دائما اذا أقترن إسم أحد الأفلام السينمائية بالكاتب و المخرج كريستوفر نولان فأنت كمشاهد ستكون على يقين من متابعة عمل فني دسم و مليئ بالأفكار و المعلومات العلمية أو التاريخية المصحوبة بمؤثرات صوتية و بصرية فريدة نوعها لأن ذلك هو ما أعتاده الجمهور على رؤيته من ذلك المخرج العبقرى التى أصبحت أفلامه من العلامات البارزة فى تاريخ السينما العالمية و تلقى استحسانا و اشادات من الجمهور و النقاد على حد سواء و هو أمر ليس بالغريب من شخص أحب ذلك المجال منذ الصغر و بدء فى تصوير و اخراج الأفلام القصيرة خلال فترة مراهقته الى أن بدء مسيرته الحقيقية و الإحترافية بعمل فني بسيط للغاية سواء من ناحية الإخراج أو التمثيل و هو فيلم Following الذى قام هو و زوجته و بطل العمل بإنتاجه و بميزانية لا تتعدى 3000 جنيه أسترلينى و كان بداية تعريف الناس بإسم ذلك المخرج و نقطة إنطلاقه نحو إخراج أفلام أخرى بعظمة إنسبشن Incption و بين النجوم Interstellar و غيرها .
و بكل تأكيد يعتبر فيلم Following و الذى تدور أحداثه فى إطار من الجريمة و الغموض حول كاتب مكافح يتابع الناس على أمل أن يكونوا مصدر إلهام لروايته الأولى الى أن يتعرف على أحد اللصوص الذى يعرفه على عالم الجريمة التى ينتقل من خلالها من قصة الى أخرى بمثابة نقطة مفصلية فارقة فى مسيرة “كريستوفر نولان” الفنية لذلك ليس بالغريب ان يتحدث عنه دائما خلال لقائاته العديدة و التى كان واحد منها خلال زيارته مؤسسة التمويل الدولية بمدينة “نيويورك” فى ” الولايات المتحدة ” لعرض نسخه الخاصة التي تم ترميمها من فيلمه الأول Following بالإضافة إلى أحد أفلامه القصيرة Doodlebug حيث روى طبيعة التحديات التى واجهته فى إخراج ذلك العمل و كيف يمكن مقارنته بأفلامه التى رافقتها ميزانيات انتاجية ضخمة بحجم إنسبشن و ثلاثية باتمان النولانية الشهيرة حيث يروى ذكرياته و يقول أن ذلك الفيلم الذى أنتج عام 1998 تم تصويره فى ” المملكة المتحدة ” بمدينة ” لندن ” على مدار عام كامل و بدون ميزانية عمليًا .
و يقول ” كريستوفر نولان ” أنه أستلهم قصة فيلم Following من شيئين مر بهما فى حياته و هى طبيعة الحياة في “لندن” المزدحمة و تعرض شقته لحادث سطو و هو ما جعله يتسائل عن قصة ذلك الشخص الذى أقتحم الشقة و بدء على الفور بكتابة نص ذلك الفيلم بترتيب زمني أولاً ثم عاد و أعاد ترتيبه مجددا و يضيف بأنه كان هناك الكثير من إعادة الكتابة فيه لمحاولة تكوين سرد شامل و متدفق للأحداث و تعمد أن تكون أحداثه ذات بنية جزئية و مختلفة القصص لأن ذلك سيتناسب مع جدول التصوير المتقطع و الذى كان يومًا واحدًا في الأسبوع يقومون فيه بالتقاط حوالي خمس عشرة دقيقة من اللقطات كل مرة حيث أستمروا على ذلك المنوال لمدة عام كامل بذلوا فيه جهدًا كبيرا من دون ميزانية تقريبا و قد تعمد أن يكتب السيناريو بذلك الشكل لاستيعاب ذلك حيث كان التسلسل الزمني غير المنتظم هو ما سهل الاستمرارية فى التصوير و أضاف انه اختار ان يكون تصوير الفيلم باللونين الأبيض و الأسود لأنه يعطى إحساسا أنيقا إضافة الى إخفاء بعض من قيود الميزانية لأنه عندما لا يكون لديك مال على الإطلاق و لا موارد فإن محاولة تحقيق التصوير السينمائي الملون أمر صعب للغاية حتى انه و لضعف الإنتاج قام ببطولته مجموعة من أصدقائه و كان يتم تصويره في شققهم الخاصة و في مطاعم معارفه و التقطوا العديد من اللقطات أثناء الطيران و لم يستمر أحد فيهم فى مهنة التمثيل سوى “لوسي راسل” التي لعبت دور الشقراء .
و نظرًا لأنه لم يكن لديه الكثير من المال لشراء مخزون من الأفلام و معالجتها أراد ” كريستوفر نولان ” في فيلم Following تجنب القيام بعدد كبير من تصوير اللقطات و المشاهد لذلك قام ممثلوه بالتدرب لمدة 6 أشهر كما لو كانوا يقومون بمسرحية و قال عندما يكون هناك خطأ بسيط في مسرحية لا يتوقف الممثلون و يستمرون فى تمثيلهم و هذا ما كنت فى حاجة اليه لذلك كان يتدرب الممثلين على المشاهد جيدا قبل التصوير كبروفات لأنه عند الإنتقال الى احد المواقع و المتاح وجودنا فيه لمدة ساعة واحدة لم يكن لدينا رفاهية فى اعادة تصوير المشاهد حال حدوث أخطاء بل كنا نلتقطها لمرة أو اثنان فقط و رغم تلك القيود و صعوبة تنفيذ ذلك الا ان فريق العمل استوعب الأمر و قدم أداء رائعا و يضيف “نولان” أنه فى ذلك الفيلم و بإعتباره مخرجه كان مسئولا عن كل شئ و أن وظيفته الحقيقية كانت بمثابة أن يكون عين الجمهور لذلك فعند محاولة تصوير اى لقطة يضع فى اعتباره بكيف سيكون شعوره اذا كان احد المشاهدين لذلك المشهد .
أقرأ أيضا : الأميرة ديانا و قصة ترشيحها لتكون بطلة الجزء الثانى لفيلم بودى جارد
و الجدير بالذكر أنه رغم بساطة انتاج فيلم Following و ميزانيته المنخفضة الا أنه عند صدوره تلقى اشادات من قبل النقاد و الجمهور مع الكثير من المراجعات الإيجابية و حصل على العديد من الجوائز منها جائزة النمر في مهرجان “روتردام” السينمائي الدولي و جائزة “أفضل فيلم ” في مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي الدولي اضافة الى انه كان سببا فى بداية شهرة “كريستوفر نولان” لينتقل بعدها الى هوليوود و يبدء مسيرة فنية مليئة بالنجاح و الإبداع .