لا يوجد وصف دقيق تستطيع فيه تجسيد الحالة النفسية الاسرائيليه بعد عبور القوات المصريه لقناة السويس و استيلائها على خط بارليف سوى الانهيار التام على كافة الأصعدة السياسية منها و العسكريه خاصة بعد فشل هجومهم المضاد الذى كان يبنى عليه الكثير من الامال نحو تدارك الامور و تحسين الاوضاع خلال تلك الحرب , إنهيار إسرائيلى دفع وزير الدفاع موشى ديان لمخاطبة جولدا مائير قائلا لها بأن نهاية المعبد الثالث أصبحت وشيكة كتشبيه بإقتراب الخسارة الكاملة و هو الامر الذى دفع القادة الاسرائيلين الى مناقشة الخيار الأخير و هو إستخدام السلاح النووى الذى يعتبر بمثابة سلاح ردع و رغم ذلك فكان الجانب المصرى مستمرا فى القتال بشكل يشير الى أنه كان يحتاط الى تلك الخطوة و كما هو معروف بانه لكل فعل رد فعل و هو ما يدفعنا للتساؤل حول عما اذا كان بحوزة مصر أسلحة نووية خلال حرب أكتوبر .
و أثناء تلك المناقشات كان يتم على أرض الواقع حشد إسرائيل لأسلحتها النوويه حيث تم تجميع 13 سلاحا نوويا تكتيكيا و تركيبها على صواريخ ذات مدى بعيد من طراز ” أريحا ” انتظارا لقرار سياسى بإستخدامها و رغم ان البعض قد شكك فى مدى جدية تلك التحركات نظرا الى انها كانت استعراضية بشكل مفضوح بغرض ابتزاز الأمريكيين من أجل إرسال الامدادت العسكريه اليهم الا انه تبقى الحقيقة المؤكدة ان اسرائيل كانت بالفعل تمتلك أسلحة نوويه و كانت معدة للاستخدام لينقلنا هذا الأمر الى الطرف الاخر ليتم طرح سؤالا هاما هل كنا مستعدين فى مصر لمثل ذلك السيناريو ؟ .. الاجابة المنطقيه ان خطة حرب اكتوبر وضعت بتخطيط محكم للغايه بحيث لا يمكن ترك اى ثغرة او مشكلة الا و كان لها حلولا و بدائل و من دون شك كان استخدام السيناريو النووى قد تم وضعه فى الاعتبار حال وصول اسرائيل الى الانهيار الكامل و دخول قادتها الى حالة من اليأس قد تدفعهم الى القيام بأى تصرفات متهورة .. اذن ماذا كان الحل حال إقدام القوات الاسرائيليه الى ذلك الخيار ؟ .. قد لا توجد اجابة رسميه و لكن توجد بعض من التكهنات و التلميحات حول ذلك الموضوع .
ففى عام 2012 قامت وكالة المخابرات المركزية الامريكيه CIA برفع السرية عن عدد من الوثائق الهامه واحدة منها كانت بتاريخ 30 من اكتوبر عام 1973 و كانت بعنوان يحمل تساؤلا عما اذا كان هناك أسلحة نووية سوفيتية فى مصر خلال حرب اكتوبر حيث قالت تفاصيلها أن الولايات المتحدة قد تأكدت من حصول مصر على مجموعة من صواريخ سكود خلال شهر يوليو من ذلك العام و هى صواريخ أرض-أرض ذات مدى يصل الى 160 ميلا و لديه الامكانيه من حمل رؤوس نوويه قادرة على تشكيل تهديد كبير لمختلف الاهداف العسكريه و المدنيه و تستفيض الوثيقه بأن هناك مؤشرات جادة بحصول مصر على أسلحة نووية لتركيبها على تلك الصواريخ بعد أن تم تحميلها على سفينة أقلعت فى 22 اكتوبر من البحر الاسود لتصل الى الاسكندرية بعد يومين لتفرغ حمولتها ثم تعود مرة أخرى الى البحر الاسود و رغم أنه لا توجد أدلة موثقه لدى الامريكيين على ذلك الا انه اثار قلقهم من احتمالية ادخال السوفييت للاسلحة النوويه الى مسرح عمليات الشرق الأوسط حيث قالت الوثيقه انه فى حال صحت تلك الاحتمالات فأن تلك الأسلحة سوف تكون جاهزة للعمل فور وصولها و لن تكون هناك اى مشكلة فى تشغيلها نظرا لوجود بعضا من القوات البحرية السوفيتيه المنتشرة بطول البحر المتوسط و التى يمكنها الوصول الى مصر و تشغيلها و يضيفون ان هناك شواهدا كانت سبب فى لفت انتباههم الى ذلك الامر منهم حديث للرئيس “انور السادات” بأن مصر تمتلك أسلحة قادرة على الوصول الى العمق الاسرائيلى كما ان “الاتحاد السوفيتى” قام بتهديد اسرائيل صراحة بالتدخل بشكل مباشر حال انتهاكها الدائم لاتفاق وقف اطلاق النار .
و تقول الوثيقه انه و رغم تلك المؤشرات الى انه حدث جدال كبير بين اوساط المحللين و أفراد من داخل الادارة الامريكيه حول فكرة ارسال السوفييت لاسلحة نوويه الى مصر حيث قال بعضهم أن موسكو اعتادت دائما على ان تكون تلك الاسلحة تحت سيطرتها و لا تسمح لأحد بأن يقوم بتشغيلها سواها كما تفعل مع دول حلف وارسو كما انها لا تقوم بنقلها بعيدا و ان الحالة الوحيدة التى فعلت فيها ذلك هو خلال ازمة الصواريخ الكوبيه عام 1962 كما ان ذلك التحرك قد يثير حفيظة الامريكيين باعتباره اخلالا بالتوازن الاستراتيجى فى منطقة الشرق الاوسط كما أنه اذا قامت تلك السفن بنقل شحنات نوويه من دون حماية بحرية عند دخولها الى منطقة الحرب فهى معرضة لخطر الاستهداف و التدمير و الجميع يعرف ما هى تأثيرات الملوثات النوويه على المنطقة و هو امرا لن يخاطر السوفييت بحدوثه و حتى على فرض انه قد تم إرسال تلك الأسلحه فهى بغرض ردع اسرائيل عن فكرة استخدام اى اسلحة نووية لضمان انهاء الحرب لصالحها و فى كل الاحوال فان السوفيت سوف يضعون تلك الاسلحة النوويه تحت تصرفهم و حال انتهاء الخطر سوف يتم سحبها مرة أخرى و تختتم الوثيقه بنقل تصور نهائى قائلة ان صواريخ سكود سوف تكون تحت تحكم القوات المصريه اما الرؤوس النوويه فسوف تكون تحت تحكم السوفييت و لن يتم استخدامها الا فى حالة الضرورة التى تقتضى ذلك فى حال اى تهور اسرائيلى .
كان العالم فى ذلك التوقيت يمر بتوتر كبير نتيجة حرب أكتوبر خاصة بعد بدء دخول الدول العظمى كاطراف فيها و بناء تلك المعلومات قام وزير الخارجيه الامريكى ” هنرى كيسنجر” بتحذير الاتحاد السوفيتي من خلال سفيرها “أناتولي دوبرينين” من مخاطر إدخال أسلحة نووية إلى الشرق الأوسط و فى اواخر نوفمبر عام 1973 و صرح خلال مؤتمر صحفى بانه ليس لديه دليل مؤكد على أن الاتحاد السوفيتي أدخل أسلحة نووية إلى مصر و أشار إلى أن هناك تصريحات سوفياتية علنية ترفض ذلك الادعاء .
أقرأ أيضا : مثلت إعترافا بنجاح خطة الخداع الإستراتيجي .. ماذا قالت الوثائق الإستخبارية الأمريكية عن حرب أكتوبر
و رغم انتهاء الحرب الى انه حتى اللحظة لا توجد أى تأكيدات حول تلك المعلومات الموجودة فى الوثيقه من أطراف أخرى الا انه من الواضح و المؤكد أن مصر كانت لن تقف مكتوفة الأيدى حال قررت اسرائيل استخدام أسلحتها النوويه و هو ما لم يحدث حيث كان الرد المصرى وقتها كان سيكون على قدر الحدث .