جبل إيفرست هو جبل يقع على قمة جبال الهيمالايا الكبرى جنوب آسيا و يقع على الحدود بين نيبال و منطقة التبت ذاتية الحكم في الصين و يصل إرتفاعه إلي 8,849 مترًا و هو بذلك يعد أعلي جبل في العالم و لسنوات طويلة مثل ذلك المكان تحديا كبيرا للبشر من أجل الوصول لقمته إلي أن تمكن كل من النيوزيلندي إدموند هيلاري و تينزينج نورجاي من تحقيق ذلك عام 1953 و إعتبارًا من عام 2017 وصل إلي قمته أكثر من 7600 شخص كما لقي ما يقرب من 300 شخص حتفهم أثناء محاولتهم ذلك و هو مثل القمم الأخري في المنطقة يحظي بإحترام السكان المحليين و يطلق عليه عدد من الأسماء المحلية حيث يطلق التبتيين عليه إسم تشومولونجما و يعني إلهة أم العالم أو إلهة الوادي أما الإسم السنسكريتي له هو ساجارماثا أي ذروة السماء و تم التحقق من ذلك عمليا بإعتباره أعلي نقطة علي سطح كوكب الأرض عام 1852 حين أثبتت هيئة المسح الحكومية في الهند ذلك و في عام 1865 أطلق عليه ذلك الإسم نسبة إلي السير جورج إيفرست المساح العام البريطاني بعد أن كان معروفا في السابق بإسم Peak XV .
و تطور الجدل حول الإرتفاع الدقيق للقمة بسبب الإختلافات في مستوى الثلج و إنحراف الجاذبية و إنكسار الضوء و تم تحديد الرقم 8848 مترًا زائدًا أو ناقصًا بواسطة هيئة المساحة الهندية بين عامي 1952 و 1954 و أصبح مقبولًا علي نطاق واسع و تم إستخدام هذه القيمة من قبل معظم الباحثين و وكالات رسم الخرائط و الناشرين حتى عام 1999 و بعد ذلك جرت محاولات لإعادة قياس إرتفاع الجبل حيث حدث مسح صيني عام 1975 و حصل علي رقم 8,848.11 مترًا كما حدث مسح إيطالي عام 1987 بإستخدام تقنيات المسح عبر الأقمار الصناعية و حصل على قيمة 8,872 مترًا و في عام 1992 توصلت دراسة إيطالية أخرى بإستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) و تكنولوجيا القياس بالليزر إلي الرقم 8846 مترًا عن طريق طرح 2 متر من الجليد و الثلوج علي القمة من الإرتفاع المقاس و لكن تم التشكيك مرة أخرى في المنهجية المستخدمة .
و في عام 1999 أجرت دراسة أمريكية قياسات دقيقة بإستخدام معدات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) و قد تم قبول إكتشافهم البالغ 8850 مترًا زائد أو ناقص 2 متر من قبل المجتمع و العديد من المتخصصين في مجالات الجيوديسيا و رسم الخرائط و قام الصينيين برحلة استكشافية أخرى عام 2005 إستخدموا فيها رادارًا لإختراق الجليد بالإضافة إلى معدات نظام تحديد المواقع العالمي GPS و كانت النتيجة 8844.43 مترًا بإرتفاع الصخور فقط و رغم نشر تلك النتائج علي نطاق واسع في وسائل الإعلام إلا أنه لم تعترف به سوى ” الصين ” و عارضته ” نيبال ” التي فضلت إرتفاعه بالثلوج و في أبريل عام 2010 إتفقت كلا الدولتين علي الإعتراف بصحة كلا الرقمين و في ديسمبر 2020 أعلن الطرفين بشكل مشترك أن إرتفاع جبل إيفرست يبلغ 8848.86 مترًا و هذا القياس الجديد مستمد من بيانات من المسوحات التي أجرتها ” نيبال ” عام 2019 و ” الصين ” في عام 2020 و التي إستخدمت تقنية GPS و الليزر و تم قبوله من قبل العديد من المتخصصين في مجالات الجيوديسيا و رسم الخرائط .
جغرافيا .. يتشكل جبل إيفرست على شكل هرم ثلاثي الجوانب و تسمى المستويات الثلاثة المسطحة عمومًا التي تشكل الجوانب الوجوه و يُعرف الخط الذي يربط بين الوجهين بالحافة و يرتفع الوجه الشمالي فوق التبت و يحده التلال الشمالية التي تلتقي بالسلسلة الشمالية الشرقية أما السلسلة الغربية فتتكون من أخاديد شديدة الإنحدار و يرتفع الوجه الجنوبي الغربي فوق ” نيبال ” و تحده الحافة الغربية و الحافة الجنوب شرقية و تشمل الميزات البارزة على هذا الجانب المنحدر الجنوبي و منحدر خومبو الجليدي و الأخير عبارة عن خليط من كتل كبيرة من الجليد كانت تمثل منذ فترة طويلة تحديًا شاقًا للمتسلقين كما يرتفع الوجه الشرقي أو وجه كانج شونج فوق التبت و يحده التلال الجنوبية الشرقية و السلسلة الشمالية الشرقية أما بالنسبة لقمة جبل إيفرست فمغطاة بالثلوج الصخرية الصلبة التي تعلوها طبقة من الثلوج الناعمة التي تتقلب سنويًا بحوالي 1.5 إلي 6 أمتار و يصل مستوى الثلوج إلي أعلى مستوياته في سبتمبر و أدنى مستوى في مايو و تقع القمة و المنحدرات العليا في مكان مرتفع جدًا في الغلاف الجوي للأرض حيث تبلغ كمية الأكسجين القابل للتنفس هناك ثلث ما هي عليه عند مستوى سطح البحر و لذلك نظرا لنقص الأكسجين و الرياح القوية و درجات الحرارة شديدة البرودة فقد أدي ذلك إلي منع تطور أي حياة نباتية أو حيوانية هناك .
جيولجيا .. تم تشكل جبل إيفرست من خلال دفع سلاسل جبال الهيمالايا إلي الأعلي بسبب الحركة التكتونية حيث تحركت الصفيحة الهندية الأسترالية شمالًا من الجنوب و إنغمست تحت الصفيحة الأوراسية بعد إصطدام الصفيحتين منذ حوالي 40 إلي 50 مليون سنة و بدأت جبال الهيمالايا نفسها في الإرتفاع منذ حوالي 25 إلي 30 مليون سنة ثم تشكلت جبال الهيمالايا الكبري خلال عصر البليستوسين منذ حوالي 2,600,000 إلي 11,700 سنة و تعد قمة إيفرست و القمم المحيطة بها جزءًا من كتلة جبلية كبيرة تشكل نقطة محورية أو عقدة لهذا العمل التكتوني في جبال الهيمالايا الكبرى و تشير المعلومات المستمدة من أدوات تحديد المواقع العالمية الموجودة على جبل إيفرست منذ أواخر التسعينيات إلى أن الجبل يواصل التحرك بضع سنتيمترات إلي الشمال الشرقي و يرتفع بمقدار جزء من السنتيمتر كل عام .
و يتكون جبل إيفرست من طبقات متعددة من الصخور المطوية على نفسها و تتكون الصخور الموجودة علي المرتفعات السفلية من الصخور المتحولة و النيس و يعلوها الجرانيت الناري و توجد في الأعلي صخور رسوبية ذات أصل بحري و من الجدير بالذكر أن الشريط الأصفر و هو تشكيل من الحجر الجيري يمكن رؤيته بشكل بارز أسفل هرم القمة مباشرةً و علي بعد مسافة قصيرة تقع القمة الجنوبية و هي نتوء طفيف على جنوب شرق الحافة بإرتفاع 8748 مترًا و يمكن رؤية الجبل مباشرة من جانبه الشمالي الشرقي حيث يرتفع حوالي 3600 متر فوق هضبة التبت و ترتفع قمة تشانجتسي ( 7560 مترًا ) إلي الشمال و خومبوتسي ( 6665 مترًا ) و نوبتسي ( 7861 مترًا ) و لوتسي ( 8516 مترًا ) بقاعدة إيفرست من الغرب و الجنوب .
مناخيا .. مناخ جبل إيفرست دائمًا معادي للكائنات الحية و يبلغ متوسط درجة الحرارة الأكثر دفئًا أثناء النهار في يوليو حوالي −19 درجة مئوية علي القمة و في شهر يناير و هو الشهر الأكثر برودة يصل متوسط درجات الحرارة في القمة إلي −36 درجة مئوية و يمكن أن تنخفض إلي −60 درجة مئوية و في ذلك المكان يمكن أن تهب العواصف فجأة و أن تنخفض درجات الحرارة بشكل غير متوقع و قمة إيفرست عالية جدًا لدرجة أنها تصل إلي الحد الأدنى للتيار النفاث و يمكن أن تضربها رياح مستمرة تزيد سرعتها عن 160 كم في الساعة و تهطل الأمطار على شكل ثلوج خلال الرياح الموسمية الصيفية أواخر مايو إلي منتصف سبتمبر لذلك فخطر الإصابة بقضمة الصقيع على متسلقي جبل إيفرست مرتفع للغاية.
بيئيا .. يعتبر جبل إيفرست طويل جدًا و مناخه شديد القسوة لدرجة أنه غير قادر على دعم الإحتلال البشري المستدام لكن الوديان الموجودة أسفل الجبل يسكنها شعوب ناطقة باللغة التبتية و من أبرز هؤلاء شعب الشيربا الذين يعيشون في قري علي إرتفاعات تصل إلي حوالي 4270 مترًا في وادي خومبو في ” نيبال ” و مواقع أخرى و تقليديًا كان شعب الشيربا شعبًا زراعيًا يمتلك القليل من الأراضي الصالحة للزراعة تحت تصرفه و كانوا لسنوات تجارًا و يعيشون أسلوب حياة شبه بدوية في بحثهم عن المراعي و في الصيف يتم رعي الماشية علي إرتفاع يصل إلي 4880 مترًا بينما يتم إتخاذ ملجأ شتوي علي إرتفاعات منخفضة علي الحواف المحمية و علي طول ضفاف النهر و يتعامل شعب الشيربا تقليديًا مع جبال الهيمالايا على أنها مقدسة و قاموا ببناء أديرة بوذية في قاعدتها و إنشاء محميات للحياة البرية في الوديان التي تشمل غزال المسك و الدراج الأحادي و حجل الهيمالايا و تقليديا لم يتسلق الشيربا تلك الجبال لإعتقادهم أن الآلهة و الشياطين يعيشون في القمم العالية و يقولون أن رجل الثلج البغيض أو ” الياتي ” يتجول في المنحدرات السفلية و لكن مع بدء البعثات البريطانية في المكان أوائل القرن العشرين أصبحت أعمال المسح متاحة و في النهاية نتيجة الرواتب المكتسبة في تسلق الجبال معهم أصبح الأمر جذابًا لشعب الشيربا الذين نظرًا لتكيفهم الجيد مع الإرتفاعات العالية كانوا قادرين على حمل كميات كبيرة من البضائع لمسافات طويلة في تلك الأماكن لذلك نتيجة تدفق المتسلقين الأجانب بأعداد كبيرة فقد أدي ذلك إلي تغيير حياة الشيربا بشكل كبير بعد أن أصبحت معيشتهم تعتمد بشكل متزايد على رحلات التسلق هذه .