يصف البعض الموسيقى بأنها غذاء للروح نظرا الى قدرتها الفائقة على ترك تأثير كبير فى النفس البشرية و تبديل الحالة المزاجية للإنسان و دائما ما يهتم العاملين فى القطاع السينمائي بذلك النوع من الفنون لأهميته فى إيصال المشهد بشكل متكامل فإذا كان أداء الممثلين يخاطب العين فإن الموسيقى المرافقة لهم تخاطب الحس و كثير من الأفلام حققت نجاحا بشكل كبير بسبب الموسيقى التصويرية الخاصة بها و لكن هل من الممكن أن يصل درجة تأثير الموسيقى الى القدرة على دفع مستمعيها الى الإنتحار ؟ ربما يكون سؤال غريب و لكن الأغرب هى الإجابة بأنه حدث ذلك بالفعل مع إحدى الأغاني التى حملت عنوان الأحد الكئيب Gloomy Sunday و التى يحملها البعض مسئولية التسبب فى ما يقرب من 100 حالة إنتحار لا لشئ سوى أن هؤلاء الضحايا قد إستمعوا لها .
و الأحد الكئيب هى أغنية حزينة صدرت عام 1932 و من تلحين عازف البيانو و المؤلف الموسيقي المجري “ريزو سيريس” و كتب كلماتها الشاعر ” لازلو جافور ” و فيها يطلب المغني من حبيبته المتوفاة الانضمام إليه في جنازته المخطط لها و يتمنى أن يكون مع حبه في العالم الأخر و سيقوم بدفع الأمور قدر استطاعته للوصول إلى هناك و هو ما يتضح من الكلمات التى تحتوى بشكل لا لبس فيه لتلميحات حول مفهوم الانتحار و هو السبب الذى أكسبها لقب الأغنية المجرية الانتحارية لأنه دائما ما كان يتم إلقاء اللوم عليها لإرتباطها بحالات انتحار حدثت بعد الاستماع اليها و ربما يرى البعض ان فى تلك الإتهامات شئ من المبالغة لأنه كثير من التفاصيل لا يمكن التحقق منها و مع ذلك فقد تم نشر الأغنية و القصة المتعلقة بها على نطاق واسع في الصحف و المجلات الشعبية بسبب ارتباطها الغريب و المفترض بالعديد من حالات الانتحار .
فمع عرض أغنية الأحد الكئيب فى الإذاعة المجرية أفادت التقارير أن ما لا يقل عن 18 حالة وفاة انتحارية فى البلاد كان لها صلات وثيقة بها ففي مقالة صدرت فى مجلة “تايم” فى مارس عام 1936 و حملت عنوان “الموسيقى : أغنية انتحارية” سرد كاتبها الذى لم يذكر إسمه عددًا من حالات الانتحار منها صانع أحذية مجري اسمه “جوزيف كيلر” و الذى ترك رسالة في مكان انتحاره بها بعض من كلمات أغنية الأحد الكئيب كما تم العثور على العديد من الجثث في نهر الدانوب و معهم عناصر لها علاقة بالأغنية كما أطلق شخصان النار على نفسيهما أثناء سماع فرقة تعزفها اضافة الى حالات أخرى و نظرا لإزدياد أعداد المنتحرين قامت السلطات المجرية بحظر بث تلك الأغنية في عموم البلاد .
و لم تقتصر حالات الانتحار المرتبطة بأغنية “الأحد الكئيب” داخل ” المجر ” فقط و لكن أفادت تقارير أخرى بأنه تم إبلاغ كل من مجلة التايم و جريدة النيويورك تايمز عن حالات انتحار وقعت مع محاولات أخرى لكنها فشلت في “الولايات المتحدة” و كانت مرتبطة بنفس الإغنية التى تم إصدار نسخة إنجليزية منها عام 1936 لذلك بدأت بعض الإذاعات فى حظرها مثل البى بى سى فى “المملكة المتحدة” و التى أستمر حظرها حتى عام 2002 بالإضافة الى محطات اذاعية في أمريكا خوفا من أن تلهم كلماتها أحد الأشخاص للإقدام على الإنتحار عند إستماعه لها حيث يقول البعض أن عدد الوفيات المرتبطة بها وصل الى اكثر من 100 حالة إنتحار كما يمكن العثور على العديد من القصص الأخرى لحالات الانتحار المتعلقة بإغنية “الأحد الكئيب” منتشرة عبر الإنترنت حيث يحكي أحدهم عن فتاة في “فيينا” أغرقت نفسها و هي تتشبث بالنوتة الموسيقية للأغنية و قصة أخرى تصف امرأة في “لندن” استمعت إلى الأغنية مرارًا و تكرارا ثم تناولت بعدها جرعة زائدة من المخدرات .
أقرأ أيضا : لغز التوابيت المتحركة داخل مقبرة تشيس فى باربادوس
و يرفض البعض الزج بتلك الأغنية فى ارتفاع عدد حالات الإنتحار فى ذلك الوقت حيث يقولون أن السبب الحقيقي هو ان العالم كان يمر بمرحلة الكساد العظيم و هى مرحلة تسببت فى إفلاس الكثيرين و فقدان الألاف من الأشخاص لوظائفهم و يعم الفقر فى كل مكان لذلك و بدافع من اليأس أقدم البعض منهم على الإنتحار بسبب مشاكل حياتية و لا علاقة للأغنية بالأمر بينما يصر الأخرين على ان أغنية الأحد الكئيب هى السبب و يبررون ذلك بأن ملحنها مر بأزمات كبيرة خلال حياته لذلك فقد وضع حزنه و خيبة أمله و يأسه فى ألحانها خاصة و انه اختار إيقاعات كافية لجعل الشخص مكتئبًا للغاية أو لديه ميول انتحارية بالاضافة الى أن كاتب الأغنية كان قد أنفصل مؤخرا عن خطيبته و كان ذلك الموقف هو مصدر الهام لكتابة تلك الكلمات الحزينة لذلك فعندما اجتمعت الكلمات مع الألحان كانت سببا كافيا لإقدام الكثيرين على الإنتحار حتى أن ملحنها نفسه ” ريزو سيريس ” استسلم هو الأخر فى النهاية لاكتئابه و قفز من مبنى شقته في العاصمة المجرية “بودابست” و أنتحر بعد عيد ميلاده التاسع و الستين حيث كان قد قال على أغنيته التى لحنها بأنه يقف وسط هذا النجاح القاتل كرجل متهم حيث تعتبر تلك الشهرة القاتلة بالنسبة اليه مؤلمة و هو لم يفعل شيئا فى الإغنية سوى أنه صرخ بكل خيبات قلبه فى ألحانها و يبدو أن الآخرين الذين تشابهت مشاعرهم معه قد وجدوا جرحهم فيها .