الثورة الفرنسية هى فترة من التغيير السياسي و المجتمعي اجتاحت فرنسا بداية من عام 1789 و أستمرت بعدها لعشرة سنوات و يعتبر بعض من أفكارها هى المبادئ الأساسية للديمقراطية الليبرالية و ألهمت العديد من الدول بالسير على نفس النهج مثلما حدث فى الثورة البلشفية فى روسيا عام 1917 التى ادت الى قيام الاتحاد السوفيتي كما ساهمت فى العديد من الحملات لإلغاء العبودية و الاقتراع العام و إشتعلت نتيجة خليط من العوامل الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية التي عجز نظام الملك لويس السادس عشر عن إدارتها و بسببها دخلت البلاد فى مرحلة إضطرابات داخلية بسبب العديد من المشاكل السياسية اضافة الى مواجهتها لمعارضات خارجية لاسيما من دول مثل النمسا و المملكة المتحدة و ألمانيا ثم دخلت البلاد بعدها فى منعطف خطير بمرحلة عرفت بإسم عهد الإرهاب و التى فيها حكم على الألاف بالإعدام تحت زعم معاداتهم للثورة و استمرت تلك الإضطرابات حتى عام 1799 حين تم استبدال الدليل بالقنصلية و كان ذلك إيذانا بنهاية الفترة الثورية .
أسباب الثورة الفرنسية
كان لقيام الثورة الفرنسية أسباب عامة و مشتركة بين جميع الثورات الغربية في نهاية القرن الثامن عشر اضافة الى أسباب خاصة تفسر سبب أنها كانت الأكثر عنفًا و أهمية عالميًا من بين باقى الثورات حيث كان أول الأسباب هو البنية الاجتماعية للغرب بعد أن تم إضعاف النظام الإقطاعي خطوة بخطوة و الذى اختفى بالفعل في أجزاء من أوروبا لذلك أراد الفلاحين الذين أمتلكوا الكثير منهم الأرض مستوى معيشة و تعليمًا أفضل و أرادوا التخلص من آخر بقايا الإقطاع حتى يكتسبوا الحقوق الكاملة كملاك الأراضي و يكونوا أحرارًا في زيادة ممتلكاتهم علاوة على ذلك فمنذ حوالي عام 1730 أدى ارتفاع مستويات المعيشة إلى خفض معدل الوفيات بين البالغين بشكل كبير و نتيجة لذلك و بجانب عوامل أخرى فقد زاد عدد سكان أوروبا بشكل غير مسبوق لعدة قرون و أصبحت “فرنسا” هى الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في القارة كلها و كانت هذه المشكلة هي الأكثر حدة لأنها تسببت فى زيادة الطلب على السلع الغذائية و الإستهلاكية .
و مع حلول عام 1770 تكررت الأزمات الاقتصادية التي تثير القلق و حتى الثورة و بدأت النظريات من أجل الإصلاح الاجتماعي في الظهور من قبل الفلاسفة و بدا مفهوم الثورة ضروريا لتطبيق أفكار “مونتسكيو” أو “فولتير” أو “جان جاك روسو” و انتشرت تلك الأفكار بين الطبقات المتعلمة و مع ذلك كان من غير المؤكد أن الثورة ستأتي دون وجود أزمة سياسية إضافية و هو ما حدث بالفعل ففي مواجهة النفقات الباهظة التي صرفت فى حروب القرن الثامن عشر سعى حكام أوروبا إلى جمع الأموال من خلال فرض الضرائب على النبلاء و رجال الدين الذين كان يتم إعفاؤهم في معظم البلدان حتى الآن و هو أمر أثار ردود فعل عنيفة في جميع أنحاء أوروبا و تسببت فى اندلاع الثورة الأمريكية فى ” الولايات المتحدة ” التي بدأت برفض دفع الضريبة التي فرضها ملك “بريطانيا العظمى” و حاول الملوك وقف رد الفعل العنيف القادم من الطبقة الأرستقراطية لذلك سعوا إلى إيجاد حلفاء بين البرجوازيين و الفلاحين المحرومين .
و على الرغم من استمرار الجدل الأكاديمي حول الأسباب الدقيقة التى ادت الى الثورة الفرنسية إلا أن الأسباب التالية قد تم تقديمها بشكل عام و هى (1) استاءت الطبقة البرجوازية المكونة من النبلاء و التجار و الأثرياء من استبعادها من السلطة السياسية و المناصب الشرفية. (2) كان الفلاحون يدركون تمامًا وضعهم و كانوا أقل استعدادًا لدعم النظام الإقطاعي الذي عفا عليه الزمن . (3) تمت قراءة أفكار الفلاسفة الثورية على نطاق واسع في “فرنسا” أكثر من أي مكان آخر. (4) أدت المشاركة الفرنسية في الثورة الأمريكية إلى دفع الحكومة إلى حافة الإفلاس. (5) كانت “فرنسا” الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في أوروبا و نتيجة فشل المحاصيل في معظم أنحاء البلاد عام 1788 و هو حدث جاء على رأس فترة طويلة من الصعوبات الاقتصادية فقد أدى ذلك إلى تفاقم الأوضاع (6) النظام الملكي الفرنسي الذي لم يعد يُنظر إليه على أنه أمر إلهي لم يكن قادرًا على التكيف مع الضغوط السياسية و المجتمعية التي كانت تُمارَس عليه .
الثورة الأرستقراطية 1787- 1789
قبل اشتعال الثورة الفرنسية سبقها تمرد اخر و هو الثورة الأرستقراطية و التى حدثت عندما قام المراقب العام للمالية “تشارلز ألكسندر دي كالون” بترتيب استدعاء مجموعة من الأعيان (الأساقفة و النبلاء العظماء و عدد قليل من ممثلي الطبقة البرجوازية) في فبراير عام 1787 لاقتراح إصلاحات مصممة للقضاء على عجز الميزانية من خلال زيادة الضرائب على الطبقات المتميزة و لكنهم رفضوا طلبه فى تحمل مسؤولية الإصلاحات و اقترحوا دعوة مجلس الأملاك العامة الذي يمثله رجال الدين و الأرستقراطين و الطبقة الثالثة (العوام) و التي لم تجتمع منذ عام 1614 و بذل “كالون” و من خلفوه المزيد من الجهود لفرض الإصلاحات المالية على الرغم من مقاومة الطبقات المتميزة و هو ما أدى إلى ما يسمى “تمرد الهيئات الأرستقراطية” و خلال ربيع و صيف عام 1788 كان هناك اضطرابات بين الجماهير في “باريس و جرينوبل و ديجون و تولوز و باو و رين” لذلك كان على الملك “لويس السادس عشر” أن يستسلم لتلك الاحتجاجات و قام بتعيين “جاك نيكر” الإصلاحي وزيراً للمالية كما أنه منح للصحافة حريتها و أغرقت “فرنسا” بالمنشورات التي تتناول إعادة بناء الدولة حيث تزامن ذلك مع انتخابات المجالس العامة التي أجريت بين يناير و أبريل عام 1789 و نتيجة فترة الاضطرابات فقد دفعت الكثير من المصوتين الى اختيار من يشعرون بأنهم سوف يحققون طموحهم و أمالهم و كانت النتيجة هى انتخاب 600 نائب عن الطبقة الثالثة ( عوام الشعب ) و 300 للنبلاء و 300 لرجال الدين .
أحداث عام 1789 و بداية الثورة الفرنسية
و نظرا الى أن تلك النتيجة كانت مفاجأة فقد اجتمع الجنرالات في قصر فرساي يوم 5 مايو عام 1789 و انقسموا حول قضية أساسية و هى هل ينبغي أن يمنحوا السلطة إلى الطبقة الثالثة بإعتبارهم الأغلبية أو يتحالف النبلاء و رجال الدين لتشكيل قوة مكافئة الا ان النقاشات قد انتهت بعدم الوصول الى نتيجة و في 17 يونيو قام نواب الطبقة الثالثة و بعد ان أصيبوا بالضجر إلى إعلان أنفسهم فى الجمعية الوطنية و هددوا بالمضي قدمًا فى جلساته إذا لزم الأمر دون الحاجة الى باقى الاعضاء من النبلاء و رجال الدين و عندما منع المسؤولين الملكيين النواب من دخول قاعة اجتماعاتهم العادية في 20 يونيو قاموا بإحتلال ملعب التنس المغلق للملك و أقسموا على عدم التفرق حتى يمنحوا “فرنسا” دستوراً جديداً و استسلم الملك على مضض و حث النبلاء و رجال الدين الباقين على الانضمام إلى الجمعية التي أخذت لقبها الرسمى و هو الجمعية التأسيسية الوطنية في 9 يوليو و في الوقت نفسه بدأ هو في جمع القوات لحلها .
و خلال الشهرين الذان تم استهلاكهم فى المراوغة السياسية كانت مشكلة الحفاظ على الإمدادات الغذائية قد بلغت ذروتها مما أثار سخط البلدات و المحافظات و أدت شائعات عن “مؤامرة أرستقراطية” من قبل الملك و النبلاء للإطاحة بالطبقة الثالثة إلى ما عرف بإسم “الخوف الكبير” و في يوليو عام 1789 و خلال الفترة التى كان فيها الفلاحين يشعرون بالخوف أثار تجمع القوات حول “باريس” و إقالة “نيكر” التمرد في العاصمة و اشتعلت الثورة الفرنسية و في 14 يوليو عام 1789 استولى الحشد الباريسي على “الباستيل” رمز الاستبداد الملكي و مرة أخرى كان على الملك أن يستسلم لمطالب الناس و أثناء زيارته لباريس أظهر اعترافه بسيادة الشعب من خلال ارتداء الزي ذو الألوان الثلاثة أما في المقاطعات فقد أدى الخوف الكبير في شهر يوليو إلى قيام الفلاحين بثورة ضد أسيادهم من النبلاء و البرجوازيين و كان لا يوجد اى حلول سوى قيام الجمعية التأسيسية الوطنية بكبح جماح الفلاحين و لذلك في ليلة 4 من أغسطس عام 1789 صدر مرسومًا بإلغاء النظام الإقطاعي ثم في 26 أغسطس ظهر إعلان حقوق الإنسان و المواطن الذي أعلن الحرية و المساواة و حرمة الملكية و الحق في مقاومة الظلم الا ان الملك من ناحيته رفض الموافقة على تلك المراسيم و لذلك ثار الباريسيين مرة أخرى و في 5 أكتوبر ساروا إلى “فرساي” و في اليوم التالي أجبروا العائلة المالكة على العودة إلى “باريس” و واصلت الجمعية التأسيسية الوطنية العمل على صياغة الدستور الجديد.
و شارك الشعب الفرنسي بنشاط في الثقافة السياسية الجديدة التي أنشأتها الثورة الفرنسية و أبقت العشرات من الصحف غير الخاضعة للرقابة المواطنين على اطلاع دائم بالأحداث و سمحت لهم الأندية السياسية بالتعبير عن آرائهم و نظمت الاحتفالات العامة مثل غرس “أشجار الحرية” في القرى الصغيرة و مهرجان الاتحاد الذي أقيم في “باريس” عام 1790 في الذكرى الأولى لاقتحام الباستيل حيث كانت تلك الفعاليات بمثابة تأكيدات رمزية للنظام الجديد .
النظام الجديد خلال الثورة الفرنسية
أكملت الجمعية التأسيسية الوطنية إلغاء الإقطاع و قمعت “الأوامر” القديمة و أرست المساواة المدنية بين الرجال (على الأقل في فرنسا حيث تم الاحتفاظ بالرق في المستعمرات) و جعلت أكثر من نصف السكان الذكور البالغين مؤهلين للتصويت على الرغم من أن أقلية صغيرة فقط هى من استوفت شرط أن تصبح نائبًا و أدى قرار تأميم أراضي الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في “فرنسا” لسداد الدين العام إلى إعادة توزيع الممتلكات على نطاق واسع حيث كانت الطبقة البرجوازية و ملاك الأراضي الفلاحين هم بلا شك من كانوا المستفيدين الرئيسيين و بعد أن حرمت الكنيسة من مواردها قررت الجمعية بعد ذلك إعادة تنظيم الكنيسة و سنّ الدستور المدني لرجال الدين الذي رفضه البابا “بيوس السادس” و العديد من رجال الدين الفرنسيين .
و بجانب ما سبق قامت الثورة الفرنسية بالقضاء على النظام الإداري المعقد للنظام القديم من قبل الجمعية التأسيسية الوطنية و التي استبدلته بنظامًا مرنا قائمًا على تقسيم “فرنسا” إلى مقاطعات و كانتونات و بلديات تدار من قبل مجالس منتخبة كما تم تغيير المبادئ التي تقوم عليها إقامة العدالة بشكل جذري حيث كان من المقرر أن يتم انتخاب القضاة و حاولت الجمعية التأسيسية الوطنية إنشاء نظام ملكي يتم فيه تقاسم السلطات التشريعية و التنفيذية بين الملك و مجلس النواب و كان من الممكن أن ينجح هذا النظام إذا أراد الملك حقًا أن يحكم مع السلطات الجديدة لكن “لويس السادس عشر” كان ضعيفًا و متذبذبًا و سجين مستشاريه الأرستقراطيين و في 20-21 يونيو عام 1791 حاول الفرار من البلاد لكن تم إيقافه في “فارين” وأعيد إلى “باريس” .
الثورة المضادة و قتل الملك وعهد الإرهاب
أعطت الثورة الفرنسية أملاً جديداً للثوار الذين هُزموا قبل سنوات قليلة في المملكة المتحدة و بلجيكا و سويسرا و بالمثل فإن كل أولئك الذين أرادوا التغيير في إنجلترا أو أيرلندا أو الولايات الألمانية أو الأراضي النمساوية أو إيطاليا فقد نظروا إلى الثورة الفرنسية بتعاطف أما فى “فرنسا” نفسها فقد تخلى عدد من الفرنسيين المعادين للثورة من النبلاء والكنسيين و بعض البرجوازيين عن النضال في بلادهم و هاجروا و بصفتهم “مهاجرين” فقد شكل العديد منهم جماعات مسلحة بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية لفرنسا و طلبوا المساعدة من حكام أوروبا الذين كانوا في البداية غير مبالين بأعمال الثورة الفرنسية و لكنهم بدأوا في القلق عندما أعلنت الجمعية التأسيسية الوطنية مبدأ ثوريًا بحق الشعب في تقرير المصير و وفقًا لهذا المبدأ تم لم شمل إقليم “أفينيون البابوي” مع “فرنسا” في 13 سبتمبر 1791 و بحلول أوائل عام 1792 كان الملك يأمل أن تعزز الحرب التى تستعد لها البلاد فى تعزيز سلطته أو يكون هناك دعم من الجيوش الأجنبية بإنقاذه و في 20 أبريل 1792 أعلنت “فرنسا” الحرب على “النمسا” .
و خلال المرحلة الأولى من الحرب (أبريل – سبتمبر 1792) عانت “فرنسا” من الهزائم و خاصة بعد انضمام “بروسيا” إلى الحرب في يوليو و عبر الجيش النمساوي البروسي الحدود و تقدم بسرعة نحو “باريس” حيث شجعت ملكة “فرنسا” المولودة في “النمسا” “ماري أنطوانيت” بشكل خاص شقيقها الإمبراطور الروماني المقدس “ليوبولد الثاني” على غزو “فرنسا” كإجراء مضاد للثورة و هنا انتفض ثوار “باريس” في 10 من أغسطس عام 1792 و احتلوا قصر التويلري حيث كان يعيش “لويس السادس عشر” و سجنوا العائلة المالكة و في بداية شهر سبتمبر اقتحم الحشد الباريسي السجون و ذبح النبلاء و رجال الدين المحتجزين هناك و في هذه الأثناء كان المتطوعين يتدفقون على الجيش حيث أيقظت الثورة الفرنسية القومية بداخل نفوسهم و في محاولة أخيرة قامت القوات الفرنسية بقتال البروسيين في 20 سبتمبر 1792 في “فالمي” و في نفس اليوم اجتمع مجلس جديد من المؤتمر الوطني و في اليوم التالي أعلن إلغاء النظام الملكي و إنشاء الجمهورية.
اما في المرحلة الثانية من الحرب (سبتمبر 1792 – أبريل 1793) فقد انتصر الثوار على العدو و احتلت الجيوش الفرنسية “بلجيكا” و “راينلاند” و “سافوي” و مقاطعة “نيس” و في غضون ذلك انقسم المؤتمر الوطني بين “الجيروندان” و هم الذين أرادوا تنظيم جمهورية برجوازية في “فرنسا” و نشر الثورة فى كل أرجاء أوروبا وبين “المونتينار” (“رجال الجبال”) الذين أرادوا مع “ماكسيميليان روبسبير” أن يعطي الطبقات الدنيا حصة أكبر في القوة السياسية و الاقتصادية و على الرغم من الجهود التي بذلها “الجيروندان” الا انه حكم على “لويس السادس عشر” بالإعدام بتهمة الخيانة و أُعدم في 21 يناير 1793 و تم قتل “ماري أنطوانيت” بعد تسعة أشهر .
و في ربيع عام 1793 دخلت الحرب مرحلة ثالثة تميزت بهزائم فرنسية جديدة حيث شكلت “النمسا و بروسيا و بريطانيا العظمى ” تحالفًا أطلق عليه لاحقًا التحالف الأول و انضم إليه معظم حكام أوروبا و خسرت “فرنسا” على إثره “بلجيكا” و “راينلاند” و هددت القوات الغازية “باريس” و نتيجة هذه الانتكاسات زادت قوة المتطرفين لذلك تم طرد قادة “الجيروندين” من المؤتمر الوطني و استولى “المونتانارد” الذين حصلوا على دعم العمال و الحرفيين و أصحاب المتاجر على السلطة و احتفظوا بها حتى 27 يوليو 1794 و قاموا من أجل تلبية متطلبات الدفاع بتبنى سياسة اقتصادية و اجتماعية راديكالية حيث أدخلوا الحد الأقصى من سيطرة الحكومة على الأسعار و فرضوا ضرائب على الأغنياء و قدموا المساعدة الوطنية للفقراء و المعاقين و أعلنوا أن التعليم يجب أن يكون مجانيًا و إلزاميًا و أمروا بمصادرة و بيع ممتلكات المهاجرين و أثارت هذه الإجراءات الاستثنائية ردود فعل عنيفة من حروب و انتفاضات و ثورات و تمردات فى عدد من المقاطعات و لكن تم كسر تلك المعارضات من قبل عهد الإرهاب خلال الفترة من ( 5 سبتمبر 1793 – 27 يوليو 1794 ) و الذى أسفر عن اعتقال ما لا يقل عن 300000 مشتبه بهم منهم 17000 حكم عليهم بالإعدام بينما توفي المزيد في السجون أو قُتلوا دون أي شكل من أشكال المحاكمة و في الوقت نفسه جمعت الحكومة الثورية جيشًا قوامه أكثر من مليون رجل .
و بفضل هذا الجيش دخلت الحرب مرحلتها الرابعة (ابتداءً من ربيع عام 1794) مكّنهم من احراز انتصار رائع على النمساويين في “فلوروس” في 26 يونيو 1794 و عاد الفرنسيين الى إعادة احتلال “بلجيكا” حيث جعل ذلك النصر الإرهاب و القيود الاقتصادية و الاجتماعية تبدو غير مجدية لذلك فقد أطيح بروبسبير راعى تلك القيود “غير القابل للفساد” في المؤتمر الوطني في 27 يوليو عام 1794 و تم إعدامه في اليوم التالي و بعد فترة وجيزة من سقوطه تم إلغاء الحد الأقصى و لم تعد القوانين الاجتماعية مطبقة و تم التخلي عن الجهود المبذولة لتحقيق المساواة الاقتصادية و بدأ المؤتمر الوطني مناقشة دستور جديد و في غضون ذلك في الغرب و الجنوب الشرقي اندلع “الإرهاب الأبيض” الملكي حتى أن الملكيين حاولوا الاستيلاء على السلطة في “باريس” لكنهم تم سحقهم من الظابط الشاب “نابليون بونابرت” في 5 أكتوبر عام 1795 .
الدليل و توسع الثورة الفرنسية
وضع دستور السنة الثالثة الذي وافق عليه المؤتمر الوطني السلطة التنفيذية في دليل مكون من خمسة أعضاء و السلطة التشريعية في مجلسين و هم مجلس القدماء و مجلس الخمسمائة حيث كان يمكن لهذا النظام و هو جمهورية برجوازية أن يحقق الاستقرار لو لم تقم الحرب بإدامة الصراع بين الثوار و الرجعيين في جميع أنحاء أوروبا علاوة على ذلك فقد أدت الحرب إلى تفاقم الخصومات القائمة بين “الدليل” و المجالس التشريعية في “فرنسا” و غالبًا ما أدت إلى ظهور عداءات جديدة و تمت تسوية هذه الخلافات عن طريق الانقلابات و لا سيما تلك التي حدثت في 4 سبتمبر 1797 و التي أزالت الملكيين من الدليل و من المجالس و فى 9 نوفمبر 1799 ألغى بونابرت الدليل و أصبح قائدًا لفرنسا بصفته “القنصل الأول”.
أما بالنسبة الى الحرب فبعد انتصار “فلوروس” استمر تقدم الجيوش الفرنسية في أوروبا و تم احتلال “راينلاند” و “هولندا” و في عام 1795 تفاوضت “هولندا” و”توسكانا” و “بروسيا” و “إسبانيا” من أجل السلام و دخل الجيش الفرنسي بقيادة بونابرت “إيطاليا” عام 1796 و كانت “النمسا” آخر من استسلم و تم تنظيم معظم البلدان التي احتلها الفرنسيون على أنها “جمهوريات شقيقة” بمؤسسات على غرار مؤسسات “فرنسا” الثورية .
و رغم السلام الذى حدث فى أوروبا الا أنه لم يضع حداً للتوسع الثوري حيث أراد الناشطين نشر الثورة الفرنسية فى أوروبا و هكذا دخلت القوات الفرنسية في عامي 1798 و 1799 “سويسرا” و “الولايات البابوية” و “نابولي” و أنشأت الجمهوريات الهلفيتية و الرومانية و البارثينوبية و مع ذلك ظلت “بريطانيا العظمى” في حالة حرب مع “فرنسا” و قرر الدليل بناءً على طلب “بونابرت” تهديد البريطانيين في “الهند” باحتلال “مصر” و احتل سلاح استكشافي بقيادة “بونابرت” بسهولة “مالطا” و “مصر” لكن الأسطول الذي أقله تم تدميره بواسطة أسطول “نيلسون” في معركة أبى قير في 1 أغسطس 1798 و شجعت هذه الكارثة على تشكيل تحالف أوروبى جديد ضد تقدم الثورة الفرنسية حيث حقق هذا التحالف المكون من “النمسا” و “روسيا” و “تركيا” و “بريطانيا العظمى” نجاحات كبيرة خلال ربيع و صيف عام 1799 و أعاد الجيوش الفرنسية إلى الحدود و بعد ذلك عاد “بونابرت” إلى “فرنسا” لاستغلال هيبته العظيمة و السمعة السيئة التي حلت على الحكومة نتيجة الانتكاسات العسكرية ليطيح بها فى انقلاب و يستبدلها بالقنصلية و على الرغم من أن “بونابرت” أعلن نهاية الثورة إلا أنه هو نفسه كان ينشرها بأشكال جديدة في جميع أنحاء أوروبا .