هل يمكن للنباتات أن تشعر ؟ سؤال يتبادر لأذهان الكثيرين من الناس و دائما ما يحاولون الوصول إلي إجابة عنه خاصة و أن النباتات من المعروف عنها بأنها كائن حي و مع ذلك قد لا توجد لدينا القدرة علي ملاحظة أي تعابير عن سلوكها أو مشاعرها كما يظهر بشكل واضح علي البشر أو الحيوانات إلا أنه و مؤخرا أظهرت الأبحاث أن النباتات و تحديداً الأشجار قادرة على فعل أكثر مما كان يُعتقد في السابق .
فمع حلول عام 2015 صدر كتاب حمل عنوان “الحياة الخفية للأشجار : ما يشعرون به وكيف يتواصلون – إكتشافات من عالم سري” للكاتب ” بيتر وولين ” يدعو فيه القراء إلي فهم قدرات الأشجار ككائنات إجتماعية تعتمد علي شبكة للتواصل فيما بينها تماماً كما قد يفعل أي مجتمع بشري أو حيواني حيث أشار إلي أن مجموعات الأشجار التي درسها و تابعها علي مدار عمله كحارس للغابات قد كوّنت صداقات فيما بينها و كانت تستخدم إشارات كهربائية للتواصل و تحتفظ بتلك الصداقات لعدة سنوات بل و حتى قرون .
و علي الرغم من أن كل المعلومات التي وردت في ذلك الكتاب الذي ترجم إلي 19 لغة و باع أكثر من 300 ألف نسخة حول العالم ليست بجديدة بالنسبة للبيولوجيين و المتخصصين في علوم النبات إلا أن ما جعل الكتاب يحدث ضجة هو أنه قدم تلك المعلومات إلى الجمهور العادي و أتاح لهم فرصة للتعرف على مدى روعة أشجارنا حيث أوضح فيه طبيعة تلك الصداقة و التي تمثلت بشكل يحدث أمام أعيننا في أن الفروع الكبيرة لا تتداخل مع بعضها حتى لا تحجب ضوء الشمس عن زميلتها في الغابة .
و أشار ” بيتر وولين ” في كتابه أيضا أن الحياة الإجتماعية للأشجار لا تقتصر علي ذلك فقط و لكن من خلال إستخدام شبكة فطرية تحت الأرض يطلق عليها البعض إسم “شبكة الويب الخشبية” تستطيع تلك الأشجار التواصل مع بعضها البعض عبر إرسال إشارات كهربائية و من خلال تبادل الموارد مثل السكر و النيتروجين و الفوسفور و تتكون هذه الشبكة من أنابيب فطرية تعرف بـ “الفطريات الجذرية” وهي متغلغلة في التربة و تنسج نفسها داخل جذور النباتات و الأشجار علي مستوى الخلايا و تمثل هذه الشبكة المعقدة تحت الأرض نظامًا متبادلًا يعود إلي 450 مليون سنة تستفيد فيه الفطريات من السكر الغني بالكربون الذي تأخذه من الأشجار و تقدم في المقابل النيتروجين و الفوسفور اللذان تجمعهما من التربة إلي النباتات.
و لا تكتفي تلك الشبكة بالحفاظ علي حياة الكائنات المتصلة بها بل تعمل علي توفير هذه الفوائد للأشجار المسنة أيضا التي قد تكون سقطت بالفعل و هو ما يسمح لها بالإستمرار في العيش لقرون و يمنع من تحللها بالكامل و يساعدها بالمساهمة في النظام البيئي للغابة كما أنه بجانب ذلك التواصل الخفي لاحظ بأن الأشجار تمتلك القدرة على العد إذ تعتمد علي هذه الشبكة في قياس الزمن حيث تتابع من خلالها عدد الأيام الدافئة في فصل الربيع من أجل أن تفتح براعمها بعد مرور عدد محدد من تلك الأيام بالإضافة إلي رصد عدد ساعات النهار المتغيرة لتتنبأ بقدوم الربيع أو الخريف لتتصرف بناءً على ذلك إما بإطلاق بذورها أو بإسقاط أوراقها إستعدادًا لفصل الشتاء.
إقرأ أيضا : تعرف علي شجرة المانشنيل أكثر الأشجار السامة علي وجه الأرض
و لكن لماذا تعمل الأشجار معًا بهذا الشكل؟ سؤال يجيب عنه “ووليبن ” بأن ما ينفع المجموعة يفيد الفرد و العكس صحيح و هي نفس الأسباب التي توجد في المجتمعات البشرية من ناحية فوائد العمل الجماعي و يقول أن الأشجار تعتمد علي بعضها البعض لخلق بيئة مناسبة لأن صحة و إزدهار كل عضو في هذا النظام مهم لإنتاج أفضل النتائج للجميع و هذه الروابط القوية التي تشكلها الأشجار فيما بينها يمكن أن تؤدي بمرور الوقت إلي تشكيل غابات تعمر ملايين السنين مثل حالة غابات “الأشجار العملاقة” الموجودة في شمال كاليفورنيا.