لطالما كانت الموضة من أزياء و هيئة جزءًا من الثقافة و الهوية و لكن هل من الممكن أن تتحول إلي سياسة دولة ؟ الإجابة تأتي من روسيا خلال القرن الثامن عشر حيث لم تكن الموضة حينها مجرد إختيار شخصي للمواطنين بل أداة في يد الإمبراطور بطرس الأكبر من أجل تحديث الأمة من خلال فرض قوانين صارمة و غريبة أبرزها فرض ضريبة اللحي علي من يقوم بتربيتها و إرتداء أزياء محددة و ترك أخري و ذلك من أجل تحويل البلاد بحسب وجهة نظره من بلد تقليدي إلي قوة أوروبية حديثة عبر التخلص من كل ما هو قديم و غير أوروبي و هو ما سيعمل علي إعادة تشكيل روسيا من جذورها .
و يرجع سبب غرابة تلك القوانين إلي أنه حين يتحدث الناس عن الموضة فعادة ينصب تفكيرهم حول إختياراتهم الشخصية في الأناقة و لكن في عهد ” بطرس الأكبر ” كانت الأزياء و الأناقة بشكل عام وسيلة لتحقيق رؤية سياسية بعيدة المدى لديه ففي عام 1714 أصدر قوانين تتعلق بالملابس و الشعر في ” روسيا ” و كان من ضمنها “ضريبة اللحي” التي فرضت علي كل من أراد الإحتفاظ بلحيته خاصة النبلاء و المسؤولين العسكريين و بينما كانت الفئات الفقيرة تدفع بضع “كوبيكات” قليلة كضريبة كان الأغنياء يدفعون مئات الروبلات حيث كان هدفه الرئيسي من تلك الضرائب هو إجبار الشعب الروسي علي التخلي عن مظهرهم التقليدي و تبني الأزياء الغربية.
و لم يكن فرض ” ضريبة اللحي ” سوى جزء من مشروع أكبر حيث أمر ” بطرس الأول ” شعبه بإرتداء السترات الفرنسية و المجرية بدلاً من المعاطف الروسية الطويلة التقليدية و لإرشاد الناس إلي الأزياء الجديدة تم وضع دمى خارج بوابات مدينة ” موسكو ” لعرض الملابس الغربية المطلوبة أما بالنسبة للخياطين الذين استمروا في بيع الملابس الروسية التقليدية فكانوا يواجهون بدفع غرامات باهظة و كان أي شخص يُشاهد مرتديًا عباءة قديمة الطراز في الشوارع يتعرض لقصها من قبل مفتشي الأمبراطور الذين كان لديهم صلاحيات أيضا لقص لحية أي شخص لا يلتزم بدفع ” ضريبة اللحي ” .
و يرجع سبب فرض ” ضريبة اللحي ” و تلك القوانين الغريبة إلي رحلة بطرس الأكبر عبر أوروبا عام 1697 حيث سافر متخفيا و تبنى إسمًا مستعارًا و هو “بيتر ميخايلوف” و خلال رحلته إكتسب العديد من المعارف في مجالات بناء السفن و الهندسة كما تعرف أيضا علي الأزياء و الثقافات الأوروبية المختلفة و عندما عاد إلي ” روسيا ” كان عازمًا علي تحديث بلاده و بدأ بنفسه حين أمر بقطع لحى نبلائه في إحتفال كبير عند عودته حتي أن مهرجه الخاص كان يجوب القاعة الملكية محاولًا إقناع الجميع بحلق لحاهم .
و لم تقتصر رؤية ” بطرس الأكبر ” في تغيير المظهر فحسب بل كان أيضا تغييرًا في الفكر لأنه بالنسبة للكثيرين من الروس كان ينظر إلي اللحية بإعتبارها رمزًا دينيًا يرتبط بالإيمان و بالتالي حلقها يعتبر من الخطايا لذلك أحدثت ” ضريبة اللحي ” هزة كبرى للكثير من المؤمنين مما جعلهم يرددون شائعات بأن ” بطرس الأكبر ” لم يكن القيصر الحقيقي بل تم إستبداله من قبل أعداء ” روسيا ” كما و وُزعت رسائل مجهولة المصدر تتهم القيصر بالوقوف ضد الدين و لكن رغم كل تلك المعارضات إستمر في تطبيق قوانينه الصارمة و هو ما أدي إلي إندلاع ثورة عام 1705 من قبل الفرقة العسكرية الروسية المعروفة بإسم “ستريلتسي” ببلدة أستراخان حيث أعلنوا أن ثورتهم من أجل الدفاع عن الإيمان المسيحي و الوقوف ضد حلاقة اللحي و الملابس الأجنبية و لكن تم قمع تلك الثورة بوحشية و خسر المئات من المتمردين حياتهم.
أقرأ أيضا : عائلة ليكوف .. قصة مثيرة لأسرة عاشت بمفردها فى عزلة لأكثر من 40 سنة بغابات سيبيريا دون أى إتصال مع البشر
و لم يكتفي ” بطرس الأكبر ” بفرض ” ضريبة اللحي ” و إجبار شعبه علي الإلتزام بملابس محددة و لكنه من أجل إستفزاز الكنيسة أمر بإنشاء نادٍ غريب بإسم “مجمع السكارى و المهرجين” و فيه كان يجبر أصدقاؤه علي المشاركة في حفلات ماجنة و إحتفالات ساخرة و كانت هذه الجلسات بمثابة إختبار ولاء له فإما أن يكون ذلك الشخص مع الأمبراطور أو مع الكنيسة و لكن إجمالا ينظر العديد من المؤرخين إلي أن إصلاحات بطرس الأكبر رغم صدامها مع التقاليد لكنها كانت خطوة هامة نحو تحديث ” روسيا ” رغم الثمن الذي تم دفعه و المتمثل في إستياء الكثيرين من شعبه خاصة من المتدينين و المحافظين .