأنواع النباتية في حوض الأمازون هو الأعلى على وجه الأرض حيث يقدر بعض الخبراء أن كيلومترًا مربعًا واحدًا قد يحتوي على أكثر من 75000 نوع من الأشجار و 150000 نوع من النباتات العليا كما يمكن أن يحتوي الكيلومتر المربع الواحد من غابات الأمازون المطيرة على حوالي 90 ألف طن من النباتات الحية .
و بجانب الحياة النباتية فتدعم مياه نهر الأمازون مجموعة متنوعة من الحياة البرية الفريدة فبجانب نهر أورينوكو يعتبر الأمازون أحد الموائل الرئيسية لدولفين نهر الأمازون أكبر أنواع الدلافين النهرية الذى يمكن أن ينمو لأطوال تصل إلى 2.6 متر كما توجد أيضًا بأعداد كبيرة سمكة البيرانا سيئة السمعة و هي أسماك آكلة للحوم تتجمع في جماعات كبيرة و قد تهاجم الماشية و حتى البشر و مع ذلك يعتقد الخبراء أن سمعتهم المرتبطة بالشراسة ليس لها أساس حيث من المعروف أن عددًا قليلاً فقط من تلك الأنواع هو من يهاجم البشر و الكثير منهم يأكلون السمك فقط كما تم العثور فى حوض الأمازون على ثعبان الأناكوندا في المياه الضحلة و هو يعد أحد أكبر أنواع الثعابين في العالم و يقضي معظم وقته في الماء مع اخراج فتحتي أنفه فقط فوق سطحها و من المعروف أنه قد يهاجم الصيادين من حين لآخر كما يدعم النهر ألاف الأنواع من الأسماك و السلاحف .
تاريخ نهر الأمازون
قبل غزو أمريكا الجنوبية لم يكن لنهر الامازون اسم عام و بدلاً من ذلك كان لدى الشعوب الأصلية أسماء لأجزاء النهر التي احتلوها مثل “باراناجوازو و جويرما و سوليموس ” و غيرها و في عام 1500 أصبح “فيسينتي يانييز بينزون” الذى قاد بعثة إسبانية هو أول أوروبي يستكشف النهر من عند المصب حيث اكتشف أن المحيط قبالة الشاطئ عبارة عن مياه عذبة و أطلق على النهر اسم ” ريو سانتا ماريا دى لامار دولسي ” و الذي سرعان ما أصبح اسما مختصرًاو هو “مار دولسي ” و لعدة سنوات بعد عام 1502 عُرف النهر باسم ” ريو جراندى ” و بعد ذلك برز اسم أمازون بعد معركة خاضها “فرانسيسكو دي أوريلانا” مع قبيلة “تابوياس” حيث قاتلت نساء القبيلة جنبًا إلى جنب مع الرجال كما كانت العادة فى تلك القبيلة و عليه اأطلق ” أوريلانا ” عليهم لفظ الامازونيات من الأمازونيات القديمة في قارتي آسيا و أفريقيا الذين وصفهم “هيرودوت و ديودوروس” كما كان ” أوريلانا ” أيضا هو أول أوربي ينزل من منطقة الأمازون فى رحلة بدأت عام 1541 من أعالى جبال الأنديز و انتهت إلى مصبه فى المحيط الاطلسي و بعدها قام البرتغالى “بيدرو تيكسيرا” بالصعود الأول للنهر عام 1638 فى رحلة معاكسة لمسار ” أوريلانا ” و وصل إلى “كيتو” عن طريق نهر نابو .
و لمدة 350 عامًا بعد اكتشاف ” بينزون ” لمنطقة الأمازون ظل الجزء البرتغالي من الحوض عبارة عن برية يحتلها السكان الأصليون و في ما يعرف حاليًا بدول “البرازيل و الإكوادور و بوليفيا و كولومبيا و بيرو و فنزويلا” تم إنشاء عدد من المستوطنات الاستعمارية و الدينية على طول ضفاف الأنهار و الروافد الأولية بغرض التجارة و العبودية و التبشير بين الشعوب الأصلية المتوحشة التى عاشت فى الغابة المطيرة الشاسعة و ربما كان إجمالي عدد سكان الجزء البرازيلي من حوض الأمازون عام 1850 نحو 300 ألف نسمة ثلثيهم تقريبًا من الأوروبيين و العبيد الذين بلغ عددهم حوالي 25 ألفًا و فى ذلك العام أيضا وافق الإمبراطور “دوم بيدرو” الثاني على قانون يسمح بالملاحة البخارية في نهر الأمازون و التى اقتصرت فى البداية على النهر الرئيسي من خلال شركة ” امازوناس ” ثم بعدها بدأت الملاحة أيضا فى عدد من روافده و نتيجة نجاح ذلك المشروع بدأ يزداد الانتباه إلى فرص الاستغلال الاقتصادي لتلك المنطقة و بدأت الشركات الاخرى فى الدخول و المنافسة مع ” امازوناس ” التى بدأت بدورها فى زيادة أسطولها و في الوقت نفسه كان الأفراد العاديين يقومون ببناء و تشغيل قوارب بخارية صغيرة خاصة بهم على النهر الرئيسي و كذلك على العديد من روافده .
و بحلول أواخر يوليو عام 1867 أصدرت حكومة “البرازيل” نتيجة ضغط مستمر من الدول التي تطوق حوض الأمازون العلوي و خاصة “بيرو” مرسومًا بفتح الأمازون للملاحة لجميع الدول لكنها اقتصرت ذلك على بعض النقاط المحددة منه و بحلول مطلع القرن العشرين كانت الصادرات الرئيسية لحوض الأمازون هي المطاط و الكاكاو و الجوز البرازيلي مع عدد قليل من المنتجات الأخرى ذات الأهمية الثانوية مثل الجلود و منتجات الغابات مثل الراتنجات و اللحاء و الأراجيح المنسوجة و الطيور الثمينة و الحيوانات الحية و البضائع المستخرجة مثل الخشب و الذهب.
و خلال أربعينيات القرن العشرين نتيجة الحذر من الاستغلال الأجنبي لموارد الأمة شرعت الحكومات البرازيلية المتعاقبة في تطوير المناطق الداخلية بعيدًا عن الساحل التى يمتلك فيها الأجانب مساحات كبيرة من الأرض كما ساهم بناء العاصمة الجديدة “برازيليا” في الداخل عام 1960 في فتح حوض الأمازون الذى شهد برنامج استعمار واسع النطاق من خلال انتقال عائلات من شمال شرق البرازيل إلى الغابات بتشجيع من الحكومة مع وعود منها بامتلاك أراضى رخيصة و بدأت تنمو العديد من المستوطنات على طول الطريق من “برازيليا” إلى “بيليم ” و استمرت خطط التنمية طويلة المدى و تم انشاء الطرق عبر الغابات و في عام 1970 بدأ العمل على شبكة الطريق السريع العابر للأمازون و تم الانتهاء من الطرق السريعة الثلاثة الرائدة لتلك لشبكة في غضون عشر سنوات و ربط جميع المدن الرئيسية في منطقة الأمازون البرازيلية .
و نظرا لزيادة نشاط تربية الماشية فى تلك المنطقة بعد أن قدمت الحكومات العسكرية فى الستينيات و السبعينيات دعما كبيرا لانشاء مزارع ضخمة فقد أدى ذلك الى إزالة الغابات و لذلك فمع حلول ثمانينيات القرن الماضي كان معدل تدمير الغابات المطيرة مذهلاً و تشير التقديرات إلى أن أكثر من خمس المساحة الإجمالية للغابات المطيرة أصبحت الآن واضحة المعالم و أصبح امكانية الحفاظ على الأجزاء المتبقية منه مصدر قلق أكبر من أي وقت مضى .