في عام 2013 كان العالم علي موعد مع إكتشاف إحدى العجائب الجيولوجية المكتشفة حديثًا في أعماق جبال الأنديز و الواقع علي بعد حوالي 100 كيلومتر جنوب شرق مدينة كوسكو في بيرو و علي إرتفاع أكثر من خمس كيلومترات فوق سطح البحر و هو جبل قوس قزح أو فينيكونكا المكون بسلسلة من التلال النابضة بالحياة و المصطفة على جانبيها طبقات متنوعة من الألوان أبرزها الأحمر و البرتقالي و الأصفر و الفيروزي لذلك ليس بالغريب أن يعتبره السكان المحليين مكانًا مقدسًا و رمزًا للأبوة و الذكورة لأنه و كما يقولون يُخصب من الأرض الأم و هو ما يجعله الحامي الروحي للسكان الأصليين و رغم إعتياد غالبية السياح على التدفق إلى تلك الدولة لزيارة أطلال حضارة الإنكا إلا أنه منذ إكتشاف جبل قوس قزح طرأ تحول كبير بعد أن أصبح يزوره يوميا أكثر من 1000 سائح فضولي .
و رغم إكتشاف تلك الظاهرة المحيطة بجبل قوس قزح حديثا إلا أنه موجود منذ قديم الأزل لكنه كان مخفيًا عن الأنظار لأن المنطقة كانت مغطاة بالكامل بالثلوج و في الآونة الأخيرة فقط و نتيجة تأثيرات التغيرات المناخية الناجمة عن الإحتباس الحراري و التي أدت إلي ذوبانها تم الكشف عنه مؤخرا إضافة إلي معرفة أن المنطقة المحيطة به غنية بالمعالم الجيولوجية الفريدة بدءًا من المنحدرات الجرانيتية و حتى الوديان الكبيرة التي تآكلت بسبب الأنهار الجليدية و لكن يعتبر أكثر ما يميز جبل قوس قزح عن باقي الجبال الأخرى المحيطة به هو بالطبع مجموعة ألوانه النابضة بالحياة بسبب عناصره المكونة من 14 معدنًا مختلفًا و يظهر كل واحد منهم بلون مختلف تماما عن الأخر .
و يعتبر جبل قوس قزح واحد من عدة قمم تشكل سلسلة من البراكين الخاملة الآن و التي تشكلت عندما سقطت صفيحة نازكا التكتونية تحت صفيحة أمريكا الجنوبية و نتيجة الأنشطة البركانية فقد عمل ذلك علي جرف المعادن التي كانت موجودة في أعماق الأرض و ضغطها في طبقات مختلفة من الصخور الرسوبية مثل الحجر الرملي و الهاليت و الحصى و الطين و المعادن الأخرى ثم تعرضت هذه المعادن للظروف البيئية المحيطة بها مثل الثلج و الرياح و الماء بشكل أدي إلي حدوث تغيرات في ألوانها و أصبح كل لون يأتي من معدن مختلف حيث تشير الطبقات الحمراء إلى صدأ أكسيد الحديد بينما تشير الطبقات البرتقالية و الصفراء إلى كبريتيد الحديد بينما يأتي الفيروز من الكلوريت الذي يتفاعل مع اللون الأصفر ليشكل اللون الأزرق الفيروزي اللامع .
و رغم شهرة المكان بجبل قوس قزح إلا أنه يطلق عليه أحيانا إسم “فينيكونكا” أو “مونتانا دي سيتي كولورز” و التي تترجم إلي “جبل الألوان السبعة” و في حين أنه من المحتمل أن تكون الجبال الأخرى في نفس السلسلة لها ألوان مماثلة أسفل واجهاتها الصخرية إلا أن جبل قوس قزح مختلف عنهم لأن مظهره الخارجي قد تم محوه بالكامل بسبب عوامل التآكل حيث يشير كبار السن من السكان المحليين و الذين قطنوا في تلك المنطقة منذ القدم إلي أن ذلك الجبل كان مغطي بالكامل من الثلوج و لكن نتيجة الإحتباس الحراري فقد عمل علي ذوبانها و ظهوره بذلك الشكل الفريد من نوعه و يقولون أن الأفراد يأتون إلي ذلك المكان للإستمتاع بجماله و بهوائه النقي و محاولة الشفاء من الأمراض إضافة إلي التواصل مع أسطورة روح الجبل التي تراقب جبال الأنديز في البيرو .
و تعد رحلة الوصول إلي جبل قوس قزح من بلدة كوسكو القريبة حيث يقيم معظم السياح ليست أمر سهل حيث يتطلب الأمر عدة أيام من المشي لمسافات طويلة للوصول إلى القمة لأنها تقع في أعماق جبال الأنديز لذلك حاولت بلدية المدينة مؤخرًا تيسير الأمر بتمويل خط من الحافلات التي يمكن أن تنقل الزوار إلى أقرب مكان لهذه الأعجوبة الجيولوجية مع التأكيد علي ضرورة وجود مرشد ذات خبرة في ذلك المكان للتنقل بين تضاريسه و نظرا للإرتفاع الكبير للجبل و طول مسار الرحلة فيُقترح أن يترك السائحين أجسادهم تتأقلم مع الهواء الرقيق في هذا الإرتفاعات الشاهقة لبضعة أيام قبل الانطلاق إليه و في بعض الأحيان يصر بعض الأشخاص على مضغ أوراق الكوكا أو شرب شاي الكوكا بإعتباره أمرا مساعدا علي التأقلم كما ينصح الخبراء بإحضار ملابس مقاومة للمطر و الشمس و درجات الحرارة المنخفضة لمواجهة تقلبات الطقس التي يصعب التنبوء بها كما أنه أحيانا قد تحجب السحب مناظر جبل قوس قزح تمامًا لذلك إذا كنت محظوظا بما فيه الكفاية و كان وجودك وسط ظروف مناسبة فسوف تلتقط صور أسطورية لذلك المكان .
أقرأ أيضا : لونجييربين .. البلدة النرويجية التى يحظر الموت على أراضيها
و رغم أن تدفق الزوار قد بث حياة جديدة في ذلك المجتمع الجبلي المحلي إلا أنها في نفس الوقت تسببت ببعض من المتاعب ففي السنوات الأخيرة و مع زيادة أعداد السائحين فقد أدي ذلك إلي تأكل المسار المؤدي إلي الجبل و الذي يبلغ طوله 4 كيلومترات إضافة إلي أن وجودهم قد تسبب في وفاة الحيوانات الدقيقة التي تعيش علي جانبي ذلك الطريق نتيجة سحقهم بالأقدام لذلك يحاول الخبراء وضع مسارات خاصة من شأنها أن تساعد في الحفاظ على المناظر الطبيعية و في نفس الوقت غير ملوثة قدر الإمكان كما يأمل البعض إلي تأهيل المرشدين نظرا لأنهم غير مجهزين بشكل كافي للتعامل مع الأعداد الهائلة من السياح يوميا إضافة إلي صعوبة التواصل معهم حيث لا يفهم أغلبهم سوي اللغة الإسبانية و يطالب البعض بضرورة تدريبهم علي على الإسعافات الأولية و مهارات البقاء الأساسية الأخرى و هو ما تعمل عليه الحكومة البيروفية حاليا .