خلال القرنين السادس عشر و أوائل السابع عشر برز فى المملكة المتحدة اسم لواحد من أكثر الشخصيات غموضًا فى تلك الحقبة و هو جون دي الذى عمل فى بلاط الملكة إليزابيث الأولى كعالم فلك بجانب عمله كعالم رياضيات و منجم و معلم و كيميائي و عرف عنه دراساته العميقة فى العلوم الغامضة و الماورائية و الفلسفة السرية كما اشتهر بامتلاكه في وقت ما من حياته واحدة من أكثر المكتبات احتواء للنصوص الغامضة و السحرية في أوروبا إن لم يكن في العالم كله و التى كانت تحتوى على أرفف مظلمة و مغبرة مليئة بالمخطوطات و الكتب التى تتحدث عن التعاويذ السحرية و العرافة و التنجيم و علم الشياطين و من بين تلك المجموعة أمتلك واحدا من أكثر المخطوطات إثارة للإهتمام و المشار إليها بإسم كتاب سويجا المعروف بأنه أكثر كتب السحر غموضا و يشكل تحديا كبيرا للباحثين و العلماء فى وقتنا الحالى .
و يرجع غموض ” كتاب سويجا ” أو كما يطلق عليه أحيانا ” الدرعية ” الى أنه مكتوب بالكامل تقريبًا باللغة اللاتينية و يبدو أنه يحتوى على مجموعة من المعتقدات و التعاويذ السحرية لعصر النهضة بما في ذلك العديد من المخططات و الجداول و الرموز السرية بالإضافة إلى فقرات مختلفة عن علم التنجيم و قوائم الاقتران و أسماء و أنساب الملائكة و الشياطين أيضا كما به العديد من الإشارات إلى كتب سحرية أخرى في العصور الوسطى لم يسمع عنها أحد من قبل و رغم أن معظم ” كتاب سويجا ” باللغة اللاتينية و بالتالي يمكن ترجمته بسهولة إلا أنها ليست كلها واضحة حيث يوجد العديد من الكلمات لأسباب غير معروفة مكتوبة بشكل عكسي و هناك العديد من الرموز الرقمية التي لم يتمكن ” جون دي ” نفسه من حلها في دراساته المهووسة للكتاب و التي لا تزال غامضة بالفعل حتى يومنا هذا حيث يقول عنها عالم الرياضيات و الباحث “جيم ريدز” أن ذلك الأسلوب سمة من سمات السحر الكابالي الجديد الذي كان شائعًا في القرن السادس عشر .
و يرجع سر إهتمام ” جون دى ” لدراسة ” كتاب سويجا ” تحديدا هو اعتقاده أنه يحمل في طيات صفحاته بعض من الأسرار العميقة للكون لذلك خصص الكثير من وقته لدراسته بشكل محموم و محاولة فك شفرته و وصل بالفعل الى مستويات متفاوتة من النجاح لكنه كان يائسًا للغاية من الخوض في أسراره العميقة و فك رموز الصفحات الـ 36 الأخيرة من الكتاب و التي أحتوت على جداول مليئة بأحرف لاتينية عشوائية حيث أدرك أنها تحتوي على نوع ما من الرسائل المشفرة لكنه لم ينجح أبدًا في الكشف عن معناها على الرغم من أنه استخدم بعض الأساليب المتطرفة و غير التقليدية مثل طلبه مشورة الملائكة من خلال محاولة التواصل معها حيث أدعي أنه تحدث مع الملاك “أوريل” عن الكتاب و الذى قال له أنه ظهر عندما دخل “آدم” الى الجنة و أنه لا يمكن ترجمته و فهمه بشكل صحيح الا من قبل رئيس الملائكة “ميخائيل” و أضاف أن ذلك الكتاب ملعون و أي شخص سيفك معانى الجداول المشفرة سيموت حتمًا بعد عامين ونصف , و لا يعرف عما إذا كان ” جون دي ” قد حصل على أي إجابات أخرى لكننا نعلم أنه ظل مهووسًا حقًا بالكتاب حتى وفاته و دون أن يستطيع أن يفك أسراره على الإطلاق .
و بعد وفاة ” دي ” تعرضت معظم مكتبته للنهب و الضياع ثم اختفى ” كتاب سويجا ” و كان يُعتقد أنه فقد حتى عام 1994 عندما عثرت ” ديبورا هاركنيس ” و هى باحثة أمريكية و خبيرة الماورائيات و المهتمة بأبحاث ” جون دي ” على نسختين منه واحدة كانت موضوعة بين أكوام من الكتب القديمة و المتربة في المكتبة البريطانية و الثانية بعد عدة أشهر فى مكتبة بودليان و أستطاعت إثبات أنها نسخًا حقيقية من ” كتاب سويجا ” المفقود منذ زمن طويل و لكن مع التقدم التكنولوجى الذى أصبح عليه العالم في العصر الحديث الا أن فكرة معرفة أسراره كانت لا تزال بعيدة المنال فعلى الرغم من أن عالم الرياضيات و الباحث “جيم ريدز” قد تمكن من فك شفرة خوارزمية بناءه و صيغته الرياضية و الكلمات المستخدمة في إنشاء جداوله الرقمية و حتى العثور على الأخطاء التي ارتكبها مؤلف الكتاب أو مؤلفوه إلا أنه لا يزال من غير المعروف ما يعنيه أي منها بالفعل أو ما هي أهميتها و ترابط الرموز ببعضها و لحسن حظه أنه ظل على قيد الحياة لمدة 12 عاما بعد فكه تلك الرموز و هذا نسفا لأسطورة لعنة الكتاب و مع ذلك يقول البعض أن حقيقة قرأته الصفحات لا تعني أنه فسرها و لكن فقط أولئك الذين تمكنوا من تفسيرها بشكل صحيح هم من تطولهم اللعنة .
و حتى يومنا هذا عمل الكثير من الناس على محاولة كشف أسرار ” كتاب سويجا ” و مع ذلك فقد ظل إلى حد كبير غامضًا كما كان دائمًا و لا احد يعرف ماذا نستخلص من تلك النصوص و من كتبه و لأي غرض و هل يحمل بعض القرائن المهمة على طبيعة واقعنا أم أن هذا كله مجرد مزحة من جانب مؤلفيه و لكن بدا لـ “جون دي” أنها كانت مخطوطة ذات أهمية قصوى و للأسف كل تلك الأسئلة حتى اللحظة لا يوجد أى اجابات عنها .