يميل الكثيرين الى الإعتقاد بأن الإنسان هو من له التأثير الأكثر تخريبا على كوكب الأرض سواء بنشره الملوثات و إشعاله للحروب أو لدوره الأساسى فى ظاهرة الإحتباس الحرارى و رغم صحة ذلك إلا أنه يوجد أسباب طبيعية أخرى لا تقل خطورة عن ما سبق يأتى فى مقدمتها ما يخرج من باطن الأرض فى صورة ثورات بركانية تغطى السماء برمادها و تكتسح حممها الملتهبة كل ما يقف فى طريقها محدثة خسائر فادحة سواء مادية أو بشرية , ففي 18 من مايو عام 1980 بلغ ثوران بركان جبل سانت هيلين بولاية واشنطن ذروته بإنفجار دام تسع ساعات و بقوة أقوى 500 مرة من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة هيروشيما و أدى الى فقدان الجبل 14 في المائة من ارتفاعه و مقتل 57 شخصا و تدمير كل شئ كان فى نطاق 370 كيلومترا مما يجعله أكثر ثوران بركاني فتكًا في تاريخ الولايات المتحدة و لكن بالمقارنة مع خمسة انفجارات بركانية سابقة حدثت فى أماكن أخرى من العالم قد لا يكون ذلك الإنفجار مؤثرا نظرا الى أن تلك الإنفجارات قد ساهمت بشكل أو باخر فى تغيير مجرى العالم و البشرية و هو ما سوف نسرده فى تلك المقالة .
ثيرا ( 1645 – 1500 ق . م )
لولا حدوث ثورات بركانية في جزيرة “سانتوريني” اليونانية في مكان ما منذ حوالي 3500 عام لكانت ستبدو التضاريس العالمية مختلفة تمامًا عما نعرفها الأن فعلى الرغم من عدم وجود سجلات مكتوبة توثق ثورانه إلا أن بعض الجيولوجيين يعتقدون أنه كان أقوى حدث انفجاري في تاريخ العالم و ربما كان مسؤولاً عن الحديث عن أسطورة مدينة أتلانتس الغارقة حيث كانت الحضارة المينوية تسكن منطقة البحر الأبيض المتوسط في ذلك الوقت لكن ثورة بركان “ثيرا” قضت على هؤلاء الأشخاص القدامى من الخريطة تمامًا .
فمن خلال دراسة تدفق الرماد في قاع المحيط قرر العلماء أن قوة ثوران “ثيرا” كانت تفوق أي شيء شهده البشر على الإطلاق بما في ذلك انفجار القنبلة الذرية و يرجح أنه تسبب فى موجات تسونامي وصل ارتفاعها الى 45 مترا و كادت تقضي على أي حضارات متبقية في جزيرة “كريت” القريبة و تم تناقل هذا الدمار الشامل الذى أحدثه “ثيرا” من خلال الفولكلور الشفهى و روايته من جيل الى أخر حتى أن البعض يشير الى تسببه فى بعض من الأوبئة التى اجتاحت العالم و ذكرت فى بعض من الكتب المقدسة .
فيزوف ( 79 م )
يقع هذا البركان شرق “نابولي” بإيطاليا و يشتهر بمحو مدينة “بومبي” بأكملها اضافة الى العديد من المدن الرومانية الأخرى ففى عام 79 ميلادية و نتيجة حدوث ثورات بركانية به فقد أدي ذلك الى إرسال سحابة ضخمة من الحجارة الملتهبة و الرماد لمسافة 32 كيلومترا في السماء و أطلق طاقة حرارية تعادل 100 ألف مرة ما أطلقته القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما أدت إلى حدوث غليان الماء في الخليج القريب منه مسببة تدفقات حمم بركانية حرارية مائية و بخارية و التي يرجح أنها كانت هى المسؤولة بشكل مباشر عن وفاة أكثر من 16 ألف شخص الا أن علماء الآثار عثروا لاحقا على 1500 جثة فقط بالقرب من بومبي و هيركولانيوم .
و نظرا لشدة الانفجار قام الشاعر الرومانى ” بليني الأصغر ” بذكر تفاصيله في رسائل كتبها حيث كان على الجانب الآخر من الخليج في ذلك الوقت مما منحه مقعدًا في الصف الأول لمشاهدة الموت و الدمار الناجم عن ثورانه حيث كتب قائلا : “كانت صفائح عريضة من اللهب تضيء أجزاء كثيرة من فيزوف و كان ضوءها و سطوعها أكثر إشراقًا لظلام الليل أما بالنسبة الى ضوء النهار الموجود في أي مكان آخر من العالم فإنه لدينا كان ظلام أغمق و أكثر سماكة من أي ليلة ” .
و رغم كل ما قيل سابقا و حدث لاحقا من ثورانات بركان “فيزوف” أخرها عام 1944 و بذلك يكون هو البركان الوحيد في أوروبا الذي اندلع خلال القرن الماضي الا أن الشئ الغريب فى الامر أن الناس لا تزال تعيش في مكان قريب منه و يقدر عددهم بـ 3 ملايين نسمة تقريبا .
تامبورا ( 1815 )
على مؤشر الثورات البركانية تم تصنيف انفجار جبل “تامبورا” في “إندونيسيا” الحالية على أنه ” 7 ” و هو أعلى معدل على الإطلاق في التاريخ المسجل ( مع وجود استثناء لبركانى ثيرا و فيزوف لأنهم حدثوا فى فترات كان من الصعب تقييمهم بشكل علمى ) .
ففى عام 1815 حدثت ثورات بركانية فى جبل ” تامبورا ” ساهمت فى حدوث انفجارات قويه كان لها بالغ الأثر لدرجة أنها غيّرت مناخ العالم مما تسبب فى حدوث ما عرف لاحقا فى العالم التالى بظاهرة “عام بلا صيف” و فيه لم يشهد العالم فصل الصيف مطلقا و حدث تبريد للكرة الأرضيه بعد منع رماد ذلك البركان وصول ضوء الشمس إليها و هو ما أدى الى حدوث آثار ضارة للغاية على المحاصيل تسببت فى حدوث مجاعات اضافة الى انتشار الأوبئة فى العديد من الاماكن حيث كان نصف الكرة الشمالي فى نيو إنجلاند و أوروبا الغربية بشكل أساسي هم الأكثر تأثراً بدرجات الحرارة الباردة بعد أن تم تسجيل تساقط الثلوج في السادس من يونيو عام 1816 في ولاية “ماين” الأمريكية كما كان الصقيع الليلي في جميع أنحاء “نيو إنجلاند” متسقًا و عميقًا لدرجة أنه لا يمكن أن ينمو أي شيء و ارتفعت تكلفة الحبوب و الذرة بشكل كبير نظرًا لتلف العديد من المحاصيل أما فى شمال أوروبا فقد تم إجبار العديد من العائلات على مغادرة “ويلز” و البحث عن الطعام و أصبحوا لاجئين في المناطق الجنوبية و في “أمريكا” أجبر فشل المحاصيل في الساحل الشرقي العائلات على التوجه غربًا و بالتالي تسريع الاستيطان في وسط البلاد.
و لكن إذا كان هناك أي جانب إيجابي لانفجار “تامبورا” فهو أن المستويات العالية من التيفرا “شظايا الصخور التي تطلق في ثوران بركاني” في الغلاف الجوي أدت إلى بعض من مشاهد غروب الشمس الأكثر روعة و بشكل لا يصدق على الإطلاق.
أقرأ أيضا : عام بلا صيف .. كيف تسبب ثوران بركانى فى اختفاء فصل الصيف و دخول العالم فى كارثة إنسانيه
كراكاتوا ( 1883 )
أسفر ثوران بركان “كراكاتوا” عام 1883 في “إندونيسيا” أيضًا عن مقتل أكثر من 36 ألف شخص مما يجعله أحد أكثر الانفجارات دموية في التاريخ حيث بدء ثوارنه بشكل معتاد و هادئ كما كان الحال مع الثورات البركانية الأخرى التى تضمنت الدخان المتصاعد و الزلازل الصغيرة التي كانت غير مؤثرة و لم يهتم بها المقيمين بجوار البركان حتى أنه تم دمجها في احتفالات احد المهرجانات المقامة في ذلك الوقت و اعتبروا أن الجزيئات البركانية الملتهبة التى يلفظها البركان مجرد ألعاب نارية طبيعية .
و بعد ذلك بوقت قصير أرسل الانفجار سحابة من الحطام الى مسافة 20 كيلومتر في الهواء و حدث أنفجار سمع دويه على بعد حوالي 4500 كيلومتر في “أستراليا” و تلامست الحمم الساخنة مياه البحر أدت إلى ظهور ومضات من البخار الذى تحرك بسرعة تزيد عن 96 كيلومتر فى الساعة مما أدى إلى مقتل الضحايا الأوائل للانفجار بسرعة كما ألقت سحابة الرماد و الحطام ظلامًا لم ينحسر لمدة ثلاثة أيام .
و بجانب كل الدمار الذى حدث شهدت بقية الأرض تغيرات مناخية مع عدم عودة أنماط الطقس العالمية إلى وضعها الطبيعي لمدة أستمرات خمس سنوات كنتيجة مباشرة لثوران بركان كراكاتوا .
جبل بيناتوبو ( 1991 )
قبل ما يقرب من 35 عامًا فقط اهتز العالم بسبب الانفجار الكارثي لجبل “بيناتوبو” في “الفلبين” الذى لا تزال تداعياته باقية حتى يومنا هذا ففي البداية حدث ثورات بركانية معتادة فى “بيناتوبو” لفترة من الوقت و لكن عندما وصلت الصهارة المنصهرة إلى السطح أخيرًا أطلقت أكثر من أربعة كيلومترات مكعبة من الحطام و الرماد لمسافة 35 كيلومترا في الهواء حيث تمكنت الأقمار الصناعية من تتبع مسار سحابة الرماد أثناء سفرها حول العالم و على الرغم من أن ” بيناتوبو ” قد تسبب فى قتل حوالي 350 شخصًا إلا أن معظمهم لم يمت بسبب ومضات الحرارة أو تيارات الحمم البركانية و لكن من جراء انهيار أسقف المنازل عليهم .
و نتيجة لذلك الانفجار تدمرت الوديان المحيطة بالجبل من الرماد الناري كما أن قمة الجبل نفسه قد انهارت وخلقت فوهة بعرض 2.5 كيلومتر أما على المستوى العالمي فقد تسبب الانفجار البركاني في استنفاذ ضار لطبقة الأوزون و بمعدلات لم يسبق لها مثيل من قبل و حتى الان تستمر الرواسب المحيطة بجبل ” بيناتوبو ” في الاحتفاظ بالكثير من حرارتها اليوم و التى عند ملامستها مع الماء فإنها تسبب انفجارات و غيوم من الرماد الساخن و نظرًا لأن “بيناتوبو” يقع في منطقة الرياح الموسمية فتلك تمثل معضلة كبيرة نظرا لامكانها حمل الرماد المحترق و الحطام إلى أماكن أبعد اكثر مما تفعله الرياح العادية بشكل يؤدى الى تكون أعاصير ناريه .