خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر شهدت الولايات المتحدة عصر التحول الديني الذي عرف بإسم الصحوة الثانية الكبرى التي بشرت بظهور المورمونية و حدوث طفرة في البروتستانتية الإنجيلية و خلالها توافد الأميركيين علي الخطب التي كان الدعاة فيها يهاجمون الكحوليات و التبغ بدعوي أن كل الإخفاقات الأخلاقية للأمة جاءت من مثل هذه الرذائل و هو الأمر الذي ساعد قس مشيخي يُدعى سلفستر جراهام إلي إطلاق ما يعرف بإسم النظام الغذائي التقييدي الذي أعتبر أن الأطعمة الموجودة علي أطباق الأميركيين ساهمت هي الأخري في مثل هذه الإخفاقات و أكد أن إتباع نظام غذائي صحي هو من شأنه أن يؤدي إلى حياة صحية أخلاقيا و هذا لن يتأتي إلا بالتخلي عن شرب الكحوليات و تناول اللحوم و الأطعمة المصنعة كما قام بتقديم إبتكاره الخاص و هو دقيق القمح الخشن الذي أدى في النهاية إلى ولادة نوع من البسكويت إشتهر بإسم جراهام كراكر و الذي أعتبر نظامًا غذائيًا مقدسًا كان يُعتقد أنه يبعد الناس عن الشر و يقربهم من الله .
ولد ” سلفستر جراهام ” في سوفيلد بولاية ” كونيتيكت ” الأمريكية في 5 يوليو عام 1794 م و توفي والده عندما كان رضيعا لذلك قام العديد من أقاربه بتربيته و الذين كانوا من الممارسين و الدعاة لذلك أصبح خلال فترة شبابه متأثرا بهم و مهتمًا بحركة الإعتدال و هي مجموعة دينية تسعي لإقناع الناس بالإمتناع عن تناول المشروبات الكحولية و خلال تلك الفترة كان المجتمع الأمريكي يشهد طفرة كبيرة حين وصلت الثورة الصناعية إلي البلاد و إزداد عدد الأشخاص الذين يعيشون في المدن و بدأت المصانع الجديدة في إنتاج أرغفة الخبز ليأكلها السكان و يبتعدون تماما عن المصنوع في المنزل كنوع من التخلي عن العادات القديمة و الموروثة .
و بحلول عام 1826 أعتلي ” سلفستر جراهام ” المنصة الدعوية لأول مرة و أعلن من خلالها أن هناك شرين مزدوجين يدمران الأخلاق الأمريكية و هما الجنس و الشراهة و من أجل الحد من الرغبات الجنسية بدء في الترويج لنظام غذائي مجرد من النكهة و اللحوم و الحرارة وهي ثلاثة أشياء إدعى أنها مسئولة عن إثارة الرغبات لدي الناس كما استهدف الخبز على وجه التحديد بإعتباره جوهر الإخفاقات الأخلاقية و روي قصص عن كيف كان الأمريكيين يخبزون خبز القمح الكامل في المنزل و لكنهم الآن إنغمسوا في الخبز الأبيض المصنوع في المخابز و الذي إدعى بأنه شر أن تأكل مثل هذه الأشياء الحقيرة لذلك إبتكر ” سلفستر جراهام ” نسخته الخاصة من دقيق القمح الكامل الذي عرف بإسم ” دقيق جراهام ” و شجع أتباعه علي خبز أرغفة من هذا الدقيق الكثيف المطحون الخشن .
و لأن ” سلفستر جراهام ” كان يعتقد أن بعض الأطعمة منغمسة في قلب الأزمة الأخلاقية قام بتشجيع أتباعه علي تناول الحبوب الكاملة و الخضروات و الفاكهة و أمر جمهوره بتجنب اللحوم و جميع التوابل و أدعى أن السبب في ذلك هو أن اللحوم و الكحول و حتى الطعام الساخن يحفز الجسم بطريقة غير مقدسة ومع ذلك فإن ما يسمى بنظام ” جراهام ” الغذائي كان يدور حول أكثر من مجرد تجنب الأطعمة “المحفزة” فقط حيث كان من المفترض أن يتحكم المتابعين في حصصهم و يحدون من إستهلاكهم إلى وجبتين في اليوم خاصة بعد وعد ” سلفستر جراهام ” بأن هذا النظام الغذائي سيحدث ثورة في صحة الناس بالإضافة إلي التحكم في دوافعهم الشهوانية .
و إزدادت شعبية نظام ” جراهام ” الغذائي و أدعى المتابعين أنه عالج مشاكلهم الطبية و أصبح “دقيق جراهام ” عنصرًا أساسيًا بالمتاجر في منتصف القرن التاسع عشر حتى أن البعض أطلق علي أنفسهم إسم ” الجراهمة ” و قاموا بإفتتاح منازل متخصصة لإعداد وجباته اللذيذة و في عام 1838 قامت كلية أوبرلين بتقديم وجباته في قاعات الطعام الخاصة بها و فقد أحد الأساتذة وظيفته بعد أن تجرأ على رش الفلفل الأسود على طبق منهم و لكن في النهاية ألغت الكلية ذلك النظام الغذائي الغريب بعد ثورة الطلاب الذين كانوا يرفضوها و كان من الواضح أنهم لم يكونوا بمفردهم حيث كان له خصوم أخرين بدأوا في الظهور خلال محاضرة كان يلقيها حيث إحتج في الخارج الجزارين و الخبازين و سرعان ما تحول التظاهر إلي أعمال عنف بعد أن ألقي أنصار ” سلفستر جراهام ” أكياسًا مملوءة بالجير على المتظاهرين .
أقرأ أيضا : سيرجي فورونوف الجراح الذى قام بزراعة خصية القرود داخل البشر بزعم الحصول على الشباب الدائم
و رغم الجدال الذي أثاره ” سلفستر جراهام ” بأنظمته الغذائية الغريبة لكن كان له الكثير من المؤيدين حتي بعد وفاته عام 1855 عن عمر يناهز 55 عاما حيث أشاد به البعض بإعتباره “نبي خبز النخالة” كما أستمر الجراهمة في التبشير بفضائل ذلك النظام الغذائي حتي أن الدكتور ” جون هارفي كيلوج ” و الذي كان أحد أتباعه إخترع الجرانولا و رقائق الذرة بعد أن إستلهمها من نظامه الغذائي و ظهر أول” بسكويت جراهام عام 1900 أي بعد نصف قرن من وفاته و سرعان ما أصبح البسكويت وجبة خفيفة منتجة بكميات كبيرة لا تزال تنتج حتي اللحظة أما علي الجانب الأخر فقد أشار العديدين أن ” سلفستر جراهام ” صارح عدد من أتباعه يوما أن ذلك النظام الغذائي لم ينجح كما أنه قبل وفاته أدار ظهره لنظامه الغذائي و بدء في أكل اللحوم .