علي الرغم من أن المهرجانات السنوية هي فعاليات تنظم في غالبية دول العالم إلا أن الإحتفالات المقامة في منطقة جنوب شرق أسيا دائما ما تحمل طابع خاص و ذلك لإستنادها علي تراث شعبي متميز ذات صلة بالمعتقدات الدينية الخاصة بهم و يعد مهرجان لوي كراثونج الذي ينظم في تايلاند بشكل سنوي واحد من أبرز تلك الأمثلة حيث يتجمع السكان المحليين و معهم السائحين بالقرب من الأنهار و البحيرات و البرك المنتشرة في البلاد للإحتفال به من خلال وضع سلالا مزينة تحمل البخور و الشموع و القرابين و إطلاقها في الماء بغرض الحصول علي البركة و الحظ الوفير كما يضاف إليه في بعض من المناطق بشمال البلاد تقليد أخر مذهل يتعلق بإضاءة فوانيس و إطلاقها في السماء التي تكتسب مشهدا خلابا لتكون ذكري من الصعب علي حاضريها نسيانها .
و قد يكون إسم مهرجان ” لوي كراثونج ” غريبا علي السمع إلا أن ترجمته من التايلاندية إلي الإنجليزية تعني “السلة العائمة” و هو ما يشير إلي تقليد إطلاق سلال على شكل زهرة اللوتس لتطفو على طول الماء و على الرغم من عدم وجود إجماع نهائي حول الأصول الحقيقية لتقليد ” لوي كراثونج ” إلا أن الكثيرين يعتقدون أنه نشأ من مدينة سوخوثاي القديمة التي تقع علي بعد حوالي خمس ساعات تقريبا شمال العاصمة “بانكوك” و لا تزال قائمة كموقع تراثي حتى اليوم حيث كانت في السابق مملكة تأسست عام 1238م و من المعروف عنها بأنها كانت يوما حضارة مزدهرة و قوية خلال ذلك الوقت .
و وفقًا للأساطير المحلية فقد عاشت بتلك المملكة سيدة نبيلة تدعى “نانج نوباماس” و كانت إبنة كاهن مقرب من الملك و يحظي بتقدير كبير من الرعية و ينسب إليه أنه كان أول من قدم السلة العائمة كهدية لجلالته بعد أن قامت إبنته بصنعها من أوراق الموز المصبوبة بناءً على تقاليد دينية كانت منتشرة في ذلك الوقت حيث قامت بثني أوراق الموز على شكل زهرة اللوتس التي تحمل أهمية كبيرة للشعب التايلاندي كرمز للنقاء و الولادة الجديدة ثم أضافت بداخلها شمعة و أعواد بخور و بعد أن تلقي الملك الهدية الجميلة أشعل شمعتها و أعواد بخورها ثم أطلق الكراثونج على أحد الممرات المائية القريبة .
و رغم إنتشار تلك الأسطورة بين الناس إلا أن بعض المؤرخين يقولون أن السيدة النبيلة ” نانج نوباماس ” كانت مجرد شخصية خيالية من العصور القديمة و ظهرت لأول مرة في كتاب تم تأليفه في القرن الثامن عشر لكن تأثيرها و إرتباطها بإحتفالات ” لوي كراثونج ” الشهيرة لا يزال مستمرًا حيث تقيم العديد من الأماكن في تايلاند مسابقات جمال و عروض رقص داخل مهرجان ” لوي كراثونج ” تكريمًا لتلك المرأة النبيلة الرائعة حتي و إن كانت غير موجودة في الواقع .
و يعد ” لوي كراثونج ” أحد أكبر المهرجانات في ” تايلاند ” و يتم الإحتفال به خلال إكتمال القمر في الشهر الثاني عشر من التقويم القمري التايلاندي التقليدي و إذا كنت تتبع التقويم الغربي فإن إحتفالات ” لوي كراثونج ” تقع في وقت ما من شهر نوفمبر عندما ينتهي موسم الأمطار إعتمادًا على المدينة أو المنطقة و يمكن أن تستغرق الإحتفالات إلي ما يصل ثلاثة أيام أو أكثر و على الرغم من أنه يعتبر عادة ثقافية أكثر من كونه عطلة دينية إلا أن العديد من التايلانديين يضعون نوعًا من القرابين مثل العملات المعدنية داخل الكراثونج المزخرف بشكل جميل كهدية لإلهة الماء التي تعرف بإسم “ماي خونجكا” ثم يبدأون الصلاة من أجل الحصول علي البركة و الحظ الوفير حيث يعتقدون أنه حين يحمل الكراثونج القرابين و يطفو علي الماء مبتعدا عن صاحبه فذلك معناه أنه يحمل الحظ السيئ بعيدا عنه و دلالة على بداية جديدة لرواد المهرجان .
و يصنع الكراثونج عادةً من أوراق الموز المطوية على شكل زهرة اللوتس و التي توضع بداخلها الزهور المزخرفة و القرابين كما يمكن أيضًا صنعه بإستخدام لحاء الشجر أو قشور جوز الهند كما يحدث في مقاطعة ” تاك ” الغربية المتاخمة لميانمار و التي تشتهر بأشجار جوز الهند ذات الشكل المميز حيث يقوم الأهالي بتجميع ثمرات الجوز و تنظيف قشوره جيدا ثم يتم ملؤه بالشمع المذاب للحفاظ على الفتيل في مكانه و بعدها يتم ربط كراثونج جوز الهند معًا لإنشاء مجموعة من عوامات جوز الهند المضاءة بالشموع و التي تسمى لوي كراثونج ساي ثم يتم إطلاقها على طول نهر بينج بالمنطقة .
و خلال مهرجان ” لوي كراثونج ” يقوم البائعين ببيعه بأشكال و أحجام و ألوان متنوعة و يعد لوتس أوراق الموز هو الشكل الكلاسيكي له لكن صانعي السلال الأكثر إبداعًا يمكنهم صنع الكراثونج على شكل قلوب و حيوانات عائمة ثم يتم تزيينه بالبخور أو الشموع أو كليهما و بعد ذلك يقوم رواد المهرجان بإشعالهم قبل وضع السلة على الماء لتطفو بعيدا و نظرًا لأن مهرجان ” لوي كراثونج ” النابض بالحياة يترك الممرات المائية مغمورة بالسلال فقد كانت هناك دعوات متزايدة نحو إستخدام المواد الطبيعية القابلة للتحلل الحيوي في صنع تلك السلال حتى لا تصبح المياه ملوثة بشدة كما تم حظر الكراثونج المصنوع من المواد البلاستيكية في العديد من الأماكن في “تايلاند” .
و رغم شهرة مهرجان ” لوي كراثونج ” فى عموم “تايلاند” إلا أن الإحتفال به في شمال البلاد قد يكون ذات طابع خاص ففي مدينة ” شيانج ماي ” المعروفة بجبالها الهادئة و آثارها التاريخية التي خلفتها مملكة ” لانا ” القديمة يقام تقليدًا رائعًا آخر يتم الإحتفال به جنبًا إلى جنب مع ذلك المهرجان و هو إحتفالية ” يي بينج ” أو مهرجان ” شيانج ماي ” للفوانيس و الذي يقام لتكريم ثقافة “لانا” حيث يختلف مهرجان “يي بينج ” عن مهرجان ” لوي كراثونج ” من خلال إضافة طقس فوانيس السماء أو “خوم لوي” التي تضاء و تطلق في سماء الليل حيث يتصادف توقيت ذلك المهرجان مع الأخر أثناء اكتمال القمر في الشهر الثاني عشر من السنة القمرية التايلاندية لذلك تقام الإحتفالات جنبًا إلى جنب .
و في حين أن السلال العائمة في مهرجان ” لوي كراثونج ” مصنوعة من أوراق الموز و الموارد الاستوائية الأخرى فإن فوانيس السماء “خوم لوي” عادة ما تكون مصنوعة من ورق الأرز الذي يمتد فوق إطارات من الخيزران و يكون في داخل الفانوس شمعة مركزية و بعد إشعالها يتم حبس الهواء الساخن داخل الفانوس مما يجعله يطفو و يقال أنه إذا أختفى الفانوس الخاص بك عن الأنظار قبل أن ينطفئ الضوء فهذه علامة على سنة جيدة للغاية و لكن إذا تعرض الفانوس الخاص بك للتدمير أو التعطل فمن المتوقع حدوث عام من الحظ السيئ و يعتقد التايلانديين أن تمني أمنية قبل ترك فانوس السماء سوف يساعد في تحقيقها و في بعض الأحيان يكتب رواد المهرجان رسائل لطيفة على الجزء الخارجي من فوانيسهم على الرغم من أن الشخبطة تصبح بالكاد مرئية بمجرد إرتفاعها في الهواء .
أقرأ أيضا : مهرجان بوفيه القرود .. مهرجان تايلاندي سنوي فريد من نوعه تكون القرود فيه هم ضيوف الشرف
و نظرا لأن ” تايلاند ” لها جذور عميقة في البوذية فيعتقد الكثيرين أن تقليد مهرجان مصابيح ” يي بينج ” جاء من ” الهند ” و يرجع أصله إلي أسطورة تحكي عن طائر حمل شمعة و قام بزيارة “بوذا” ذات مرة و تحدث معه لذلك فيعتبر ذلك المهرجان وسيلة لإبداء الإحترام لبوذا و الذي وفقًا للدين لديهم يمكن أن يساعد المؤمنين على تمهيد الطريق لحياة رائعة من التناسخ لذلك ليس بالغريب أن يكون حاضرا في ذلك المهرجان عشرات الآلاف من الفوانيس المضاءة و المنتشرة عبر السماء مرة واحدة خلال مهرجان مصابيح “يي بينج ” و في حضور كلاً من السكان المحليين و السياح .