في 11 يناير عام 2007 شرع مستكشف و مغامر أسترالي في أواخر الثلاثينيات من عمره و يدعي أندرو ماكولي في أن يصبح أول رحالة بقارب كاياك يسافر منفردًا عبر بحر تسمان من أستراليا إلى نيوزيلندا و رغم بدء الرحلة بشكل جيد و تأكده من إطلاع أصدقائه و عائلته على تحديثات يومية بصور و مقاطع فيديو له داخل القارب الخاص به إلا أنه بعد شهر من المغامرة صدر عنه فجأة نداء إستغاثة و أستجابت له أطقم الإنقاذ و عند وصولها إلي المكان المحدد لم تجد سوي قاربه و بعض من متعلقاته الخاصة أما بالنسبة له فلم يكن له أي أثر و إلي اليوم لا يزال أندرو ماكولي مفقودًا و لا تزال عائلته و أصدقاؤه يأملون في أن يعرفوا يومًا ما عما حدث لذلك المغامر الجرئ .
ولد “أندرو ماكولي” في 7 أغسطس عام 1968 في جولبرن بنيو ساوث ويلز بأستراليا و كان هو و أخيه ” مايكل ” محبين للمغامرات منذ الصغر حيث كان الإثنان يذهبان للسباحة و تسلق الأشجار و حتى القفز في المياه من أعلي المنحدرات و حين أصبح شابًا بالغًا كانت شجاعته و رغبته في المغامرة كثيرًا ما تأخذه في رحلات حول العالم و التي كانت واحدة منها في منطقة ” باتاجونيا ” أواخر التسعينيات و فيها أكتشف حبه للتجديف بقوارب الكاياك فبعد أن تعرض لعاصفة شديدة أثناء تسلق الجبال قام هو و أصدقاؤه بالتجديف عبر المضايق التشيلية و فيها أدرك “أندرو ماكولي” قوة هذه الرياضة خاصة و أنه يمكن ممارستها في أي طقس و وسط أي ظروف محيطة مهما كانت صعبة .
و بعد هذا الحادث أنطلق “أندرو ماكولي” إلي ممارسة هذه الرياضة بكثافة و في عام 2003 أصبح أول شخص يركب قوارب الكاياك في عبور مباشر و بدون توقف لمضيق باس و هو إمتداد بحري غادر بين البر الرئيسي لأستراليا و جزيرة تسمانيا و أستغرقت رحلته التي يبلغ طولها 220 كيلومتر 35 ساعة و بعدها قام برحلة أخري طولها 530 كيلومتر تقريبًا عبر خليج كاربنتاريا الواقع في شمال أستراليا و أستغرقت أسبوعًا و خلال تلك الرحلات أصبح “أندرو ماكولي” معتادًا على النوم في قارب الكاياك الخاص به طوال الليل و بات من الواضح أنه أصبح من ذوي الخبرة في الإبحار و لديه مئات الساعات من الرحلات الخطرة لذلك عندما أعلن عن واحدة من أكبر رحلاته أعتقد الكثيرين أنه سينجح فيها .
كانت رحلته المنشودة تلك هي إجتياز بحر تسمان و هو إمتداد مائي خطير يقع بين “أستراليا” و “نيوزيلندا” و قد حاول العديد من المغامرين سابقا القيام بنفس الرحلة و لكن جميعها باءت بالفشل لذلك أراد ” أندرو ماكولي ” في أن يصبح أول من يقوم برحلة ناجحة لذلك و بحلول ديسمبر عام 2006 غادر في رحلة عبر بحر تسمان لكنه سرعان ما ألغي المهمة بعد ليلة واحدة فقط حيث كانت المنطقة شديدة البرودة و عانى من إنخفاض في حرارة الجسم من قبل أن تبدأ الرحلة فعليًا و مع ذلك لم يرتدع و قرر القيام بها مرة أخري في يناير عام 2007 مع وجود قارب كاياك جديد طوله 6 أمتار و تم تعديله ليناسب النوم بداخله مع وضع مظلة صفراء من الألياف الزجاجية ذات وجه كرتوني على قمرة القيادة للحماية من أي عواصف قاسية و عندما كان على ” أندرو ماكولي ” أن ينغلق على نفسه داخل القارب طوال الليل كان يقوم بتشغيل جهاز تنفس صناعي يعمل علي تدفق الهواء إلي الداخل و منع أي ماء من دخول القارب إذا غمرته المياه .
و خلال رحلته خصص ” أندرو ماكولي ” بعض من وقته لتسجيل الرحلة بالصور و بمقاطع الفيديو و في واحدة منها أشار أمام كاميرته المحمولة إلى مدى حماسه و توتره بشأن الرحلة حيث قال أنها مغامرة ممتازة و مذهلة و يتمني أن ينجح في إجتيازها و يشعر أنه بحالة جيدة و يرجو أن يصل إلي نهاية الرحلة قريبا و يضيف أنه عندما يكبر سينظر إلي الوراء و يشعر بالإثارة لأنه تمكن من فعل ذلك علي الرغم من صعوبة الأمر , و بعد ما يقرب من شهر من رحلته كان ” أندرو ماكولي ” قد قطع رحلة عبر غالبية بحر تسمان قبل أن يضرب قاربه عاصفة شديدة قبالة ساحل “نيوزيلندا” و رغم قوتها إلا أنه كان من الواضح في البداية أنه قادرًا على التغلب عليها حيث أمضى أكثر من 27 ساعة داخل قاربه و رغم غمر القارب أسفل المياة عدة مرات و لأعماق تحت الامواج وصلت إلي 9 أمتار و إصابة القارب بعدد من التلفيات إلا أنه نجا في النهاية و لم يرسل ” أندرو ماكولي ” أي إشارة إستغاثة إلا بعد مرور العاصفة .
و بحلول 8 فبراير أي بعد يوم واحد من إنتهاء العاصفة أرسل ” أندرو ماكولي ” إلى زوجته “فيكي ” رسالة جاء فيها : “أراكي في التاسعة صباحًا يوم الأحد!” و عليه نظمت عائلته و أصدقاؤه حفل ترحيب له في ميلفورد ساوند بنيوزيلندا و نقلت مجلة بادلينج عن زميله المغامر “بول كافين” قوله بأنه كان يخطط هو و أصدقاء له بالتجديف في المياه و الإنتظار هناك و معهم زجاجة من الويسكي للإحتفال به فور ظهوره في المياه و لكن ” أندرو ماكولي ” لم يحضر قط و في وقت لاحق أكتشفت العائلة أن خفر السواحل النيوزيلندي كان قد تلقى رسالة إذاعية مشوشة و غير متماسكة إلى حد كبير في يوم 9 فبراير حيث أعتقدت العائلة أنه كان يقوم بتسجيل الوصول لهذا اليوم فقط لكن خفر السواحل تمكنوا لاحقًا من فك شفرة الكلمات و كان محتواها هو طلب المساعدة .
و في الساعات الأولي من يوم 10 فبراير قام فريق بحث مكتمل بالطائرات بمسح المنطقة التي من المحتمل أن يكون فيها ” أندرو ماكولي ” و في تلك الليلة عثروا على قاربه المقلوب على بعد 55 كيلومتر فقط من ميلفورد ساوند كما عثرت فرق البحث أيضًا على معداته لكن ” ماكولي ” لم يكن موجودا و من الغريب أن أطقم البحث لاحظت أن قارب الكاياك كان في حالة شبه مثالية مع بعض الأضرار التجميلية فقط من العاصفة كما كان مجدافه و هاتفه و جهاز تعقب GPS و راديو الطوارئ موجودين داخله و رغم البحث المضني إلا أنه لم يتم العثور عليه و أعلن في 12 فبراير أنه تم إيقاف البحث عن “أندرو ماكولي” .
أقرأ أيضا : الزوجين موريس و مارلين بايلي و رحلتهم المثيرة نحو المجهول فى 117 يوما بقلب المحيط
و نتيجة المشهد الغريب أنتشرت بسرعة أخبار ذلك الحادث الغامض و معه بعض من النظريات لمحاولة تفسيره و وفقًا لبول هيويتسون و هو صانع لقوارب الكاياك الخاصة فيرجح أنه من المحتمل أن يكون قارب ” أندرو ماكولي ” قد إنقلب بينما كان غطاء قمرة القيادة في غير مكانه و عليه أنفصل عن قاربه بطريقة ما و نظرًا لثقل المعدات الموجودة فمن المحتمل أنه لم يتمكن من إرجاع القارب إلي وضعه الطبيعي مجددا كما تتكهن نظريات أخرى بأن موجة مارقة ربما تسببت في الإطاحة به عن القارب و اليوم لا يزال ” أندرو ماكولي ” مفقودًا و يفترض أنه مات و تقبلت عائلته و أصدقاؤه إلى حد كبير تلك النهاية المأساوية و في 26 فبراير عام 2007 أقاموا حفل تأبين له في منارة ماكواري بسيدني بحضور أكثر من 400 شخص من أسرته و أصدقائه و محبيه لإحياء ذكراه و الحديث عن مغامرة مثيرة لم تكتمل .