في صيف عام 2017 أختفى رجل يبلغ من العمر 53 عامًا يُدعى جيف مورفي بعد فترة وجيزة من شروعه القيام بنزهة في حديقة يلوستون الوطنية بولاية وايومنج فى الولايات المتحدة , و في حين أنه من المؤسف أن يفقد المتنزهون حياتهم أثناء عبور أماكن تحتوى على تضاريس خطرة و هو أمر شائع إلا أن سبب وفاة مورفي كانت نتيجة بحثه عن كنز فورست فين و هو أحد الكنوز الحقيقية المدفونة فى تلك المنطقة بجبال روكى و الذى يحتوى على قطع نفيسة تقدر بملايين الدولارات و كما يحدث فى الروايات فقد انطلق سباق محموم للبحث عنه بغرض الوصول إليه فى مغامرات لا تخلو من المخاطر المهددة للحياة و كل ذلك من خلال إتباع مجموعة من الأحاجى و الألغاز التى تصف كيفية الوصول إليه .
و ترجع أسطورة “كنز فورست فين” إلى ما يقرب من عقد من الزمان و تحديدا عام 2010 حين قرر تاجر ثري يدعى ” فورست فين ” إخفاء صندوق صغير يحتوى على قطع نفيسة من الذهب و المجوهرات و الذين يقدروا بملايين الدولارات في جبال “روكي” و قال أن مفتاح الوصول الى ذلك الكنز يتوقف على بعض من العوامل الأساسية و هى الإلمام بالجغرافيا الخاصة بالمكان و خريطة و احدى القصائد التى كتبها على مدونته عبر الانترنت و التى تحتوى على تسعة أدلة و رغم دعوته تلك للبحث عن الكنز الا أنه لم يتوقع ان يكون الاقبال عليها كبيرا بذلك الشكل او أن يتسع مدى نطاق البحث أو يسبب خطورة كبيرة على الساعين إليه حيث لقي خمسة أفراد على الأقل حتفهم خلال عملية البحث تلك .
أقرأ أيضا : جلوريا راميريز المرأة السامة التى لم يستطيع أحد الإقتراب من جثمانها لخطورته البيولوجيه
و لا يعرف الكثير حول صاحب كنز ” فورست فين ” سوى أنه كان طيارًا مقاتلًا في سلاح الجو الأمريكي خلال حرب فيتنام و أستمرت خدمته لمدة 20 عاما و يقال أنه نجا من 328 مهمة قتالية و حصل على العديد من الأوسمة نتيجة شجاعته بما في ذلك وسام النجمة الفضية الذى يعتبر ثالث أعلى وسام شخصي للبسالة في القتال لدى القوات المسلحة الأمريكية أما فى أوقات فراغه و بعيدا عن الحياة العسكرية فقد كان ” فورست فين ” يرافق علماء الآثار و الحفريات في مواقع غريبة و مارس التجارة التى بدأها فى شراء منحوتات من أشهر الفنانين ثم يقوم بصبها بالبرونز و بيعها و بعد أن جمع ثروة معقولة من ذلك النشاط بدء فى شراء المقتنيات الأثرية الأمريكية الأصلية و افتتح بها العديد من المعارض و بحلول أواخر ثمانينيات القرن الماضي كانت مجموعة مقتنيات ” فورست فين ” كبيرة جدًا و حصرية لدرجة أنه كان يحقق أرباحًا تقارب 6 ملايين دولار سنويًا و كان عملاءه من المشاهير البارزين مثل السيدة “جاكلين أوناسيس” الزوجة السابقة للرئيس الامريكيى “كينيدى” و المخرج “ستيفن سبيلبرج ” و الممثل “روبرت ريدفورد” .
و خلال تلك السنوات كانت حياة ” فورست فين ” سعيدة مع زوجته ” بيجى ” الا أن كل ذلك قد تغير بعد أن أصيب بمرض قاتل عام 1988 و اعتقد أنها نهاية حياته و بدأ يفكر عن مصير إرثه و عند تلك اللحظة ولدت فكرة “كنز فورست فين ” حيث قام بشراء صندوقًا رومانيًا يرجع تاريخه الى القرن الثاني عشر و ملأه سراً بقطع أثرية نفيسة و وضع به نسخة من سيرته الذاتية و خطط لنقل الكنز إلى الجبال و الموت بجانبه الا أنه و لحسن حظه استطاع التغلب على مرضه و كتبت له النجاة مجددا الا أن كنزه ظل موجود فى قبو منزله حتى عام 2010 و بعدها أعلن للعالم عنه قائلا أنه قام بنقله و مخبأ فى مكان ما و من يستطيع الوصول إليه فسيكون من نصيبه و فور الإعلان بدء سباق بين الناس على مدار 10 سنوات للبحث عنه حيث يقدر أعداد الباحثين عنه خلال تلك السنوات بأكثر من 300 ألف شخص و يقول ” فين ” أنه يتلقى 100 رسالة يوميا على بريده الإلكتروني من أفراد يطلبون منه مزيد من الأدلة على موقع الكنز .
و يبلغ وزن الصندوق و محتوياته ” 18 كيلوجراما و به عددا من العملات و القطع الذهبية التي تعود إلى حقبة ما قبل “كولومبوس” اضافة الى قطع نفيسة من الزمرد و الماس و قام ” فورست فين ” بإخفاءه و الإعلان عنه في أعقاب الركود الاقتصادى الذى ضرب الولايات المتحدة مؤخرا و الذى كان اختيار متعمد من جانبه حيث يقول انه نتيجة ذلك الركود فقد الكثير من الناس وظائفهم و كان يكُتب اليأس دائما في عناوين الأخبار لذلك فهو أراد فقط إعطاء الناس بعض من الأمل .
و بالتزامن مع الأعلان عن “كنز فورست فين ” أطلق أيضا كتاب يحتوى على سيرته الذاتيه و مذكراته و به خارطة طريق للعثور عليه و هى على شكل قصيدة مكونة من 24 مقطعًا قال “فين” عنها بأن بها تسعة أدلة من شأنها أن تقود الباحثين الى كنزه و الذين من ناحيتهم قاموا بتحليل و تشريح القصيدة و درسوا كل كلمة فيها بالتفصيل و بدأوا فى وضع نظريات و تفسيرات متعددة لكل دليل فردي و رغم أن الغالبية لم تشارك فى استنتجاتهم مع الجميع خوفا من قيام أخرين بإستغلالها للوصول الى الكنز الا أن ذلك لم يمنع من وجود مشاركات فى التحليل او التلميحات الجديدة التى قد يكون ” فين ” نفسه قد شاركها عن قصد او دون علم مع الجمهور حيث كانت توجد منتديات و مواقع ويب كاملة مخصصة لها يتشارك فيها الباحثين المعلومات و النصائح و التطورات التي حققوها في حل اللغز فعلى سبيل المثال قد يحمل الدليل الأول الذى يعتبر نقطة البداية للبحث عن الكنز و الذى يقول “ابدأ من حيث تتوقف المياه الدافئة” معاني عديدة مختلفة حيث يعتقد بعض الباحثين أن هذا يهدف إلى قيادتهم إلى أحد الينابيع الساخنة العديدة الموجودة في سلسلة جبال “روكي” كما اقترحت نظرية أخرى أكثر تفصيلاً أن المقصود هو النقطة التي يتحول فيها الماء الدافئ إلى ماء بارد داخل النهر و ما يدل على صدق تلك النظرية أن سمك السلمون المرقط يسبح فقط في المياه الباردة و “فين” هو صياد ماهر للأسماك و ذكر في الماضي على وجه التحديد أنه غالبًا ما يصطاد سمك السلمون المرقط نظرا لأن هناك نقاط محددة في الأنهار و الجداول حيث تتحول المياه فيها الدافئة إلى البرودة لذلك فمن المؤكد أنه سيتم العثور على بداية مسار كنز ” فوريست فين ” عند تلك النقطة .
و نظرا للتفسيرات المختلفة للقرائن التسعة بالإضافة إلى تفسيرات أخرى قالها ” فين ” بمهارة على مر السنين أدى ذلك إلى دفع الساعين عن الكنز نحو التضاريس الخطرة و في بعض الحالات فقد العديد من الأشخاص الذين ذهبوا للبحث عن “كنز فوريست فين” حياتهم حيث يقدر بأن هناك ما لا يقل عن خمس حالات اختفاء أو وفيات متعلقة بالبحث عن الكنز منذ بداية الإعلان عنه و حتى العثور عليه ففي يونيو عام 2017 اختفى “باريس والاس” البالغ من العمر 52 عامًا أثناء بحثه عن كنز “فين” و تم اكتشاف جثته لاحقا في أنهار “ريو جراندي” بعد يومين من اختفائه و كان آخر ضحية شخص يبلغ من العمر 58 عامًا انطلق للبحث عن الكنز مع رفيقه في مارس عام 2020 و توفي لاحقًا بعد أن أنقذت السلطات الرجلين بالقرب من نصب الديناصورات الوطني على طول حدود ولايتى “يوتا” و “كولورادو” و نتيجة كثرة الوفيات فقد أثار ذلك قلق الشرطة موضحين أن عمليات البحث عن الضحايا ليست بالسهلة فى تلك الاماكن لاحتوائها على حيوانات مفترسة و ثعابين سامة و تغطية رديئة للهواتف المحمولة اضافة الى أن بعض الساعين عن الكنز لا يقدمون سوى بيانات تقريبية عن الموقع لأحبائهم قبل الخروج في محاولة مضللة لحماية أنفسهم من الباحثين المتنافسين و هو ما يجعل عمليات الإنقاذ في حالات الطوارئ شبه مستحيلة و نتيجة لذلك فأهابت الشرطة “فوريست فين” أن يعمل على الدعوة لوقف عمليات البحث عن الكنز تمامًا لكنه من ناحيته رفض و أصر على إبقاء البحث و قدم للباحثين عن الكنوز المزيد من الأدلة و دعاهم الى توخى الحذر و البقاء في أمان حيث كتب أنه في ضوء حادث وقع مؤخرًا و حرصًا على سلامة الجميع فقد شعر أنه مدين للمجتمع بالكشف عن مزيد من المعلومات موضحا أن صندوق الكنز ليس تحت الماء كما أنه ليس بالقرب من نهر “ريو جراندي” و ليس من الضروري تحريك الصخور الكبيرة أو التسلق لأعلى أو أسفل منحدر و ليس تحت جسم من صنع الإنسان كما ذكّر الباحثين بأنه كان يبلغ من العمر 80 عامًا عندما أخفى الكنز لذلك سيكون مكان الاختباء مكانًا يمكن للرجل المسن الوصول إليه بسهولة و نصحهم بالحذر و عدم المجازفة مذكرا بأن البحث من المفترض أن يكون ممتعًا .
أقرأ أيضا : قبو يوم القيامة .. مبنى حيوى يقبع بالقرب من القطب الشمالى لضمان مستقبل البشرية و أمن الغذاء
و خلال تلك السنوات و التى وصلت على عقد كامل من دون الوصول الى أى جديد توقع مالك ” كنز فوريست فين “أن عملية البحث سوف تستمر لعقود أخرى على الأقل الا أن ذلك لم يحدث حيث أعلن عبر مدونته فى يونيو عام 2020 أنه تم العثور على الغنيمة التي تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات و مع ذلك عندما طُلب منه الكشف عن هوية من وجده و مكان العثور على الكنز لم يجيب سوى بان كل شئ سوف يتم الإعلان عنه فى الوقت المناسب لأن من وجده لا يريد ذكر اسمه و أضاف أنه تم تأكيد اكتشاف الكنز من خلال صورة أرسلها ذلك الشخص له و هو برفقة الصندوق حيث صرح خلال مقابلة صحفية أنه يشعر بمزيج من السعادة و فى نفس الوقت بنوع من الحزن لأن عملية البحث انتهت الا أنه فى واقع الأمر لم ينتهى أمر ” كنز فوريست فين ” بشكل كامل بعد أن قام بعض من من الباحثين عن الكنوز برفع دعاوى قضائية مختلفة حيث قامت “باربرا أندرسن” و تعمل محامية عقارات في “شيكاغو” بإتخاذ إجراءات قانونية ضد توزيع ذلك الكنز زاعمة أنها تعرضت للخداع بعد أن سرق من حصل على الكنز حلها للأدلة مطالبة منع ذلك الشخص من بيع الغنائم و منحها الكنز بدلاً منه و فى قضية منفصلة أخرى رفع رجل من ولاية “كولورادو” يدعى “ديفيد هارولد هانسون” دعوى قضائية ضد “فين” نفسه و يطالب الحصول على تعويض قدره 1.5 مليون دولار زاعمًا أنه ضل طريقه في البحث عن الكنز من خلال بيانات احتيالية وأدلة مضللة من “فين” كما أعتقد أخرين أن كنز “فين” لم يكن موجودًا بالأساس و أن البحث عنه كان مجرد خدعة خاصة و أنه لم يعلن عن اسم من وجده .
و نتيجة كثرة الضغوط و تهديد البعض برفع دعاوى قضائيه تم الكشف عن هوية الشخص الذى وجد “كنز فورست فين” و هو ” جاك ستوف ” طالب يدرس الطب من ولاية “ميتشيجان” و يبلغ من العمر 32 عاما حيث عثر عليه فى 6 من يونيو عام 2020 فى ولاية ” وايومنج ” و أخبر ” فين ” فور عثوره على الكنز و الذى قال له انه يجب أن يعلن الخبر لباقى الباحثين و فى نفس الوقت أحترم رغبة ” جاك ستوف ” بإبقاء هويته سرا لأسباب تتعلق بالسلامة الا أن بعدها كان الكشف عن هويته أمرا ضرورى لأسباب قضائيه .