لا توجد قائمة بأشهر النساء فى التاريخ الا و كان بها اسم الأمريكية هيتي جرين المعروفة فى الأوساط المالية و الإقتصادية فى مطلع القرن العشرين بأنها سيدة أعمال من الطراز الفريد و قليل ما تجد أحد بمثل ذكائها فى ادارة الإستثمارات و العقارات و هو الأمر الذى أكسبها ثروة ضخمة جعلتها من أغنى النساء على وجه الأرض حتى أن الصحافة الأمريكية أطلقت عليها لقب ساحرة وول ستريت و لكن رغم ثرائها الفاحش و الذى كان من الممكن أن يكسبها حياة مرفهة هى و أبنائها أشتهرت أيضا بعادة سيئة و هى البخل الشديد و الحرص على المال بشكل مرضي لدرجة أنها قد تسببت فى فقدان إبنها لساقه حين كان طفلا بسبب رفضها الذهاب الى الأطباء لفخصه بدعوى المغالاة في ثمن كشفهم .
وُلدت “هارييت روبنسون” و المعروفة بإسم ” هيتي جرين ” بولاية “ماساتشوستس” فى “الولايات المتحدة” عام 1834 لعائلة ثرية تنحدر من منطقة “نيو إنجلاند” و التى جنت ثروتها من خلال أسطول صيد للحيتان المتمركز في ميناء “نيو بيدفورد” و توفي شقيقها الوحيد عندما كان صغيرًا جدًا و أصبحت هى وريثة ثروة العائلة الوحيدة و هو عبء حرص والدها على الاستعداد له لذلك و هى فى السادسة من عمرها حين برعت فى القراءة و الكتابة بدأت تعلم كيفية الحفاظ على ممتلكاتها و شجعها على ذلك جدها “جدعون هولاند” من خلال حثها على قراءة الصحف الأقتصادية و مناقشة الأمور المالية معه و عندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها كانت قد تولت إدارة أعمال العائلة و وصلت درجة حبها لعالم المال و الأعمال أن والدها فى احدى المرات اشترى لها حين كانت في العشرين من عمرها خزانة مليئة بأرقى فساتين الموسم من أجل جذب زوج ثرى لها فما كان من ” هيتي جرين ” الا أن باعت خزانة ملابسها الجديدة و اشترت بمقابلهم سندات حكومية مع العائدات و نتيجة رغبة والدها و جدها في أن تكون قادرة على إدارة شؤونها المالية الخاصة و ألا تضطر إلى الاعتماد على أي شخص آخر قامت ” هيتي ” الصغيرة بالإشتراط على زوجها الجديد المليونير “إدوارد هنري جرين” بعدم التدخل فى أسلوب ادارتها لممتلكاتها حيث كان من المعروف فى ذلك الوقت ان الزوج هو من يقوم بأدارة شئون و ممتلكات زوجته و وافق على ذلك و ثبت أنها كانت خطوة حكيمة من جانبها حيث أفلس “إدوارد” عام 1885 و انفصلا بعد أن رفضت زوجته تغطية ديونه .
و بدأت ثروة “هيتي جرين” فى النمو بثبات على مر السنين من خلال المضاربة على الدولار و الاستثمار في الرهانات العقارية و اعطاء القروض و إدارة العقارات و السكك الحديدية و كانت بارعة بشكل خاص في الازدهار أثناء سقوط الآخرين من خلال شراء أسهمهم المتراجعة بأرخص الأسعار اضافة الى وفاة العديد من أفراد عائلتها و بالتالى كانت تحصل على أجزاء من ثرواتهم بشكل زاد من ثروتها الضخمة بالفعل و بحلول عام 1905 صنفتها احدى المقالات على أنّها واحدة من أغنى عشرين شخصًا في العالم قائلة أن ثروتها الصافية أقل بكثير من ثروة “جون دي روكفلر” و لكنها أعلى بكثير من الملك “إدوارد الثامن” ملك “المملكة المتحدة” و كانت هى الأنثى الوحيدة الموجودة فى تلك القائمة و لعل ذلك هو السبب فى زيادة اهتمام وسائل الإعلام بها بسبب حقيقة أنها كانت امرأة ناجحة في مجال كان يعتقد انه محصور على الرجال فقط و أطلقت عليها الصحف لقب “ساحرة وول ستريت” و ذلك بعد أن ارتدت ملابس حداد في ضوء وفاة زوجها المنفصل عنها في عام 1902 و بعد ذلك لم تُشاهد في الشارع إلا بملابس كثيفة من الحجاب الأسود .
و رغم قصة النجاح المالية التى صاحب حياة ” هيتي جرين ” الا انه كان لها جانب أخر أكسبها شهرة أكبر و هى البخل الشديد الذى ظهر فى عدد من المواقف خلال حياتها أبرزها أنها كانت ترتدي فستانًا أسودًا قديمًا و ثوبًا داخليًا لم تغيرهم إلا بعد تهالكهم حتى أنها علقت على منتقديها قائلة لمجرد أنني أرتدي ملابس بسيطة و لا أنفق ثروة على ثيابي فإنهم يقولون إنني غريبة الأطوار أو مجنونة و لكن لم يكتفى الأمر على الملابس فقط حيث كان من المعروف عنها بأنها لا تغسل يديها و لا تهتم بنظافتها الشخصيه و كانت أظافرها متسخة باستمرار حيث وصل الامر الى ان الموظفين الذين كانوا يتعاملون معها يبقون بعيدًا عنها قدر الإمكان لرائحتها الكريهه فى الصيف كما ان أصحاب المتاجر المحلية كانوا يخافون من وضع يديها المتسخة على اى قطعة من بضائعهم و كانت تركب عربة قديمة و تأكل في الغالب فطائر تكلفتها خمسة عشر سنتًا و تسافر لآلاف الأميال بمفردها في عصر كانت فيه قلة من النساء لا يجرؤن على السفر دون مرافق لتحصيل دين يبلغ بضع مئات من الدولارات و تدعي إحدى الحكايات أن ” هيتي جرين ” أمضت نصف ليلة في البحث في عربتها عن طابع ضائع قيمته سنتان و انعكس ذلك البخل على أسرتها حيث تسببت فى معاناة ابنها “نيد” من بتر ساقه بسبب حادث تزلج لأنها تأخرت طويلاً في البحث عن عيادة مجانية حتى أصبحت حالته غير قابلة للشفاء و يمضى باقى حياته أعرجا كما أنها أستمرت في العمل لمدة 20 عامًا محاصرة بفتاق مؤلم قبل أن تضطر أخيرًا إلى رؤية طبيب لاجراء جراحة لها حيث كانت غاضبة من دفع رسومها التى بلغت 150 دولارا لكنها كانت يائسة جدًا من الألم لدرجة أنها وافقت على الدفع .
و في حين أن معظم هذه القصص لم يتم التحقق منها أبدًا إلا أن ” هيتي جرين ” كانت بلا رحمة بالتأكيد في بعض الجوانب حيث أقامت دعاوي قضائية ضد بعض من أفراد عائلتها عندما ادعت أنه من المفترض أن تكون هى الوريث الوحيد فى ثروة خالتها “سيلفيا آن هولاند ” و التى تركت وصية عند وفاتها بأهمية ان توزع ثروتها على عدة أشخاص لكن “جرين” زعمت أن لديها وصية سابقة تقول أنها الوريثة الوحيدة و بعد عرض الوصية التى قدمتها ” هيتي جرين ” على خبراء فى الطب الشرعي تم إثبات أنها مزورة و هو ما دفعها الى ترك ” الولايات المتحدة ” و الهرب الى ” لندن ” تحسبا لأى ملاحقات قضائية لها بتهمة التزوير الى أن أنتهت القضية بحدوث تسويات بين الورثة و عودتها مجددا الى بلادها .
أقرأ أيضا : تشارلز فانس ميلر المليونير المتوفى الذى نجح بإقناع نساء كندا على التنافس لإنجاب أكبر عدد من الأطفال
و توفيت ” هيتي جرين ” عام 1916 تاركة وراءها ثروة سائلة تقدر بـ 100 مليون دولار و أكثر من ذلك بكثير في الأراضي و الاستثمارات و تم تقسيمها بين إبنيها الذين تمتعوا بالمال أكثر بكثير مما كانت تمتلكه والدتهم و لعل سبب عدم تركها لإرث من اسمها كما فعل أقرانها الذكور من رجال الأعمال مثل كارنيجي و روكفلر هو أنها لم تكن من رجال الصناعة حيث كان عملها الوحيد هو الاستثمار في العقارات و الأسهم و السندات أما بالنسبة للطامحين الذين تطلعوا لتقليد نجاح جرين المالي فقد أعطت لهم هذه النصيحة بأنه لم يكن هناك سر كبير في تكوين الثروة فكل ما عليك فعله هو الشراء بسعر رخيص و البيع غالي و تصرف باقتصاد و دهاء ثم التحلي بالإصرار .