في عالم كرة القدم الإنجليزية توجد مقولة شهيرة تقول أذكر الروح الكورينثية و الأفكار تتحول علي الفور إلي اللعب النظيف و هي مقولة يرجع أصلها إلي نادي كورينيثيان أحد الفرق الرياضية التي تشكلت عام 1882 في العاصمة الإنجليزية لندن بهدف إعلاء الروح الرياضية و قيم التسامح و اللعب النظيف و الذي ظل مستمر في نشر تلك الرسالة حتي توقف نشاطه عام 1939 و هي قيم كان لها بالغ الأثر في نشر لعبة كرة القدم في جميع أنحاء العالم و أدت إلي إقتداء العديد من الأندية بها مثل ريال مدريد الذي أعتمد شريط كورينثيان الأبيض و نادي كورينثيانز باوليستا الرياضي في البرازيل و زيتون كورينثيانز في مالطا اللذان حملا إسمه و أيضا أفكاره .
و يرجع تأسيس نادي كورينيثيان في فترة كانت تنحصر فيها منافسات كرة القدم في كأس الاتحاد الإنجليزي حيث لم تبدء مباريات الدوري إلا بعد مرور ست سنوات أخرى كما كانت هناك أيضًا مباراة دولية ودية تقام بشكل سنوي بين ” إنجلترا ” و ” اسكتلندا ” و من بين المباريات الإحدي عشرة الأولي التي دارت بين المنتخبين فازت ” إنجلترا ” مرتين فقط و تعادلت مرتين بينما فازت ” اسكتلندا ” سبع مرات و بحلول عام 1882 كانت قد فازت في آخر ثلاث مباريات علي إنجلترا بنتائج 5-4 و 6- 1 و 5-1 كما أقيمت مباريات أيضًا ضد ” ويلز ” و ” أيرلندا الشمالية ” و خسرت ” إنجلترا ” آخر مباراتين أمام ” ويلز ” .
و نظرا لتلك النتائج السيئة كان ” نيكولاس لين جاكسون ” مساعد سكرتير الإتحاد الإنجليزي ومؤسس إتحاد لندن لكرة القدم يشعر بالإستياء الشديد و كان دائما ما يقول أن سبب الخسارة يرجع إلي أن اللاعبين الاسكتلنديين لديهم فرص أكبر للعب معًا في حين أن اللاعبين الإنجليز كانوا يلتقون للتو قبل أي مباراة لذلك ظن أن أفضل مسار لمواجهة ذلك هو تشكيل نادٍ يحتوي على أفضل اللاعبين الهواة علي الرغم من أن الإحترافية كانت تزحف في ذلك الوقت لكنها لم تكن منتشرة على نطاق واسع و من هنا تم تشكيل نادي كورينيثيان في سبتمبر عام 1882 و كان إسمه في الأصل ” نادي الأربعاء ” حيث كان يلعب مبارياته في ذلك اليوم بينما يكون اللاعبين مع أنديتهم الرئيسية يوم السبت .
و بعد الإتفاق علي إسم ” الأربعاء ” لم يعجب ذلك حارس المرمى ” هاري سويبستون ” و أقترح تسميته بنادي كورينيثيان لكرة القدم جيث إشتق الإسم من الإمارة اليونانية القديمة ” كورنثوس ” و خلال تلك الفترة لم يكن اللاعبين بحاجة إلي ملعب لأن الخطة كانت تتمثل في اللعب خارج أرضهم و بدء اللاعبين في الإنضمام إليه من الجامعات و المدارس العامة و أقيمت مباراتهم الأولي ضد مستشفى ” سانت توماس ” في ” لامبيث ” في 1 نوفمبر عام 1882 و فاز نادي كورينثيان بنتيجة 2-1 و في عيد الفصح عام 1883 ذهبوا في جولة إلي أكرينجتون و بوتل و ستوك سيتي و تم الترحيب بهم بحماس كبير حيث لعبوا أربعة مبارايات و فازوا في إثنتين و خسروا إثنتين و كانت هذه هي المرة الأولي التي يقوم فيها أي فريق بجولة في شمال إنجلترا .
و كانت مبادئ نادي كورينيثيان الأصلية مبنية على فلسفة الروح الرياضية و اللعب النظيف و ممارسة كرة القدم من أجل حب اللعبة و هي مبادئ أصبحت تعرف بإسم “الروح الكورنثية” حيث قرروا أنهم لن يلعبوا في أي مباريات تنافسية و لكن فقط المباريات الودية و كانت ألوان زيهم عبارة عن قبعة مخططة باللونين الأزرق الداكن و الأبيض و قميص أبيض مع حرف واحد فقط باللون الأزرق C. F. C علي الجانب الأيسر من الصدر بالإضافة إلي سراويل و جوارب داكنة و كان يمكن للجماهير التي تشاهد مبارياتهم أن تراهم و هم يتفوقون على الفرق الأخرى بأسلوبهم و قدرتهم على التمرير و قد إجتذبوا حشودًا كبيرة أينما لعبوا و بدأت شهرتهم في الإرتفاع بداية من عام 1884 حين هزموا نادي ” بلاكبيرن روفرز ” الذي فاز للتو بكأس الإتحاد الإنجليزي بنتيجة 8-1 حيث كان ” بلاكبيرن ” أحد أفضل الفرق على الإطلاق و فاز بالكأس في العامين التاليين أيضًا .
و في عام 1886 بدأوا لعب مباريات ودية سنوية مع ” كوينز بارك ” أقدم نادي في ” اسكتلندا ” و الذي احتفظ بوضعه كهاوٍ لمدة 152 عامًا حتى أصبح محترفًا أخيرًا عام 2019 و في عام 1889 فاز نادي كورينيثيان علي ” بريستون نورث إند ” الفائز بأول بطولة لدوري كرة القدم الإفتتاحي دون خسارة أي مباراة و كذلك كأس الاتحاد الإنجليزي دون أن تهتز شباكه أي هدف حيث يمكن القول أن ذلك الفريق تحديدا كان الأفضل في العالم و يلقب بـ “الذين لا يقهرون” و لكن رغم كل ذلك خسر من الكورينثيانز بنتيجة 5-0 و كان ربما من أكثر مظاهر إيمان نادي كورينثيان بإعلاء قيم الروح الرياضية و التسامح هو حين ظهرت ركلة الجزاء إلي حيز الوجود في عالم كرة القدم أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر حيث كان رأي الكورينثيانز هو تجاهلها إلى حد كبير لذا إذا تم إحتساب ركلة جزاء ضد فريقهم فإن حارس مرماهم يقف جانباً و يتكئ علي القائم و يشاهد الكرة و هي تُركل في مرماه أما إذا تم إحتسابها لصالحهم فإن قائدهم ينطلق بسرعة قصيرة و يسددها فوق العارضة لإهدارها .
و كان لنادي كورينيثيان شعبية كبيرة و لعب العديد من لاعبيه لمنتخب ” إنجلترا ” بإجمالي 76 لاعبًا منهم 16 كانوا هم قادة المنتخب و خلال الفترة ما بين عامي 1894 و 1895 لعب منتخب ” إنجلترا ” مباراتين ضد ” ويلز ” و كان قوامه بالكامل من لاعبي الكورنثيانز و هو إنجاز لم يحققه أي ناد آخر كما كان لديه العديد من اللاعبين المشهورين في صفوفه أبرزهم “أندرو واتسون ” أول لاعب كرة قدم أسود يلعب كرة قدم إحترافية في ” بريطانيا ” و اللاعب ” سي بي فراي ” المتعدد المواهب الذي مارس رياضة كرة القدم و الكريكيت و برع في لعبة الرجبي و عادل الرقم القياسي العالمي في الوثب الطويل و وقف نائبًا في البرلمان في ثلاث مناسبات و ” تشارلز أوبري سميث ” و الذي كان لاعب كريكيت ثم أصبح ممثلًا ناجحًا و ” جراهام دوجارت ” الذي أصبح مسؤولاً داخل الإتحاد الإنجليزي لكرة القدم .
و رغم الرفض الدائم لنادي كورينيثيان اللعب في المباريات التنافسية إلا أنهم إستثنوا درع عمدة لندن الخيري الذي أقيم بين عامي 1898 و 1907 و الذي إستبدل بعد ذلك بالدرع الخيري الحالي و التي يتم لعبها بين أفضل فريق هواة و الذي كان عادة نادي كورينيثيان ضد أفضل فريق محترف و كان إما بطل دوري كرة القدم أو الفائز بكأس الإتحاد الإنجليزي و فاز بتلك البطولة لاعبي الكورينثيانز مرتين و كانت أفضل نتيجة لهم عام 1904 عندما نجحوا بالفوز بنتيجة 10-3 علي نادي بيري الفائز بكأس الاتحاد الإنجليزي مرتين في السنوات الأربع الماضية و في وقت لاحق من نفس العام لعبوا مع مانشستر يونايتد و هزموهم بنتيجة 11-3 و التي تعتبر قياسية في تاريخ مانشستر يونايتد .
و خلال أنشطته في لعبة كرة القدم قام نادي كورينيثيان بالعديد من الجولات الخارجية من أجل الترويج لها لأنها لم تكن شهيرة في الخارج كما كانت في ” بريطانيا ” و كانت أول مباراة خارجية لهم في ” جنوب أفريقيا ” عام 1897 حيث لعبوا 23 مباراة و فازوا في 21 منها خلال فترة إقامة طويلة في تلك البلد إستمرت لمدة ثلاثة أشهر و إستغرق السفر إليها ثلاثة أسابيع بالقارب و بعدها عادوا إليها في جولة أخري مجددا عام 1903 كما ذهبوا أيضًا إلي دول ” النمسا ” و ” المجر ” و ” ألمانيا ” في عام 1904 و ” الولايات المتحدة ” في عام 1906 ثم ” ألمانيا ” و ” هولندا ” في نفس العام و ” جنوب أفريقيا ” عام 1907 و ” فرنسا ” عام 1908 و ” سويسرا ” في عام 1909 و غيرها الكثير حتى عام 1936 و لكن تلك التي كانت موجهة إلي ” البرازيل ” في عام 1910 كانت الأكثر أهمية حيث أعجب البرازيليين للغاية بأفكار ذلك النادي لدرجة قيام خمسة من عمال السكك الحديدية في مدينة ” ساو باولو ” لتشكيل فريقهم الخاص و حمل إسم ” كورينثيانز باوليستا ” و لا يزال أحد أكبر الأندية في ” البرازيل ” اليوم كما ساعدت تلك الجولة أيضًا في الترويج لكرة القدم في ” البرازيل ” إلى ما هي عليه حاليا .
أقرأ أيضا : قصة مباراة أستمرت بعد مقتل 33 مشجعا فى الملعب و لعبت بين جثامينهم الموضوعة بامتداد خطوط التماس
و كان الزمن يتغير و في عام 1922 قرر نادي كورينيثيان دخول كأس الاتحاد الإنجليزي و كان الدور الرابع هو أفضل أداء لهم في موسم 1927/26 و خلال تلك الفترة كان نادي هواة آخر يتأسس في ذلك العصر و هو نادي كاجوالز و كان مشابه لنادي كورينثيان ثم إندمج الناديان ليصبحا نادي كورينيثيان كاجوالز وهو النادي الذي لا يزال موجودًا حتى اليوم و علي الرغم من أنهم ظلوا هواة إلا أنهم تنافسوا دائمًا في بطولات الدوري المختلفة و قاموا بجولة في ” البرازيل ” في موسم 1989/88 و حظوا بترحيب كبير و لعبوا مباراة ضد نادي ” كورينثيانز البرازيلي ” و لعب النجم سقراط لكلا الجانبين ثم عادوا إليها مجددا في عام 2015 و حظوا بإستقبال الأبطال ثم لعبوا مجددا ضد النادي البرازيلي أمام حشد من 26 ألف متفرج و خسروا بنتيجة 3-0 لكنهم كونوا صداقات مدى الحياة و أصبح لديهم ذكريات رائعة و يلعب نادي كورينيثيان كاجوالز حاليًا في ملعب ” كينج جورج فيلد ” في ” لندن ” و هم حاليا في الدوري البرزخاني الممتاز و هو المستوى السابع لكرة القدم الإنجليزية .