قارة أوروبا شبه جزيرة و تعتبر قارة في حد ذاتها لمساحتها الشاسعة و تاريخها و تقاليدها و هى تغطى 2 بالمئة من إجمالى مساحة كوكب الأرض و 6.8 بالمئة من إجمالي مساحة اليابسة و هو ما يجعلها ثاني أصغر قارة فى العالم بعد أوقيانوسيا و تعد أراضيها جزء من أوراسيا و تقع بالكامل في نصف الكرة الشمالي و معظم نصف الكرة الشرقي و تشترك في مساحة اليابسة القارية مع كل من قارتي أفريقيا و أسيا حيث يحدها المحيط المتجمد الشمالي من الشمال و المحيط الأطلسي من الغرب و البحر الأبيض المتوسط من الجنوب و قارة أسيا من الشرق التى تعتبر مفصولة عنها بشكل عام عن طريق جبال و نهر الأورال و بحر قزوين و القوقاز الكبرى و البحر الأسود و الممرات المائية للمضائق التركية , و تعتبر الثقافة الأوروبية فى تلك القارة هي أصل الحضارة الغربية التي ترجع أصولها إلى اليونان و روما القديمة ثم دخلت فى مرحلة القرون الوسطي و عصور النهضة الذى سادت فيها نزعة الاستكشاف على يد إسبانيا و البرتغال اضافة الى الاهتمام بالفنون و العلوم حيث كانت كلها عوامل ساهمت جميعها فى الانتقال الى العصور الحديثة الذى لعبت فيه قارة أوروبا دورًا مهيمنًا في الشؤون العالمية فى الفترة ما بين القرنين السادس عشر و العشرين بعد استعمار دولها في أوقات مختلفة الأمريكتين و تقريبًا كل إفريقيا و أوقيانوسيا و معظم آسيا .
و كان التعريف السائد لقارة أوروبا كمصطلح جغرافي قيد الاستخدام منذ منتصف القرن التاسع عشر و هى قارة محاطة بمسطحات مائية كبيرة من الشمال و الغرب و الجنوب و فيها يتم تجميع الجزر بشكل عام مع أقرب مساحة قارية لها و بالتالي تعتبر “أيسلندا” جزءًا من قارة أوروبا بينما يتم تخصيص جزيرة “جرينلاند” المجاورة عادةً لأمريكا الشمالية على الرغم من انتمائها السياسي إلى “الدانمارك” و مع ذلك هناك بعض الاستثناءات على أساس الاختلافات الاجتماعية و السياسية و الثقافية فرغم أن دولة “قبرص” هي الأقرب إلى الأناضول (أو آسيا الصغرى) لكنها تعتبر جزءًا من أوروبا سياسيًا و دولة عضو في الاتحاد الأوروبي كما أن “مالطا” جزيرة شمال غرب إفريقيا لعدة قرون لكنها الآن تعتبر جزءًا من أوروبا أيضًا .
و تبلغ المساحة الإجمالية لأوروبا ما يقرب من 10.2 مليون كيلومتر مربع و تعتبر ” روسيا ” هى أكبر دولها من حيث المساحة تليها “أوكرانيا” ثم “فرنسا” و بعدها “إسبانيا” بينما أصغر دول قارة أوروبا هي “الفاتيكان” و التى تقع داخل الأراضى الإيطالية ثم يليها “موناكو” و “سان مارينو” و “ليختنشتاين” .
و تقسم قارة أوروبا إلى سبع مناطق جغرافية حيث تضم منطقة دول الشمال “أيسلندا و النرويج و السويد و فنلندا و الدانمارك” بينما تحتوى منطقة الجزر البريطانية على “المملكة المتحدة و أيرلندا” و منطقة أوروبا الغربية “فرنسا و بلجيكا و هولندا و لوكسمبورغ و موناكو” و منطقة جنوب أوروبا و تضم ” البرتغال و إسبانيا و أندورا و إيطاليا و مالطا و سان مارينو و الفاتيكان ” أما منطقة أوروبا الوسطى فبها دول ” ألمانيا و سويسرا و ليختنشتاين و النمسا و بولندا و جمهورية التشيك و سلوفاكيا و المجر” و منطقة جنوب شرق أوروبا و التى تضم “سلوفينيا و كرواتيا و البوسنة والهرسك و صربيا و الجبل الأسود و ألبانيا و مقدونيا و رومانيا و بلغاريا و اليونان و الجزء الأوروبي من تركيا ” و أخيرا منطقة دول شرق أوروبا و تضم “إستونيا و لاتفيا و ليتوانيا و بيلاروسيا و أوكرانيا و مولدوفا و الجزء الأوروبي من روسيا و وفقًا للاتفاقية فتنضم اليهم دول القوقاز جورجيا و أرمينيا و أذربيجان” .
و في عام 1949 تأسس مجلس أوروبا تحت فكرة توحيد قارة أوروبا لتحقيق أهداف مشتركة و منع الحروب المستقبلية حيث أدى المزيد من التكامل الأوروبي من قبل بعض الدول إلى تشكيل الاتحاد الأوروبي (EU) و هو كيان سياسي منفصل يقع بين الكونفدرالية و الفدرالية و رغم نشأته في أوروبا الغربية لكنه كان يتوسع شرقاً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 كما تم اعتماد عملة موحدة يتم تداولها فى معظم دول الاتحاد الأوروبي و هى “اليورو” التى تعتبر الأكثر استخدامًا بين الأوروبيين كما توجد منطقة شنغن في الاتحاد الأوروبي التى تلغي فيها ضوابط الحدود و الهجرة بين معظم الدول الأعضاء و بعض الدول غير الأعضاء .
قارة أوروبا جغرافيا
تشكل أوروبا الخُمس الغربي من كتلة اليابسة الأوراسية و لديها نسبة الساحل إلى اليابسة هى الأعلى عن أي قارة أخرى و تتكون حدودها البحرية من المحيط المتجمد الشمالي فى الشمال و المحيط الأطلسي فى الغرب و البحر الأبيض المتوسط و البحر الأسود و بحر قزوين فى الجنوب و تظهر تضاريس الأرض في أوروبا تباينًا كبيرًا فالمناطق الجنوبية هي أكثر جبلية بينما عند التوجه شمالًا تنحدر التضاريس من جبال الألب العالية و جبال البرانس و الكاربات إلى سهول شمالية منخفضة و واسعة و هي شاسعة للغاية في الشرق و تُعرف هذه الأراضي المنخفضة الممتدة باسم السهل الأوروبي العظيم و يقع في قلبها سهل شمال ألمانيا .
اما بالنسبة الى المناخ فتقع قارة أوروبا بشكل رئيسي في المناطق المناخية المعتدلة حيث تخضع المناطق الغربية لمناخ أكثر اعتدالًا مقارنة بالمناطق الأخرى الموجودة على نفس خط العرض بسبب تأثير تيار الخليج الذى يقوم بدور التدفئة المركزية في أوروبا لأنه يجعل مناخ أوروبا أكثر دفئًا و رطوبة و لا ينقل تيار الخليج الماء الدافئ إلى ساحل أوروبا فحسب بل يسخن أيضًا الرياح الغربية السائدة التي تهب عبر القارة من المحيط الأطلسي لذلك يبلغ متوسط درجة الحرارة على مدار العام 16 درجة مئوية فى الوقت الذى تبلغ فيه درجة حرارة مدينة “نيويورك” فى “الولايات المتحدة” و الواقعة على نفس خط العرض 13 درجة مئوية فقط كما أن البرودة فى الشمال أكثر من الجنوب و فى الشرق أكثر منها فى الغرب .
و فى قارة أوروبا تأثر توزيع الحيوانات بسبب الإنسان ففي أجزاء كثيرة تم اصطياد معظم الحيوانات الكبيرة و أنواع المفترسات العليا مما أدى الى انقراضها و نتيجة ازالة الغابات و الصيد فقد ادى ذلك الى نزوح حيوانات مثل الدببة و الذئاب الى مناطق متطرفة و بعيدة حيث اقتصرت موائل الدببة على الجبال التي يتعذر الوصول إليها اضافة الى الدول الاسكندنافية و “روسيا” كما تعتبر الكائنات البحرية أيضًا جزءًا مهمًا من الحيوانات التى تعيش على البحار الأوروبية مثل الأسماك و الأخطبوط و الدلافين والحيتان اضافة الى ثراء تلك القارة بوجود انواع مختلفة من الثدييات و الطيور .
تاريخ قارة أوروبا
بدأت قصة قارة أوروبا خلال عصور ما قبل التاريخ مع ظهور الإنسان الأول منذ حوالي 40000 عام حيث عاش فيها السكان الأوائل خلال العصر الحجري القديم و لمحاولة الصراع من أجل البقاء تجمعوا معًا في مجتمعات صغيرة و عاشوا من خلال جمع النباتات و صيد الحيوانات البرية و مع انتقال البشرية الى العصر الحجري الحديث منذ حوالي 9000 عام بدأت ممارسة الزراعة و إنتاج المحاصيل و تربية الماشية و أصبح الناس يعيشون في مجموعات مثلت القرى و مع استمرار الإنسان في رحلته من الشرق إلى الغرب عبر أوراسيا وصلت المعرفة بالأدوات و الأساليب الجديدة للحياة فى تطوره حيث أدت الفؤوس المعدنية و رؤوس الأسهم إلى تحسين بقاءه و تطوير أنشطته و بدأت الحضارات فى الظهور و الإزدهار .
و في القرن الثامن قبل الميلاد بدأت “اليونان” في الخروج من العصور المظلمة و كانت للثقافة اليونانية الكلاسيكية تأثير قوي على الإمبراطورية الرومانية التي حملت نسخة منها إلى أجزاء كثيرة من منطقة البحر الأبيض المتوسط و شمال أوروبا حيث كانت تلك الثقافة هى اللبنة الأولى للثقافة الغربية الحديثة و من بين الحضارات العظيمة التي نشأت في أوروبا كان للإمبراطورية الرومانية التأثير الأكثر ديمومة لأنها استطاعت تغيير القارة و تركت ورائها تأثير عميق و دائم فى تطوير العمارة و اللغة و القانون و الدين و بعد انهيارها ورثتها الإمبراطورية الرومانية الشرقية (285-1450) تحت مسمى الإمبراطورية البيزنطية و في أوروبا الغربية تم إنشاء ممالك صغيرة و بدأت جغرافية أوروبا فى التغير حيث كانت مملكة الفرنجة أرضًا تقع في جنوب شرق أوروبا و تطورت لاحقا إلى مملكة “فرنسا” كما تحولت أجزاء منها أيضا إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة التى تطورت الى ألمانيا التي نعرفها اليوم .
و سرعان ما عبر الأنجلو ساكسون القناة الإنجليزية إلى جنوب “بريطانيا” و أنشأوا سلسلة من الممالك التى تطورت في النهاية إلى مملكة “إنجلترا” بحلول عام 927 بعد الميلاد و بعد 100 عام تشكلت مملكتا “بولندا” و “المجر” و امتد عصر “الفايكنج” في شمال أوروبا و الدول الاسكندنافية من أواخر القرن الثامن إلى منتصف القرن الثالث عشر و نتيجة اهتمامهم بالاستحواذ على الأراضي قام الفايكنج الإسكندنافيين باستكشاف أوروبا بقوة من أجل التجارة و الحصول على الثروات كما وصلوا أيضًا إلى أيسلندا و جرينلاند و نيوفاوندلاند و الأناضول .
و بحلول نهاية القرن الخامس عشر ظهرت قوى عظمى في أوروبا حيث لعبت “إنجلترا و فرنسا و هولندا و البرتغال و إسبانيا” أدوارًا سائدة في الشؤون العالمية من القرن الخامس عشر و حتى منتصف القرن العشرين حيث كانت الفترة الاستعمارية الأوروبية هي الحقبة التي أنشأت فيها القوى الأوروبية المذكورة أعلاه مستعمرات في آسيا و إفريقيا و الأمريكتين و عندما بدأت الشعوب المستعمرة تتوق الى الاستقلال في جميع أنحاء العالم بدأت الحقبة الاستعمارية الأوروبية في الانهيار خاصة الإمبراطورية البريطانية التى كانت أول إمبراطورية عالمية حقيقية تفقد قوتها في إفريقيا و الهند و جزء كبير من الشرق الأوسط و سرعان ما انتهت .
و خلال فترة الحرب العالمية الأولي و الحرب العالمية الثانية تضررت القارة كثيرا حيث كانت أراضيها مسرحا لمعظم معاركهم حيث ساهمت التكاليف الهائلة لكلا الحربين بشكل كبير في تراجع هيمنة أوروبا الغربية على الشؤون العالمية و لم تتعاف بعض من دول أوروبا الشرقية بالكامل حتى الأن و بعد سقوط جدار برلين في نوفمبر عام 1989 و تلاه سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 و انتهاء مرحلة الحرب الباردة تغيرت أوروبا نحو الأفضل و سرعان ما تم دمج الثقافات و الفصائل الأوروبية و تشكيل مجلس أوروبا و ازدهار الاتحاد الأوروبي في أوروبا الغربية و تصبح تلك القارة مركز اقتصادي و سياسي كبير و له نفوذ لا يستهان به عالميا .
التركيبة السكانية
يقدر عدد سكان قارة أوروبا بـ 742 مليونًا و هو ما يزيد قليلاً عن تسع سكان العالم حيث كانت تلك القارة قبل قرن من الزمان تعداد سكانها يقترب من ربع سكان العالم و تتمتع أوروبا بكثافة سكانية عالية نسبيًا و تأتي في المرتبة الثانية بعد آسيا و تعتبر معظم دول أوروبا في حالة من ضعف الخصوبة مما يعني أن كل جيل جديد يكون أقل كثافة سكانية من الأقدم و تعتبر الدولة الأكثر كثافة سكانية في أوروبا هي دولة “موناكو” و تأتى دولة روسيا فى المرتبة الأولى من حيث عدد السكان (145.6 مليون شخص) تليها تركيا (84.7 مليون شخص) ثم ألمانيا (84.1 مليون شخص) و بعدها فرنسا (67.9 مليون شخص) بينما الدول الأقل كثافة سكانية هي الفاتيكان (800 نسمة) و سان مارينو (33.8 ألف نسمة) و موناكو (39.1 ألف نسمة) و ليختشتنشتين (39.3 ألف نسمة) .
و تاريخيًا كان للدين في قارة أوروبا تأثير كبير على الفن و الثقافة و الفلسفة و القانون حيث تعتبر المسيحية أكبر ديانة في القارة بنسبة (76.2٪) و تشمل المذاهب الكاثوليكية و الأرثوذكسية الشرقية و مختلف الطوائف البروتستانتية و هو أمر ليس بالغريب نظرا لأن أوروبا كانت مركز و مهد الحضارة المسيحية و التى كان لها دورًا بارزًا في تشكيل الحضارة الغربية منذ القرن الرابع على الأقل بعد أن قادت مسار الفلسفة و الفن و العلوم و مع حلول عام 2012 أصبحت أوروبا هى صاحبة أكبر عدد من السكان المسيحيين في العالم ثم يأتى بعد المسيحية الإسلام بنسبة (4.9٪) و الذى يتركز بشكل رئيسي في البلقان (ألبانيا و البوسنة والهرسك) و الدول العابرة للقارات الواقعة على حدود أوروبا و آسيا (أذربيجان و كازاخستان و تركيا) كما توجد ديانات أخرى بما في ذلك اليهودية و الهندوسية و البوذية و هي تعتبر من ديانات الأقلية و حاليا أصبحت تلك القارة علمانية نسبيا مع تزايد عدد و نسبة الأشخاص غير المتدينين و الملحدين فيها و الذين يشكلون حوالي 18.3٪ من سكانها .
و يوجد في قارة أوروبا حوالي 225 لغة أصلية تقع في الغالب ضمن ثلاث مجموعات لغوية هندو أوروبية و هم ” اللغات الرومانية ” و هى المشتقة من اللاتينية للإمبراطورية الرومانية و يتم التحدث بها فى غرب و جنوب أوروبا و كذلك في سويسرا و رومانيا و مولدوفا و هناك “اللغات الجرمانية” التي جاءت لغة أسلافها من جنوب الدول الاسكندنافية و يتم التحدث بها فى غرب و شمال و وسط أوروبا و كذلك في جبل طارق و مالطا و أخيرا “اللغات السلافية” و يتم التحدث بها في الغالب جنوب و وسط و شرق أوروبا.
و تأتى اللغة الروسية فى المركز الأول داخل قارة أوروبا حيث يتحدث بها ما يقارب من 120 مليون شخص تليها اللغة الألمانية بواقع 100 مليون شخص ثم الفرنسية و يتحدث بها 80 مليون شخص تليها اللغة الأنجليزية بواقع 70 مليون متحدث و أخيرا التركية حيث يتحدث بها 70 مليون شخص أيضا .