بدون شك فإن بطولة كأس العالم تعتبر واحدة أهم البطولات الرياضية التى ينتظرها عشاق كرة القدم فى جميع أنحاء العالم و دائما عند انطلاق المونديال تمتلئ جميع الصفحات الرياضية و المجلات المتخصصة بأخبار تلك البطولة لتشمل تحليلات و إحصائيات و سير ذاتية تخص اللاعبين المشاركين و المنتخبات و لكن لمرتين فى تاريخ كأس العالم أنتقلت أخباره من صفحات الرياضة إلى صفحات الحوادث و الجريمة لتتصدر عناوين سرقة كأس العالم مانشيتات الصحف بعد تعرضه الى السرقة لمرتين رغم كل الإستحكامات الأمنية التى كانت حوله واحدة كانت بإنجلترا فى المملكة المتحدة بمنتصف الستينيات قبل إنطلاق البطولة و لحسن الحظ تم العثور عليه عن طريق الصدفة بواسطة أحد الكلاب و الأخرى كانت فى البرازيل بأوائل الثمانينيات الا انه بعكس سابقه لم يتم العثور عليه مطلقا .
سرقة كأس العالم الأولى
فى يناير عام 1966 تسلم الاتحاد الانجليزى لكرة القدم كأس العالم الفضية التى كانت مسماة بكأس ” جول ريميه ” قبل إنطلاق البطولة المزمع تنظيمها في يوليو من نفس العام و كان عادة ما يتم الاحتفاظ به في مقره الرئيسي في “لانكستر جيت” و في فبراير تلقت شركة طوابع “ستانلي جيبونز” تصريح بوضع الكأس في معرض “ستامبيكس” خلال شهر مارس بشرط أن يكون تحت الحراسة المشددة في جميع الأوقات مع وضع تأمين على الكأس بمبلغ 30 ألف جنيه إسترليني على الرغم من أن قيمته الرسمية تبلغ 3000 جنيه إسترليني فقط و بالفعل أقيم المعرض في ” ويستمنستر سينترال هوول ” حيث كان كأس العالم نقطة جذب رئيسية له و كان مخصص ضابطان يرتديان الزي الرسمي يقومان بحراسة الكأس على مدار الساعة معززين بضابطين أخرين يرتديان ملابس مدنية خلال النهار و بصحبة حراس إضافيين بجانب خزانة العرض عندما كان المعرض مفتوحًا .
و فى يوم الأحد 20 مارس و خلال إستلام الحراس لوردية الظهيرة لاحظوا حوالي الساعة 12:10 أن شخصًا ما قد قام بفتح صندوق العرض و سرقة الكأس و مغادرة المكان على الفور و الغريب ان الحراس لما يروا أو يسمعوا أى شيء مريب على الرغم من أن أحد الشهود قد ذكر بأنه رأى رجلاً غريباً قريب من المكان وقت السرقة و نظرا لأهمية تلك القضية فقد تسلمت ” سكوتلانديارد ” ملفها و أوكلت لحلها أفضل محققيها الذين بدأوا التحرى و استجواب الحراس و عمال الصيانة و تم نشر خبر سرقة كأس العالم في جميع الدول خلال اليوم التالي و بدأت الشرطة في البحث عن اثنين من المشتبه بهم المحتملين رغم أن الوصف الذي قدمته الصحف لا يتوافق مع أي من الرجلين اللذين شاهدهما الشهود .
و خلال الإنشغال بالبحث عن المتورطين تلقى “جو ميرز” رئيس اتحاد الكرة الانجليزى يوم الاثنين 21 مارس مكالمة هاتفية من أحد المجهولين الذى أخبره أنه سيحصل على طرد في اليوم التالي و بالفعل تم تسليمه الى منزله و احتوى على جزء من أعلى الكأس و ورقة ملحقة تطلب فدية 15000 جنيه إسترليني على فئات 1 جنيه و 5 جنيهات و بضرورة أن يضع الاتحاد الانجليزى عند الموافقة رسالة مشفرة في عمود الإعلانات الخاص بصحيفة The Evening News مع الوعد أنه اذا تم الامتثال لتلك التعليمات بدقة فيمكنهم استعادة الكأس و هدد صاحب الرسالة أنه إذا أبلغ الاتحاد الإنجليزي الشرطة أو الصحافة فإنهم سيذيبون الكأس و بعد ذلك بوقت قصير تلقى “ميرز” مكالمة أخرى من رجل مجهول عرف نفسه باسم “جاكسون” يبلغه بتغيير الشروط بأن يكون ما الفدية من فئة 5 و 10 جنيهات إسترلينية مع التأكيد على عدم إبلاغ الشرطة و لكن على الرغم من تلك التحذيرات اتصل “ميرز” بسكوتلانديارد و التقى بالمحقق “تشارلز باجي” الذى طلب منه أن ينشر الإعلان في 24 من مارس و تجهيز فدية كاذبة مكونة بحزم من الأوراق العادية اما الأموال الحقيقية فكانت في الجزء العلوي و السفلي و وضعت في حقيبة و كان من المقرر أن يقوم اثنان من ضباط الشرطة بدور مساعدي “ميرز” في تسليم تلك الأموال للسارق و ذهبا إلى منزله لانتظار المكالمة التالية .
و حدث اتصال جديد كان “ميرز” وقتها يعاني من نوبة ربو لذا ردت زوجته بدلاً من ذلك و أعطت الهاتف إلى المحقق ” باجى ” بإعتباره مساعده حيث كان “جاكسون” على الطرف الأخر متوترًا من ذلك الرجل الذى يحادثه الا أنه وافق أخيرًا على المقابلة و طلب من “باجى” الحضور إلى حديقة “باترسي بارك” لمقابلته عند البوابة و حضر بالفعل و تبعه عدد من سيارات ” سكوتلانديارد ” التي لا تحمل أية علامات و التقى بـ “جاكسون” و أظهر له حقيبة الأموال و فشل “جاكسون” في ملاحظة أن معظمها عبارة عن قصاصات ورقية و أصر المحقق على رؤية الكأس قبل تسليم الأموال و وافق “جاكسون” و صعد إلى سيارة “باجي” لارشاده عن مكانه و فى الطريق لاحظ سيارات الشرطة التي تبعتهم و بدأ فى التوتر و عند أقرب إشارة مرور في طريق “كينينجتون بارك” طلب من ” باجى ” التوقف و قال إنه سيذهب لجلب الكأس و عندما ذهب بعيدًا اختفى ثم ظهر مرة أخرى و أخبره “باجي” أن يعود إلى السيارة ليركب معه مجددا و بعد فترة وجيزة قفز “جاكسون” من السيارة المتحركة و هرب بعيدًا و لاحقه المحقق أولاً بسيارته ثم مشياً على الأقدام و تمكن فى النهاية من أسره في حديقة احد المنازل و كشف له عن هويته و تم اعتقاله و اقتياده إلى مركز شرطة “كينينجتون”.
و في قسم الشرطة تم التعرف على هوية “جاكسون” الذى كان “إدوارد بيتشلي” و هو لص صغير و تاجر سيارات مستعملة أدين بالسرقة و استلام بضائع مسروقة حيث نفى “بيتشلي” أنه سرق الكأس و ادعى أنه يمكنه استعادتها إذا تم الإفراج عنه بكفالة و هو ما تم رفضه و وجهت إليه رسميا تهمة سرقة الكأس و لكن أدعى “بيتشلي” أن شخصًا يعرفه فقط باسم “القطب” و هو من سرقه و عرض عليه 500 جنيه إسترليني للعمل كوسيط .
إستعادة الكأس
و خلال البحث المضنى عن الكأس و فى يوم 27 من مارس كان “ديفيد كوربيت” و كلبه “بيكلز” يسيران في منطقة “بيولا هيل” جنوب شرق “لندن ” و بشكل مفاجئ بدأ الكلب يشم طردًا ملفوفا فى جريدة قديمة و مربوطا بخيوط و يرقد تحت سياج منزل “كوربيت” و عندما فتح الطرد تعرف على الكأس عندما لاحظ أسماء الفائزين في الأسفل و قام على الفور بالتوجه الى مركز شرطة ” جيبسى هيل ” حيث تم التحفظ عليه و على الكأس للتأكد من عدم تورطه فى ذلك الأمر و بمجرد وصول مندوب من اتحاد الكرة الانجليزى تعرف على الكأس و أطلق سراح ” كوربيت ” لعدم وجود أى أدلة ضده و أعلنت الشرطة العثور عليه في صباح اليوم التالي لكنها احتفظت به كدليل حتى 18 من أبريل و بعدها أعادوه إلى اتحاد كرة القدم قبل افتتاح البطولة .
أقرأ أيضا : الكلب ماجور .. قصة الكلب الذى ساهم فى انقاذ نادى مانشستر يونايتد و بناء تاريخه
و أصبح الكلب “بيكلز” لفترة وجيزة من المشاهير و ظهر على التلفزيون و في بعض الأفلام و حضر “ديفيد كوربيت” عشاء احتفال اللاعبين بعد نهائي كأس العالم و تلقى لاحقًا مكافآت بلغ مجموعها 6000 جنيه إسترليني و قدم اتحاد الكرة نسخة طبق الأصل من الكأس للاحتفالات العامة و على الجانب الاخر أدين “إدوارد بيتشلي” بتهم الحصول على فدية و التهديد بقصد السرقة و حُكم عليه بالسجن لمدة عامين و الطريف انه خلال محاكمته صرح انه مهما كانت عقوبته فانه يتمنى الفوز لمنتخب بلاده بكأس العالم و توفي عام 1969 و في عام 2018 حدد ” توم بيتيفور ” و هو أحد الصحفيين الاستقصائين الجنائين هوية سارق كأس “جول ريميه” بأنه يدعى “سيدني كوجولير” .
سرقة كأس العالم الثانية
في عام 1970 حصلت “البرازيل” على كأس “جول ريميه” إلى الأبد بعد فوزها بكأس العالم للمرة الثالثة و لكن في عام 1983 سُرقت الكأس مرة أخرى على يد رجل يدعى ” سيرجيو بيريرا أيريس ” الذى كان مصرفيا و وكيل نادٍ لكرة القدم (أتليتيكو مينيرو ) و هو العقل المدبر للسرقة مع أثنين أخرين أحدهم ضابط شرطة سابق يُدعى “فرانسيسكو ريفيرا” و مصمم الديكور “خوسيه لويز فييرا” حيث دخل الرجلان مبنى الاتحاد البرازيلي لكرة القدم (CBF) و بعد أن عطلوا جرس الإنذار سرقوا الكأس و جائزتين أخريين و تم التعرف عليهم بعد أن أعترف أحد الأشخاص و يدعى “أنطونيو سيتا” أن ” سيرجيو ” قد حاول استمالته من أجل الانضمام الى تلك السرقة لكنه رفض بدافع حب الوطن و لأن شقيقه قد توفي بنوبة قلبية عندما فازت البرازيل بكأس جول ريميه.
أقرأ أيضا : ماذا تعرف عن بطولة كأس العالم المصغرة لكرة القدم و المعروفة بإسم الموندياليتو
و تم إلقاء القبض على ” سيريجيو ” و باقى أفراد عصابته و زُعم أن تاجر الذهب الأرجنتيني “خوان كارلوس هيرنانديز” قد قام بصهر الكأس في سبائك ذهبية و نفى “هيرنانديز” تلك الاتهامات رغم أن آثار الذهب التي تم العثور عليها بعد تحليل مسبكه تتوافق مع نفس مادة الكأس و عليه تم القبض على “هيرنانديز” أيضا و عندما صدرت أحكام بحقهم هربوا جميعًا الا ان مصيرهم كان سيئا حيث قتل “فرانسيسكو ريفيرا” بالرصاص عام 1989 على يد خمسة رجال في حانة و أعيد القبض على “خوسيه لويز فييرا” وأُطلق سراحه من السجن عام 1998 و توفي “أنطونيو سيتا” في حادث سيارة عام 1985 بينما كان ذاهبًا إلى مركز الشرطة للإدلاء بشهادته بشأن الجريمة اما تاجر الذهب “خوان كارلوس هيرنانديز” فقد اشترى عقارًا فاخرًا في حي فاخر بمدينة “ريو” بعد فترة وجيزة من السرقة ثم فر إلى “فرنسا” و اعتقل في عام 1998 في محطة للحافلات في “ساو باولو” بتهمة الاتجار بالمخدرات و ذلك بعد أن قضى أيضًا فترة سجن في فرنسا لنفس الجريمة و تم إطلاق سراحه من السجن عام 2005 كما تم إطلاق سراح العقل المدبر ” سيرجيو بيريرا أيريس ” من السجن في عام 1998 و توفي بنوبة قلبية في عام 2003 و لم يتم استرداد الكأس و بدلاً من ذلك تم تقديم نسخة طبق الأصل من كأس “جول ريميه” إلى الاتحاد البرازيلي لكرة القدم في عام 1984.