تصدر من حين إلي أخر إحصائيات دولية مرعبة عن معدلات العنف الذي تتعرض له المرأة عالميا مع حرمانها للكثير من حقوقها المتعلقة بالعمل و المشاركة المجتمعية و إذا كان ذلك هو يحدث اليوم فمن المؤكد أن الصورة كانت أسوء بكثير في الماضي و مع ذلك حاول البعض في ذلك الوقت رفض تلك العادات من خلال بناء مستوطنات أنشئت في الولايات المتحدة أواخر القرن الثامن عشر و أوائل القرن التاسع عشر أطلق عليها إسم مجتمع الهزازين و المعني بإيواء النساء ضحايا العنف المنزلي الذي لم يكن جريمة في ذلك بفضل قاعدة القانون العام التي تسمح للزوج بضرب زوجته لذلك كانت تلك المستوطنات هي ملاذ لكل إمرأة تعرضت للضرب و الجلد و الرجم و الإغتصاب من أجل الحصول علي الأمان اللازم لإستكمال باقي حياتها .
و تعتمد حياة مجتمع الهزازين علي البساطة و العزوبية و العمل في الهندسة المعمارية و صناعة الأثاث و الحرف اليدوية و إزدهرت في منتصف القرن التاسع عشر و هم ينحدرون في الأصل من فرع صغير من الكويكرز الإنجليز الذين تبنوا طقوس الكاميساردز الفرنسية المتمثلة في الإهتزاز و الصراخ و الرقص و الدوران و يرجع الفضل إلي تأسيس مجتمع الهزازين إلي الأم ” آن لي ” و هي عاملة نسيج سابقة كانت تعيش في مدينة ” مانشستر ” و تعاني من زواج مضطرب و صعوبات أثناء الحمل (كان لديها أربعة أطفال ماتوا جميعًا صغارًا) و بعد فترة أعلنت أنها شاهدت بعض من الرؤي الروحية مما جعل العديد من الأشخاص يبدأون في إتباعها و الإلتزام بتعاليمها التي ساوت بين الذكر و الأنثي و أصبحوا ينظرون إليها علي أنها شخصية مقدسة .
و في عام 1774 هاجرت الأم ” آن ” إلي ” الولايات المتحدة ” مع ثمانية تلاميذ و استقروا عام 1776 في نيسكيونا (واترفليت الآن) بنيويورك و في غضون خمس سنوات نمت جماعة الهزازين لتضم عدة آلاف من الأعضاء و التي لم ينحصر دورها في حماية النساء من العنف المنزلي فحسب بل أضفوا علي الأمر طابع مؤسسي يعمل علي مساواة المرأة بالرجل و هو ما أثار غضب الرجال في ذلك التوقيت الذين إعترضوا علي تعاليم و أفكار ” أن لي ” في مدن الساحل الشرقي التي زارتها أثناء الوعظ و و فقًا للعديد من الروايات المأخوذة من الهزازين الذين رافقوها و كذلك من بعض الشهود فغالبًا ما كان الغوغاء يسئيون إليها و يجردوها من تنانيرها و ملابسها الداخلية للتحقق عما إذا كانت امرأة أو رجلاً أو ساحرة و بعد أن أضعفتها تلك الإعتداءات توفيت ” أن لي ” بعد وقت قصير من إكمال رحلتها الدينية .
و عقب وفاة الأم ” آن ” تولت الأم ” لوسي رايت ” الإشراف علي جميع مستوطنات الهزازين البالغ عددهم 18 و المنتشرة في عدد من الولايات في الفترة من عام 1796 و حتي عام 1821 و كانت في ذلك الوقت تدار كل مستوطنة من قبل إثنين من الشيوخ الذكور و إثنين من الإناث و كان ذلك متعمد لأن داخل مجتمع الهزازين لا يجوز تقدير أحد الجنسين علي حساب الآخر كما كان هناك فهم بأن المجتمع سيفشل إذا لم تحترم الأخوات الأخوة و تدعمهم في أعمالهم و العكس صحيح لذلك كانت المساواة مسألة هامة داخل تلك المجتمعات كما أنه كان يتم وضع أسماء الشيوخ الذكور بجانب الإناث عندما يتم تسجيل أسماء مسؤولي الجمعية في القوائم حيث كان يتم ذكر أسماء الرجال أولاً على الجانب الأيسر من الصفحة و أسماء النساء على الأيمن و هذا لا يعني أن المرأة كانت ثانوية أو تابعة في تلك الشراكات حيث كان في عدد من المستوطنات الأنثي هي الوصية الرئيسية و ليس الرجلين اللذان يظهر اسمائهما في العمود الآخر بمعنى أنه كان بإمكان نساء الهزازين أن يشغلن مناصب قيادية و لكن مع ضرورة تمثيل كلا الجنسين .
و في داخل مجتمع الهزازين كان يعتبر الجنس أمر محرم علي أعضائه لأنه أصل الشرور و الخطيئة الأصلية و بمجرد التوقيع علي الإنضمام إليهم فهذا معناه أن جميع الروابط العائلية قد إنحلت كما لا يوجد تسلسل هرمي زوجي يمكن التعامل معه لأنه في أماكن أخرى من أمريكا في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر كانت الزوجات قانونيًا يتبعون ملكية الزوج لذلك أعطي مجتمع الهزازين للمرأة الفرصة للتحرر من ذلك و عدم الضرورة إلي إنجاب و تربية الأطفال لذلك أصبحت القاعدة داخل تلك المجتمعات هي لا جنس و لا عائلة و الجميع متساوي لأنه حق من حقوق الإنسان لذلك كان يعيش الرجال و النساء معًا في منازل على طراز المهاجع في ظل قوانين صارمة تحكم ذلك المكان .
و على الرغم من تعرضهم للاضطهاد في كثير من الأحيان بسبب حياتهم المسالمة أو نتيجة المعتقدات الغريبة المنسوبة إليهم فقد نال الهزازين الإعجاب من قبل الغرباء بمزارعهم النموذجية و مجتمعاتهم المنظمة و المزدهرة و التعامل العادل مع الأخرين حيث أنتجت صناعتهم و براعتهم العديد من الإختراعات مثل المروحة اللولبية و معدن البابيت و المشط الدوار و النابض الآلي و العجلة المائية التوربينية و المنشار الدائري و مشبك الغسيل العادي كما كانوا هم أول من قام بتعبئة البذور و تسويقها و كانوا في يوم من الأيام أكبر منتجي الأعشاب الطبية في ” الولايات المتحدة ” .
أقرأ أيضا : جماعة راجنيش التي قامت بأكبر هجوم بيولوجي في تاريخ الولايات المتحدة
و وصلت مجتمعات الهزازين إلى ذروتها خلال أربعينيات القرن التاسع عشر عندما التحق بهم حوالي 6000 عضو لكنها تراجعت لاحقًا بسبب التغيرات في الإحتياجات الروحية و إصرار زعماء الجماعة علي العزوببة و إستمرار معارضتهم للإنجاب أو ممارسة الجنس و بحلول عام 1905 كان هناك 1000 عضو فقط ثم بدء العدد في التناقص بشكل أكبر و في مطلع القرن الحادي والعشرين أصبح يوجد قرية واحدة فقط تتبع مجموعة الهزازين بالقرب من نيو جلوستر بولاية “مين ” و كان يعيش فيها أقل من 10 أعضاء .