المادة المظلمة هي أحد مكونات الكون التي يمكن تمييز وجودها من خلال تأثيرات جاذبيتها بدلاً من سطوعها لأنها لا تتفاعل مع الضوء أو المجال الكهرومغناطيسي حيث تحدث مثل هذه التأثيرات في سياق تكوين و تطور و حركة المجرات و البنية الحالية للكون المرئي و موقع الكتلة في الإصطدامات المجرية و تباين الخلفية الكونية الميكروية و هي مادة يصعب إكتشافها بالطرق المعتادة إما بسبب أنها جسيمات دون ذرية لم يتم إكتشافها بعد أو أنها تتكون من ثقوب سوداء بدائية و تُصنف وفق سرعتها على أنها باردة أو دافئة أو ساخنة و يرجح أن لها كتلة لأنها تمارس الجاذبية و متحركة ببطء بالمقارنة مع سرعة الضوء و يرجح العلماء أن المادة المظلمة تشكل نحو 26% من تركيبة المادة و الطاقة الموجودة في الكون أما الباقي فموزع علي الطاقة المظلمة بنسبة 69% و المادة المرئية العادية بنسبة 5% .
و المادة المظلمة التي تسمى أيضًا المادة الباريونية غير مرئية تماما و لا ينبعث منها أي ضوء أو طاقة و بالتالي لا يمكن إكتشافها بواسطة أجهزة الإستشعار أو أجهزة الكشف التقليدية و يعتقد العلماء أن مفتاح طبيعتها المراوغة يكمن في تركيبتها حيث يرجح البعض منهم أنها تتكون من الباريونات و هو الاسم الشامل للجسيمات دون الذرية مثل البروتونات و النيوترونات و الإلكترونات بينما يرجح البعض الأخر أن تكون غير باريونية و هذا يعني أنها تتكون من أنواع مختلفة من الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل التي تبلغ كتلتها ما بين عشرة إلى مائة ضعف كتلة البروتون لكن تفاعلاتها الضعيفة مع المادة العادية تجعل من الصعب إكتشافها .
و لا يقتصر الأمر علي تلك الفرضيتين فقط حيث يوجد فريق يقول أن المادة المظلمة تتكون من النيوترالينو و هي جسيمات إفتراضية ضخمة أثقل و أبطأ من النيوترينوات بينما تري مجموعة علمية أخري أنها مشكلة من النيوترينوات العقيمة التي لا تتفاعل مع المادة العادية إلا من خلال الجاذبية و بشكل عام النيوترينوات هي جسيمات لا تشكل مادة عادية و تتدفق من الشمس و لكن نظرًا لأنها نادرًا ما تتفاعل مع المادة الطبيعية فإنها تمر عبر كوكب الأرض و سكانه من دون أن يشعر بها أحد و هي تنقسم إلي ثلاثة أنواع معروفة أما الرابع فهو النيوترينو العقيم كما يرجح أخرون أيضا إلي أن تلك المادة ربما تتكون من المحور المحايد الأصغر أو الفوتينو الغير مشحون و كلاهما جسيمات نظرية محتملة للمادة المظلمة .
و حتى الأن لا نعرف الكثير حول المادة المظلمة و لكن كل ما نعرفه هو أننا إذا نظرنا إلى مجرة نموذجية فنأخذ في الإعتبار كل المادة التي نراها مثل النجوم و الغاز و الغبار ثم نستخدم قوانين ” إسحاق نيوتن ” للجاذبية و الحركة و النظرية النسبية العامة التي وضعها العالم ” ألبرت أينشتاين ” ثم من خلالهم يتم محاولة وصف حركات تلك المادة فنظرا لأن الأجسام الموجودة في المجرات (جميعها تقريبًا) تتحرك بسرعة كبيرة فمن المنطقي ألا يكون هناك ما يكفي من الجاذبية لمنعهم من الطيران خارج المجرة التي يعيشون فيها و ينطبق الشيء نفسه على المجرات التي تتحرك في مجموعات إلا أن ذلك لم يحدث و هو أمر ليس له تفسير لذلك سوي أنه هناك المزيد من الأشياء (المادة المظلمة ) التي لا نراها بتلسكوباتنا هي المسئولة وجود تلك الأجرام في أماكنها و هو الإحتمال الأرجح و الأقوي أو أن قوانين نيوتن للحركة هي بالأساس خاطئة أو أنها لا تسري علي على نطاق المجرات أو كل شيء أكبر في الحجم .
و يتم التعرف علي المادة المظلمة من خلال الجاذبية و هي القوة التي تمارسها الأجسام المصنوعة من المادة و تتناسب طرديا مع كتلتها فمنذ عشرينيات القرن الماضي أفترض علماء الفلك أن الكون يجب أن يحتوي على مادة أكثر مما يمكننا رؤيته لأن قوى الجاذبية التي يبدو أنها تلعب دورًا في الكون تبدو ببساطة أقوى من المادة المرئية وحدها حيث يقولون أن حركات النجوم تخبرنا بحجم المادة الموجودة ففي السبعينيات توقع بعض الذين فحصوا المجرات الحلزونية أن يروا المواد الموجودة في المركز تتحرك بشكل أسرع من الحواف الخارجية و لكن بدلاً من ذلك وجدوا أن النجوم في كلا الموقعين تتحركان بنفس السرعة و هو ما أشار إلى أن المجرات تحتوي على كتلة أكبر مما يمكن رؤيتها كما أشارت دراسات الغاز داخل المجرات الإهليلجية أيضًا إلي أنه توجد حاجة إلى كتلة أكبر من تلك الموجودة في الأجسام المرئية لأنه سوف تتطاير مجموعات المجرات بعيدًا إذا كانت الكتلة الوحيدة التي تحتوي عليها هي الكتلة المرئية للقياسات الفلكية التقليدية.
و يشير العلماء إلي أن المجرات المختلفة تحتوي على كميات متفاوتة من المادة المظلمة ففي عام 2016 أكتشف فريق مجرة تسمى ” دراجون فلاي 44 ” و التي يبدو أنها تتكون بالكامل تقريبًا من المادة المظلمة و من ناحية أخرى أكتشف عدد من العلماء الأخرين عام 2018 العديد من المجرات التي يبدو أنها تفتقر إلى المادة المظلمة تمامًا و نظرا لأنه معروف أن قوي الجاذبية لا تؤثر علي مدارات النجوم في المجرات فحسب بل أيضًا على مسار الضوء بعد أن أظهر عالم الفيزياء الشهير ” ألبرت أينشتاين ” أن الأجسام الضخمة في الكون تنحني و تشوه الضوء بسبب قوة جاذبيتها حيث تسمى هذه الظاهرة عدسة الجاذبية فمن خلال دراسة كيفية تشويه الضوء بسبب مجموعات المجرات تمكن علماء الفلك من إنشاء خريطة للمادة المظلمة الموجودة في الكون .
و نتيجة كل تلك المؤشرات السابقة أصبح الغالبية العظمي من العلماء مؤمنين بوجود المادة المظلمة في الفضاء خاصة بعد أن أكدت العديد من القياسات الفلكية وجودها و هو ما أدى إلى وجود جهد عالمي لرصد تفاعلات جسيمات المادة المظلمة بشكل مباشر مع المادة العادية في أجهزة كشف حساسة للغاية الأمر الذي من شأنه تأكيد وجودها و تسليط الضوء على خصائصها إلا أنه و لسوء الحظ كانت التفاعلات ضعيفة للغاية لدرجة أنها تفلت من الكشف المباشر و هو ما أجبر العلماء في الوقت الراهن إلي القيام بمحاولات لبناء أجهزة كشف أكثر حساسية .
و يعتقد علماء الفلك أن المادة المظلمة منتشرة عبر الكون بنمط يشبه الشبكة حيث تتشكل مجموعات من المجرات عند العقد التي تتقاطع فيها الألياف و من خلال التحقق من أن الجاذبية تعمل بنفس الطريقة داخل المجموعة الشمسية و خارجها يقدم الباحثين أدلة إضافية على وجود المادة المظلمة إضافة أيضا إلي الطاقة المظلمة و هي قوة غير مرئية مسؤولة عن توسع الكون و تعمل ضد الجاذبية , و حتي اللحظة لا نعرف تحديدا من أين تأتي المادة المظلمة و لكن هناك بعض النظريات و الفرضيات حول ذلك حيث تقول دراسة أنها قد تتركز في الثقوب السوداء و هي بوابات قوية للعدم و التي بسبب قوة جاذبيتها الشديدة تلتهم كل شيء في محيطها و على هذا النحو فإنها قد تكونت في الإنفجار العظيم مع جميع العناصر الأخرى المكونة للكون كما نراها اليوم كما توجد نظرية أخري تقول أن تكونت من البقايا النجمية مثل الأقزام البيضاء و النجوم النيوترونية التي تحتوي على كميات كبيرة من عناصر المادة المظلمة وكذلك ما يسمى بالأقزام البنية و هي نجوم فاشلة لم تجمع ما يكفي من المواد لبدء الإندماج النووي في قلبها .
و حتى اللحظة هناك طريقتان لدارسة المادة المظلمة حيث يدرس علماء الفلك توزيعها من خلال النظر في تجمع المواد و حركة الأجسام في الكون أما الطريقة الأخري فمن خلال إكتشاف الجسيمات الأساسية التي تشكل المادة المظلمة حيث أجريت تجربة على محطة الفضاء الدولية تسمى مطياف ألفا المغناطيسي (AMS) و الذي من خلاله ثبت منذ عام 2011 تعرض الكوكب لأكثر من 100 مليار شعاع كوني و هو ما وفر رؤى رائعة حول تكوين الجسيمات التي تعبر الكون و بالتالي يسهل الأمر علي دراسة مكونات تلك المادة كما يقوم مرصد آيس كيوب للنيوترينو و هو تجربة مدفونة تحت السطح المتجمد للقارة القطبية الجنوبية بالبحث عن النيوترينوات العقيمة الإفتراضية و المرشحة بأنها هي أساس المادة المظلمة كما تبحث العديد من التلسكوبات التي تدور حول الأرض عن تأثيرات المادة المظلمة حيث من المتوقع أن يساهم تلسكوب جيمس ويب الفضائي في البحث عن المادة المظلمة بفضل عيونه التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء القادرة على رؤية بداية الزمن و علي الرغم من عدم تمكنه من رؤيتها بشكل مباشر إلا أنه من خلال مراقبة تطور المجرات منذ المراحل الأولى للكون من المتوقع أن يقدم رؤى لم تكن ممكنة من قبل .
و رغم ما سبق من كل الأدلة التي تشير إلى وجود المادة المظلمة إلا أن بعض من العلماء يشيرون أيضًا إلي إحتمال و إن كان ضعيف إلي عدم وجود شيء من هذا القبيل على الإطلاق و أن قوانين الجاذبية التي تصف حركة الأجسام داخل النظام الشمسي هي ما تحتاج إلى مراجعة ليس إلا .