لا تقتصر الحروب بين الدول علي المعارك الحربية التي تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة أو الصراعات المخابراتية التي يقوم بها الجواسيس لجمع المعلومات عن الأعداء بل أيضا يشارك فيها القوي الناعمة بكافة أفرعها الفنية و الأدبية و الرياضية و لن نبالغ إذا قلنا أنها ربما تكون هي أخطر الأسلحة المستخدمة في الحروب لأنها تعتمد علي الأفكار التي يتم بها التأثير علي الأخرين و إذا نظرنا علي الحرب الباردة التي كانت مشتعلة بين الولايات المتحدة و الإتحاد السوفيتي سنجد أن ذلك السلاح قد أستخدم بفعالية و لعل مسلسل دالاس التلفزيوني الشهير هو أبلغ مثال علي ذلك بعد أن رأي الكثيرين أنه كان أحد أسباب الإنتصار الأمريكي بتلك الحرب .
و دالاس هو مسلسل تلفزيوني أمريكي كان يتم بثه على شبكة سي بي إس داخل ” الولايات المتحدة ” في أوقات الذروة في الفترة ما بين أعوام 1978 و حتي 1991 و تدور أحداثه حول عائلة ” إيوينجز ” الثرية و المتناحرة التي تعيش في ولاية ” تكساس ” و تمتلك شركة نفط و ترعي الماشية بمزرعة في ساوثفورك حيث يركز المسلسل علي زواج ” بوبي إوينج ” و ” باميلا بارنز ” اللذان كانت عائلاتهما أعداء لدودين و مع تقدم الأحداث يصبح شقيق ” بوبي ” الأكبر قطب النفط ” جيه آر إوينج ” و الذي قام بدوره الفنان ” لاري هاجمان ” هي الشخصية المحورية التي تصبح مخططاته و أعماله القذرة هي العلامة التجارية للعرض .
و خلال عرض مسلسل ” دالاس ” نال شعبية كبيرة ليس فقط بالنسبة للأميركيين الذين سئموا الركود التضخمي بل أيضًا للمشاهدين من ” فرنسا ” و ” الإتحاد السوفييتي ” و ” رومانيا ” في عهد الديكتاتور ” تشاوشيسكو ” بالإضافة إلي 100 دولة أخري رأي المشاهدين فيها رجل أعمال مؤسسي يتحكم دائمًا في السياسيين و يخون زوجته الخمرية و يخطط ضد عائلته العنيدة و كل ذلك بسبب طبيعة البيئة الرأسمالية التي يعيش فيها لذلك كان يعد مسلسل مثالي للدول الشيوعية التي تريد إيصال رسالة إلي مواطنيها عن خطورة الرأسمالية علي البشر و ما يمكن أن تفعله من شرور و بإعتراف الأمريكيين أنفسهم لذلك فلا توجد أي غضاضة في عرضه داخل دول حلف وارسو لكن يبدو أن الرسالة التي أرادها المسئوليين لم تصل إلي المشاهدين الذي تابعوا العرض و لكن من زاوية أخري .
فمع عرض مسلسل ” دالاس ” في ” الولايات المتحدة ” سمح الرئيس الروماني ” نيكولاي تشاوشيسكو ” بعرضه في البلاد لأنه تولدت لديه قناعة بأنه يحمل رسالة مناهضة للرأسمالية بما فيه الكفاية و لكن بحلول الوقت الذي غير فيه قناعته كان الأوان قد فات بالفعل بعد أن دفع الثمن غاليا بالثورة عليه و الإطاحة بحكمه و إعدامه رميا بالرصاص بعد أن رأي مواطنيه داخل أحداث المسلسل بديلاً مترفًا للشيوعية التي كانت تجبر الناس على الإنتظار أكثر من عقد من الزمن لشراء السيارة الرومانية في الوقت الذي يشتري فيه الرأسماليين السيارة في أي وقت يشائون بالإضافة إلي طبيعة الحياة الرغدة التي يعيش في الأمريكيين مقارنة بحياتهم و هو ما ولد غضبا دفينا داخلهم بأن ما يعيشون فيه أمر لا يمكن تحمله .
أقرأ أيضا : كيف أثر تشارلي تشابلن في أشهر حلقة تم عرضها في مسلسل ملفات إكس
و عقب سقوط النظام الروماني الشيوعي صرح الممثل ” لاري هاجمان ” بأنه يعتقد أنهم مسئوليين بشكل مباشر أو غير مباشر عن سقوط الإمبراطورية السوفيتية لأن مواطنيهم حين شاهدوا المسلسل نظروا إلي بعضهم قائلين نحن ليس لدينا كل هذه الأشياء و لعل ذلك هو ما جعلهم يتشككون في قياداتهم و لعل الممثل كان محقا في رأيه لأن ذلك الأمر قد حدث من قبل حين سمح ” جوزيف ستالين ” بعرض فيلم “عناقيد الغضب” عام 1940 داخل ” الإتحاد السوفيتي ” لتسليط الضوء على نهب الحياة في ظل الرأسمالية و لكن حين شاهد الجمهور الروسي المشاهد الأخيرة لرحلة عائلة ” أوكي ” بإتجاه الغرب على متن سيارات جالوبي تعجبوا من أنه حتى الفقراء في ” الولايات المتحدة ” يمتلكون سيارات و هو ما أعطي نتائج عكسية لما كان مرجو و هو أمر كان من الواضح أن الديكتاتور الروماني لم ينتبه إليه حين أجاز بعرض المسلسل .