يخفي التاريخ بين طياته قصصًا غريبة تتجاوز حدود العقل و المنطق من بينها قصة مأساوية إمتزجت فيها الجريمة بالجنون و كان بطلها شاب أسترالي يدعي تشارلز فوسار الذي عاش حياة مضطربة قادته إلي إرتكاب جريمة قتل وحشية و سرقة متعلقات ضحيته تسببت في إلقاء القبض عليه و إلقاءه خلف القضبان و هو ما أدي إلي تغيير حياته بالكامل بعد أن قضي عقوبته داخل مصحة عقلية لفترة تجاوزت 71 عامًا و يصبح تشارلز فوسار بذلك هو السجين الذي قضي أطول مدة سجن في العالم .
ولد ” تشارلز فوسار ” عام 1882 في مدينة ” نوميا ” التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الإستعمارية الفرنسية في كاليدونيا الجديدة و بدأ حياته كبحار شاب علي متن سفن مختلفة و هي مهنة كانت تتيح له السفر و إستكشاف العالم و في عام 1899 و بينما كانت سفينته “سانت إليزابيث” راسية بميناء سيدني في ” أستراليا ” قرر الهروب و بدء حياة جديدة بعيدًا عن البحر و أختار أن يعيش كمتشرد و بدء في التنقل بين مدن ” نيو ساوث ويلز ” و ” ميلبورن ” و ” أديلايد ” حيث إعتمد من أجل العيش و ضمان البقاء علي قيد الحياة علي القيام بأعمال بسيطة و سرقة الحاجيات الصغيرة .
و في 28 يونيو عام 1903 حدثت نقطة تحول كبيرة في حياة ” تشارلز فوسار ” بعد أن إرتكب جريمة قتل وحشية بإطلاقه خمس رصاصات علي رجل مسن يُدعى ” ويليام توماس فورد ” داخل منزله بمنطقة سكاي الريفية و بعد قتله قام بسرقة حذائه المميز ثم توجه إلي جبال داندينونج محاولاً الفرار من العدالة و لكن رغم مهاراته في التنقل بين الأحراش و البراري فلم يتمكن من الهروب لفترة طويلة بعد أن تمكنت الشرطة من الوصول إليه بمساعدة المتعقبين من السكان الأصليين و عثروا بحوزته علي حذاء الضحية الذي لعب دورًا حاسمًا في إدانته و ربطه بجريمة القتل .
و عقب القبض عليه و خلال إستجوابه قدم ” تشارلز فوسار ” إعترافًا مفاجئًا آخر و هو قيامه بقتل بائعًا هنديًا يُدعى ” سلطان علم ” في منطقة “مينرز ريست” ثم تراجع عن بعض تفاصيل هذا الإعتراف لاحقًا و في جلسة الإستماع الأولية التي عقدت في أغسطس عام 1903 كان من الواضح أن ” تشارلز فوسار ” يعاني من إضطرابات عقلية حادة و شهد طبيب حكومي بأنه يعاني من أوهام و هلوسات مما يجعله غير لائق للمثول أمام المحكمة أو الخضوع لمحاكمة عادلة و بناءً علي هذه الشهادة تقرر أن يتم إيداعه في سجن “جي وارد” الخاص بالمجرمين المختلين عقليًا في منطقة أرات بولاية ” فيكتوريا ” .
و في سجن ” جي وارد ” قضي ” تشارلز فوسار ” بقية حياته وسط ظروف قاسية و خلف أسواره عاش لأكثر من 71 عامًا كما لم يتلقى علاجًا فعالًا لحالته العقلية بل تم الإحتفاظ به في هذا السجن كجزء من نظام العدالة الجنائية الذي لم يكن متقدمًا في التعامل مع مثل هذه الحالات و رغم طول فترة سجنه بقي ” تشارلز فوسار ” بعيدًا عن الأضواء و لم يتلقي إهتمامًا كبيرًا من قبل وسائل الإعلام أو المجتمع إلي أن توفي عام 1974 عن عمر يناهز 92 عامًا و كان حينها لا يزال خلف القضبان ليكون بذلك صاحب أطول فترة سجن في العالم .
أقرأ أيضا : يوشى شيراتورى السجين الذى لا يستطيع أى سجن مهما بلغت استحكاماته فى الصمود امامه
و عقب وفاة ” تشارلز فوسار ” بدء الكثيرين في التفاعل مع قصته بإعتبارها مثالًا حيًا علي مأساة البشر الذين عصفت بهم الحياة من خلال إضطراباته العقلية التي لم يتم التعامل معها بشكل صحيح و الظروف القاسية التي عاشها و أصبح السؤال المطروح هو مدى تأثير حالته العقلية علي إرتكابه تلك الجريمة و عما إذا كانت العدالة قد أخذت مسارها بشكل صحيح لذلك فتعتبر قصة ” تشارلز فوسار ” تذكير بأهمية تطوير أنظمة العدالة التي عليها الأخذ في الإعتبار الحالة العقلية للمجرمين خاصة في جرائم القتل و العنف و تسليط الضوء علي الأثر الكبير للظروف الإجتماعية والنفسية في مسار حياة الأفراد و كيف يمكن لتجاهل هذه الجوانب أن يؤدي إلي مآسٍ طويلة الأمد .